السعودية تفشل في دوما وتركيا في الزبداني… وإلى الحسم الأمن العام يحقق إنجاز العام… الأسير عاد أسيراً وصيدا حرة
كتب المحرر السياسي:
رغم التنافس بين أجواء التصعيد والتهدئة، يبدو التصعيد طريقاً أحادياً نحو التسويات، فالرهانات على ردع دمشق من دوما كان خياراً سعودياً ومثله الرهان على إفشال هدنة ريف إدلب في الفوعة ومعها هدنة الزبداني، ليأتي الردع المعاكس لحماية أمن دمشق من العبث الدوماني الذي ترجمه رجل الاستخبارات السعودية زهران علوش منذ يومين، ويبدأ الحسم العكسري في الزبداني، ويتحقق التقدّم النوعي في الحيّ الغربي.
بالتوازي كانت المسارات السياسية تسير ببطء وبرود، فقد صرّح نائب وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان أنه في لقاء على هامش مؤتمر وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي توافق مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على ما يستطيعه البلدان للمنطقة عبر الحوار، وعلى أنّ هذا الحوار صار ضرورة للأمن الإقليمي، بينما كانت مصادر أنصار الله تؤكد أنّ وثيقة مسقط التي توافق عليها بمسعى من وزير خارجية عُمان يوسف بن علوي التيار الحوثي مع السعوديين والأميركيين تضمن وقف النار أولاً ومن ثم بدء الحوار وصولاً إلى حكومة وحدة وطنية، وقيادة موحدة للجيش، يليهما تسليم المدن للجيش الموحد، وبدء تطبيق التفاهمات السياسية.
لبنانياً كان الحدث هو إنجاز العام الذي حققه الأمن العام اللبناني بإلقاء القبض على المطلوب الفارّ من وجه العدالة أحمد الأسير، وبعودة الأسير أسيراً تنفّست صيدا الصعداء واستردّت أمانها وحريتها.
الوضع الحكومي معلق، بانتظار معجزة لا تبدو ستحصل، ونسبة التفاؤل بالوساطات لحلحلة في مسألة التعيينات تتراجع وتتصاعد كبورصة تتأرجح على الشائعات، بينما التصعيد في الشارع من قبل التيار الوطني الحر يبدو بعد كلام الأمين العام لحزب الله قد تلقى جرعة دعم معنوية تتيح للتيار البرتقالي الاطمئنان أنه ليس متروكاً وحده، وأنه لن يستفرد، وان تطوّر التصعيد إذا بقي التجاهل، سيوصل لنزول حزب الله إلى الميدان، أو سينتج انتباهاً سياسياً إلى أنّ المعادلة المغلقة لا يفتح اقفالها إلا الإنصات والقبول بالتشارك، ولأنّ هذا لن يحدث بحسابات محلية صرفة فهو ينتظر التطورات الإقليمية وانكسار أقفال تغلق أبواب الحوار السعودي الإيراني والحوار السعودي السوري، وتبدو مفاتيحها المتوقعة يمنية، حيث لا يزال الخطاب المعلن رغم تقدّم المساعي السياسية الذي حققته وثيقة مسقط، فالجماعات الناطقة بلسان السعودية يمنياً تتحدث عن التوجه نحو صنعاء، والحوثيون ومعهم الجيش يقتربون من لحظة يصبح فيها بدء الهجوم المعاكس ضرورة لصناعة التسوية بتكرار مجزرة الدبابات التي صنعتها وحدات صواريخ الكورنيت في اللجان الثورية، وما يمكن ان تضطر إليه وحدات الصواريخ المتوسطة من قصف العمق السعودي لخلق توازن عسكري يعيد فتح المجالات للعقلانية والواقعية السياسيتين، بعدما بدأ غرور القوة يصوّر لجماعات السعودية تقدّم «درع الجزيرة» في تعز ومحيط عدن كأنه ثمرة تفوّق استراتيجي وليس تراخياً وتراجعاً تكتيكياً يريده الحوثيون ويظنون أنّ السعودية على علم به من القنوات الدولية للتواصل التي طلبت عبر موسكو منح السعودية فرصة تحقيق تقدّم عسكري نسبي يبرّر لها القبول بالتسوية دون الظهور بمظهر الخاسر، وبانتظار ذلك يبدو لبنان كما تبدو سورية على نار تتقلب بين الانفراجات الجزئية والمواجهات المفتوحة.
الأسير في قبضة الأمن العام
في ظل الجمود السياسي واستمرار الشلل في المؤسسات الرئيسية وتزاحم الملفات والأزمات التي لم يتم التوصل الى حلول في شأنها حتى الآن، خرق الأمن العام اللبناني هذا الجمود في إنجاز أمني نوعي يضاف الى سجل إنجازاته في مكافحة الإرهاب، تمثل بتوقيف الشيخ الفار أحمد الأسير يوم السبت الماضي، أثناء محاولته مغادرة البلاد عبر مطار بيروت الدولي متوجهاً إلى نيجيريا عبر القاهرة.
وأعلنت المديرية العامة للأمن العام في بيان أنه «عند الساعة 10:30 من يوم السبت، وأثناء محاولة الشيخ الفار أحمد الأسير مغادرة البلاد عبر مطار الشهيد رفيق الحريري إلى نيجيريا عبر القاهرة، مستخدماً وثيقة سفر فلسطينية مزوّرة وتأشيرة صحيحة للبلد المذكور، أوقف من قبل عناصر الأمن العام وأحيل الى مكتب شؤون المعلومات في المديرية المذكورة حيث بوشر التحقيق بإشراف القضاء المختص».
ونفى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في تصريح «كلّ ما قيل عن علاقة لأجهزة أمنية خارجية في عملية إلقاء القبض على الإرهابي أحمد الأسير»، مؤكداً أن «لا علاقة لأيّ جهة فلسطينية او سياسية بإلقاء القبض على الأسير بل جاء بفعل مراقبة حثيثة ومتابعة من قبل الامن العام». وبيّن ابراهيم أن «الأسير ذكر عدداً من الاسماء المتورطة في عمليات إرهابية».
وفور توقيف الأسير بدأت عناصر الأمن العام والأجهزة الأمنية التحرك سريعاً لتوقيف عدد من الأشخاص المرتبطين بالأسير قبل هروبهم بعد اعتقاله، فداهمت شعبة المعلومات في الأمن العام، محلاً لتصليح «الاشبمانات» في المدينة الصناعية في منطقة سينيق عند مدخل صيدا الجنوبي يعود للبناني عبد ش. وهو من مناصري الأسير.
عملية دقيقة وبارعة
وأشارت مصادر أمنية لـ«البناء» إلى أنّ توقيف الأمن العام للأسير سيزيد من الصراع بين الأجهزة الأمنية في شكلٍ غير مباشر، لا سيما ما تمّ تداوله من أنّ فرع المعلومات كان يدفع الأموال للأسير، وشدّدت المصادر على أنّ توقيف الأسير إنجاز للأمن العام وقد يساعد إيجابياً في ملف العسكريين المخطوفين، كما أنّ هذا الجهاز، بات في مستوى جهاز المخابرات وفرع والمعلومات، وفاعلاً على الأرض لمكافحة الإرهاب كما ويعزز موقع اللواء ابراهيم في مبادرته بموضوع التعيينات الأمنية.
وأشار مصدر عسكري لـ«البناء» الى أنّ عملية توقيف الأسير تعتبر عملية أمنية متقدمة خطط لها على مراحل، من مراقبة الأسير في مكان إقامته في مخيم عين الحلوة الى تعقب تنقلاته في اماكن عدة حتى وصوله الى مطار بيروت الدولي حيث تم اعتقاله.
ولفت المصدر الى أنّ الأمن العام كان على علمٍ مسبق بأنّ الأسير سيتوجه الى المطار، لذلك تمّ اختيار هذا المكان لتوقيفه كي لا يثير توقيفه في مكان آخر أيّ ردود فعل كما حصل بعد توقيف شادي المولوي في طرابلس، وكي لا يحصل أيّ طارئ يؤدّي الى فشل العملية، لذلك تمّت العملية بعناية وكانت الأفضل والأكثر براعة».
وأضاف المصدر: «مهمة الأمن العام بحسب القانون هي الأمن الشامل في البلد واللواء إبراهيم يقوم بواجباته وفقاً للقانون ولم يتجاوز صلاحياته، وأوضح أنّ الأسير أدرك بأنه مراقب قبل توجهه الى المطار، لذلك لم يتفاجأ عند اعتقاله ولم ينكر هويته واعترف فوراً بأنه أحمد الأسير.
وأردف المصدر: «أن أكثر من شخص فار من وجه العدالة موجود في مخيم عين الحلوة وتحت حماية بعض الشخصيات السياسية، مذكراً بالحماية التي تلقاها الأسير من احدى الشخصيات الصيداوية، ولفت الى أن هذه العملية تؤكد انّ الأسير لم يخرج من المخيم منذ فراره خلال أحداث عبرا».
وتوقع المصدر أن يؤدّي هذا الإنجاز الى تفكيك العديد من الشبكات والخلايا الإرهابية التابعة للأسير وغيره.
لا جلسة حكومية هذا الأسبوع
حكومياً، يبدو أنّ الأمور تتجه الى مزيدٍ من التأزّم في ظلّ عدم الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع، ما يؤشر الى أنّ المراوحة لا تزال سيدة الموقف رغم الاتصالات التي لم تتوقف على أكثر من خط للوصول الى حل شامل للأزمات والاستحقاقات الداهمة.
وقالت مصادر رئيس الحكومة لـ«البناء» إن لا جلسة لمجلس الوزراء هذا الاسبوع، وأكدت انّ الاتصالات مستمرة على الخطوط كافة للوصول الى حلحلة للأزمة الحكومية، لأنه لا يمكن أن تبقى الأمور على ما هي عليه، الا انّ المصادر نفت حصول أيّ تقدّم إيجابي على هذا الصعيد حتى الآن.
وإذ عبّرت المصادر عن عدم ارتياح الرئيس تمام سلام حيال الأوضاع في البلاد، أكدت «انّ الحلّ الذي يُعمل عليه يجب ان يكون شاملاً، أيّ أن يتضمّن آلية العمل الحكومي ومبادرة اللواء ابراهيم بملف التعيينات الأمنية وفتح دورة استثنانية لمجلس النواب نظراً لارتباط الملفات مع بعضها بعضاً». وأشارت الى «أن لا حلول حتى الآن لأزمة النفايات بانتظار انتهاء العروض وتلزيم إحدى الشركات».
واذ رفضت المصادر التعليق على خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ومقابلة رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون التلفزيونية، أكدت «ان اعتكاف وزير الاتصالات بطرس حرب هو تصرف شخصي».
تقدّم جديد في الزبداني
من جهة أخرى، واصلت قوات الجيش السوري والمقاومة تقدمها في عددٍ من أحياء الزبداني التي تعتبر خطوط دفاع عن وسط المدينة، ما يضيّق الخناق والحصار أكثر على المجموعات المسلحة ويسرّع الحسم على هذه الجبهة، حيث تمّ التقدّم في حيّ الكبري شرق الزبداني، والسيطرة على كتل عدّة بحي النابوع شمال المدينة بالتزامن مع اشتباكات في حي الزهرة من الجهة الغربية للزبداني.
وأشار مصدر عسكري لـ»البناء» أنّ «حي الكبري يعتبر خط الدفاع الثاني وهو عبارة عن مجموعة من الأبنية السكنية المترابطة، اما حي الزهرة هو أساسي وخط دفاع ثانٍ عن وسط الزبداني».
وأضاف المصدر: «ما حصل في اليومين الماضيين يعتبر تقدّماً ملحوظاً وبعد انتهاء المرحلة الأولى من العملية وانهيار خطوط الدفاع الأولى عن الزبداني بات حسم هذه الجبهة أسهل وفي غضون اسابيع عدة».
