ماذا قرّرت السعودية فجأة حتى صمت المشنوق وريفي؟

ناصر قنديل

– خلال الساعات الأربع والعشرين التي تلت ما جرى في اجتماع الحكومة أول من أمس تسنّى للمراقبين استيعاب ما جرى وعكف الديبلوماسيون على كتابة تقييماتهم وانطباعاتهم وأسئلتهم وتقدير الموقف الذي يرون من خلاله لبنانياً المشهد الإقليمي، فقد بدا من هجوم وزراء التيار الوطني الحرّ المنسّق مع حركة الشارع، وتناغم وزراء حزب الله مع توفير الحماية المعنوية له، أنّ ما خرج به اجتماع الحكومة من تثبيت لأولوية مناقشة آلية عمل الحكومة في ظلّ الفراغ الرئاسي، يعتبر انتصاراً كاملاً للتيار ورئيسه العماد ميشال عون، وسقوطاً لكلّ ما قدّمه خصوم التيار من حجج للطعن بهذه الأولوية، فقد قبلوا جميعاً بما كانوا يقولون باستحالة قبوله، والسؤال البسيط طالما كنتم ستقبلون فلماذا عرّضتم البلد والحكومة للاهتزاز، بلا مبرّر، فقد كان على رئيس الحكومة تمام سلام أن يرتضي قبل أسبوعين ما ارتضاه أول من أمس ليكون كلّ شيء قد سار بهدوء، والشيء نفسه كان سيُقال للتيار الوطني الحر لو رضي ببحث بنود جدول أعمال الحكومة بعد التصعيد الذي أقدم عليه من دون التوافق على آلية العمل التي يطالب بها، سيُقال لهم ما دام ممكناً أن تقبلوا بما قبلتم فلماذا أخذتم البلد إلى مواجهة عبثية؟ ولم يعد موضع نقاش اليوم أنّ الكلام سيوجه إلى تيار المستقبل، ولكن خصوصاً إلى رئيس الحكومة تمام سلام.

– الرهان على أنّ حزب الله مرتبك من جراء إصرار العماد ميشال عون على التحرك لفرض أولوية مناقشة آلية عمل الحكومة في ظلّ الفراغ الرئاسي، ثبت أنه في غير مكانه، فقد استمع الجميع إلى السيد حسن نصرالله وهو يقول إنّ حزب الله يعتبر هذا الهدف سبباً كافياً لدعم تحرك العماد عون وتياره، والإعلان عن السير معه في كلّ الاحتمالات، وكذلك الرهان على حيرة حزب الله بين حليفيه العماد عون والرئيس نبيه بري حسمه السيد نصرالله بإعلان تأييد حزب الله فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، بصورة حاسمة واضحة لا تترك مجالاً للالتباس، نحن مع وضع آلية دستورية لعمل الحكومة وعدم تعطيلها ومع فتح دورة استثنائية لمجلس النواب ولا نرى تعارضاً بين الأمرين.

– رسم نصرالله المعادلة، في الشأن الحكومي في ظلّ غياب رئيس للجمهورية نحن مع روزنامة العماد عون، وفي الشأن النيابي نحن مع الرئيس بري، ولا يحرجنا إعلان الوقوف مع حلفائنا ولا نخذلهم.

– المشهد كما رسمته كلمة نصرالله يقول وفقاً لما شهدناه أول من أمس إنّ الحكومة ستنعقد وتقرّ بعد جلسة أو اثنتين أو أكثر آلية للعمل يرضى عنها التيار الوطني الحر بقياس القراءة المسيحية التي يراها في غياب وجود رئيس للجمهورية ورفض ممارسة رئيس الحكومة لمهام رئيس الجمهورية كما فعل من قبل الرئيس فؤاد السنيورة، وما بعد إقرار الآلية التي تبدو باتجاه الحسم في ضوء المعادلات التي حكمت حصول النتيجة التي انتهت إليها جلسة الخميس، ستكون الأولوية لإقرار الحكومة لفتح دورة استثنائية لمجلس النواب وسيقف حزب الله ووزراؤه بقوة مع هذا المطلب بمعزل عن تصرف التيار الوطني الحر ووزرائه، على رغم ما يفترض أنها دعوة لهم للوقوف مع الدورة الاستثنائية لمجلس النواب بعد إقرار الآلية الدستورية لعمل الحكومة، بغض النظر عن كيف سيتصرف الرئيس بري ووزراؤه تجاه مطلب التيار.

– نصرالله الواضح والحاسم يقابله ارتباك وتشوش تيار المستقبل، فقد كان السؤال الذي لم يجد له جواباً، هو لماذا ترك رئيس الحكومة وحيداً يقاتل ويتبادل مع وزراء التيار الوطني الحر الكلمات القاسية والعالية النبرة والمليئة بالتعابير التي تهبط بمستوى مقام رئاسة الحكومة، ولمدة ساعتين استمر خلالها التراشق الكلامي، كيف تمكن الوزيران نهاد المشنوق وأشرف ريفي من إمساك نفسيهما عن الكلام وهما اللذان لا يعرفان الصمت والهدوء عندما يتصل الأمر بالخصومة مع التيار الوطني الحر، واللذان يواظبان ليل نهار على خوض المعارك الكلامية مع حزب الله، ويجعلان لخطاب التحريض المذهبي في وجه التيار الحر وحزب الله عنواناً هو صلاحيات رئيس الحكومة، فكيف ولماذا التزما ضبط النفس والامتناع عن الكلام، وضيّعا فرصاً ذهبية توافرت لهما معها صناعة مجد مذهبي وتحريك شارع عصبي، وساد على وجه كلّ منهما الهدوء والتماسك والابتسامة المصطنعة حتى أنهك سلام وكاد ينهار فتقدّم منه المشنوق وأمسك بيده إلى الغرفة الجانبية منادياً وزيري التيار والحزب لتولد في دقائق الصفقة التي قاتل من أجلها التيار البرتقالي.

– هذا ما كان ليحدث لمجرّد النوايا الشخصية للمشنوق وريفي، بالطموح لرئاسة الحكومة، وإلا لكانت فرصة أحدهما للنيل من الآخر وتسجيل موقف المتشدّد أمام شارع جرت تعبئته وتهيئته للمواجهة تحت عنوان الدفاع عن صلاحيات رئاسة الحكومة وصراع المشنوق ريفي أعمق من منافسة كلّ منهما لسلام.

– التفسير الوحيد أنّ سلام بنى حساباته على معلومات قديمة، لم يقم بالتحقق من سريان مفعولها، بأنّ تيار المستقبل سيواجه ولن يتركه وحيداً، وأنّ مطلب التيار الوطني الحر مرفوض جذرياً، وأنّ الاستعداد للمواجهة مع حزب الله موضع جاهزية ودعم سعودي مفتوح.

– حدث ما يقول إنّ تغييراً ما في السعودية وصل إلى تيار المستقبل ولم يصل إلى سلام يحقق ما دعا إليه السيد نصرالله العالم، ليساعد السعودية للنزول عن الشجرة، فارتكب سلام الخطيئة ودفع ثمنها وحيداً، فجأة قرّرت السعودية بدء النزول عن الشجرة فعلم المشنوق وعلم ريفي ولم يعلم سلام، فحقق عون نصراً براية برتقالية تحت الرعاية الصفراء، لكنه نصر مصادق عليه سعودياً بالصمت والانكفاء تجنّباً لصدام مع حزب الله وليس مع عون، فهل بدأت إشارات التغيير التي يمكن صرفها من رصيد حزب الله الإقليمي في رصيد عون الرئاسي؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى