تركيا والكارت الأحمر والصبر الجميل
ناصر قنديل
– منذ اتضاح مشروع العثمانية الجديدة في خطاب حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب أردوغان، وتلاقيه مع لحظة الضعف الأميركية و«الإسرائيلية» عن خوض الحروب كبديل قادر على كسر سورية بصفتها الحلقة المركزية في سلسلة حلف المقاومة الممتدّ من إيران فلبنان وفلسطين، كانت المنطقة تدخل دوامة زلزال كبير، فتركيا المئة مليون نسمة والاقتصاد الأكبر في المنطقة والجيش الأهمّ والعضو في الأطلسي تنفتح شهيتها على التهام سورية، ووضعها تحت إبطها كممرّ ومستقرّ لمشروعها الذي لا يستطيع البقاء في مصر وتونس ما لم تسقط سورية في حضنه، وفقاً للصفقة المعقودة مع الأميركي و«الإسرائيلي».
– أهمية المال القطري والسعودي والإعلام والفتاوى والاستخبارات في كفة، والحاضنة التركية في كفة وحدها، فمن دون تركيا لا جرأة لأحد على تقديم حدوده للحرب غير المعلنة، ولا قدرة لأحد على استيعاب ربع مليون مقاتل وافدين من أصقاع الدنيا وترتيبهم وتنظيم شؤونهم وتسليحهم وتسليمهم التمويل اللازم والآتي من قطر والسعودية، والسلاح الآتي من فرنسا أو المشترى من ليبيا، فكلّ الاستعدادات والقدرات هامة بقدر ما تركيا مستعدة لتوظيفها والانخراط في قيادة هذه الحرب.
– الاستفزاز التركي الكلامي، وبعده الاستفزاز التركي العملي والميداني، كان كافياً لإشعال حرب حدودية سورية ـ تركية، وكثير من السوريين ومحبّي سورية، كانوا يرون أنّ البديل للاستنزاف القاتل الذي فرضه التورّط التركي على سورية أشدّ أذى من دفع الأمور إلى حالة حرب ربما ترتدع تركيا إذا أحسّت بجدّيتها، وإنْ لم تفعل فسيكون لتداعياتها مع تساقط الصواريخ على المدن ما يكفي لتغيير المعادلات، وكانت سورية تتصرف على قاعدة أنّ استفزازات أردوغان تهدف إلى جرّ سورية نحو حرب تجعل التدخل التركي موضوع قبول من الشعب التركي بقوة الحسّ الوطني والمنطق الدفاعي، وأنّ الصبر جميل إذا تمتعت به سورية وهي تنزف لأنّ صبر الشعب التركي الجميل على أردوغان سينضب، وستكون الساعة التي لا يتوقعها أحد ليقول الأتراك للسلطان الصغير كفى، وتبدأ كلّ المعادلات بالتغيّر.
– مثلما نجحت حيويات وديناميات الصمود السوري، باستنهاض الجيش المصري والنخب المصرية للوقوف في وجه الأخونة وتسريع سقوط محمد مرسي، ومثلما شكل صمود سورية سبباً لسقوط دور قطر وتعهّدات أميرها للأميركيين حتى دنت ساعته، وجرى تقديمه كبشاً على المذبح السعودي لتنخرط السعودية وتتولى هي مواصلة الحرب وتضع ثقلها لرعاية تورّط «القاعدة» في الحرب، كانت سورية واثقة من أنّ صمودها سيتكفل بجعل ساعة أردوغان قريبة وعلى يدها.
– الهزيمة المدوية لأردوغان وحزبه، ليست بالقدرة على تشكيل حكومة من عدمها، بل على إصابة المهابة وسقوط الزعامة، وما سيعنيان من تجرّؤ قوى وتيارات ومؤسسات في القضاء والجيش وسواهما على تعبير أشدّ وضوحاً عن الانسحاب من الشراكة في مشروع أردوغان الفاشل وتركه يتحمّل التبعات ويدفع الثمن وحده، بالتالي ما شهدته الانتخابات هو القليل من الكثير الذي سيظهر بعدها، لتكون كرة ثلج يتدحرج معها رأس مشروع الإخوان الذي خسر في هذه الانتخابات القلعة التي كان يأمل عبرها استرداد ما خسره في مصر وتونس بقوة السيطرة على سورية، التي خسر بسببها ما خسر، مراهناً أنه سوف يربح الكثير إذا ربحها مرة أخرى.
– جولة فاصلة ومصيرية طوت صفحة الإخوان من حياة المنطقة، وطوت صفحة العثمانية، وطوت الصفحة الأخطر في الحرب على سورية، فاليوم ليس هو الأهمّ، بل المسار الذي افتتحه هذا اليوم والذي سيعبّر عن ذاته بتداعيات لا تعدّ ولا تحصى هو الأهمّ، وليس من المبالغة القول إنّ سورية وجيشها ورئيسها هم صانعو نصر المعارضة التركية لأردوغان وحزبه، وهم الشريك في النصر وعائداته حكماً.
– إسرائيل كسيحة وعاجزة عن الحرب، يكبّلها ميزان الردع القاتل مع المقاومة، والسعودية تخرج بهزيمة مشينة من اليمن والقبول بحلّ سياسي لا يشبه الخطاب السعودي للحرب بشيء، ومصر مهمّشة عن الفعل مثخنة الجراح، فكانت تركيا الحصان الأبيض للمشروع الأميركي و«الإسرائيلي»، وانتقالها إلى غرفة العناية الفائقة يعني مع اقتراب ساعة التفاهم النووي الإيراني استعداد المنطقة لمعادلات جديدة، تقع فيها سورية في القلب، وترتسم معها معالم نصر يكتب صفحات مجيدة منه رجال الجيش السوري والمقاومة في القلمون.
– مبروك لسورية ومبروك للمقاومة، ما بذرته الدماء النقية في القلمون أزهر وأثمر في شوارع اسطنبول.