وأوضح المصدر «أنّ طبيعة وتركيبة منطقة الزبداني وتركها مدة 3 سنوات في قبضة المجموعات المسلحة، مكنت تلك المجموعات من بناء التحصينات جيداً وسدّ الثغرات ما شكل عنصراً غير مساعد للجيش السوري والمقاومة، كما أنّ القتال في المباني السكنية أصعب من أي قتال آخر، لأنّ تدمير المباني يصبح عائقاً اضافياً للمهاجمين، لذلك يصبح العمل أكثر دقةً وأقلّ تدميراً ويصبح الالتحام والاقتحام المباشر أكثر فعالية من القصف المدفي وغزارة النيران التي هدفها التمهيد للهجوم».
وتوقع المصدر أن تسقط سرغايا ومضايا وأن يتجه الوضع في هاتين المنطقتين الى التسوية فور سقوط كامل الزبداني في يد الجيش السوري والمقاومة، بسبب الطوق الذي سيحصل على هاتين المنطقتين من جميع الجهات لا سيما من الجهة اللبنانية والمحكومتين بالنيران، فضلاً عن انّ المنطقتين مفصولتان عن بعضهما بعضاً.
واعتبر أنّ «الهدنة في الزبداني كانت في مقابل الهدنة بكل من كفريا والفوعا في إدلب، إلا أنّ المسلحين استفادوا من هذه الهدنة لتمرير الأسلحة والمقاتلين، مشيراً الى أنّ هذه الهدنة ليست بعيدة من المساعي الايرانية – التركية على خط التسوية.
أهالي العسكريين الى جرود «داعش»
على صعيد ملف العسكريين المخطوفين، تواصل المجموعات الإرهابية المحاصرة في الجرود استغلال مشاعر أهالي العسكريين للضغط على الحكومة، وبعد زيارات الأهالي الى جرود «جبهة النصرة» برز سماح تنظيم «داعش» لـ4 عائلات من اهالي العسكريين لدى التنظيم بالتوجه الى الجرود للقاء ابنائهم بوساطة من رئيس بلدية عرسال علي الحجيري، إلا انّ الزيارة لم تتمّ حتى الآن، فلا يزال الأهالي متواجدين في عرسال منذ يومين، ومن المقرّر ان يكلف أحد الأشخاص لمرافقتهم الى جرود البلدة.
وأكد حسين يوسف والد الجندي المخطوف محمد يوسف لـ«البناء» أن الأهالي لا يزالون في عرسال بانتظار اشارة الانطلاق الى الجرود التي من المتوقع أن تأتي اليوم، وأشار الى أن هذه الزيارة إنْ تمت تشكل رسالة من تنظيم «داعش» لفتح قناة التواصل والتفاوض مع الدولة اللبنانية لعملية تبادل مع التنظيم.
ولفت إلى «أنّ 4 عائلات فقط ستتوجه الى الجرود، لكن إحدى العائلات اضطرت الى الخروج من عرسال لأسباب صحية»، وأكد «إصرار الأهالي على لقاء ابنائهم»، وأشار الى «أنّ التواصل مقطوع مع «داعش» منذ 9 أشهر».
وتمنى يوسف أن لا يؤثر ملف اعتقال الأسير على حصول الزيارة او على المفاوضات مع الجهات الخاطفة، متمنياً على الإعلام عدم إثارة هذا الأمر حرصاً على سلامة العسكريين.
وكشفت مصادر الأهالي أنّ رئيس بلدية عرسال علي الحجيري توجه منذ فترة الى الجرود حيث مكان العسكريين لدى «داعش» ونقل للاهالي تطمينات عن صحة وحياة العسكريين لكن لم يعطِ اي تفاصيل اضافية.
وكما كشفت ان ما يعطل تنفيذ صفقة التبادل مع جبهة «النصرة» هو عدم الثقة بين «الجبهة» والدولة والتناقض بين الطرفين لجهة المطالب.