هل الأزمة السورية على وشك الانتهاء حقاً؟
د. إبراهيم علوش
التصعيد المدعوم صهيونياً للعصابات المسلحة من جهة ريف القنيطرة، والقصف الصهيوني للسرية الرابعة التابعة للكتيبة 120، رداً على ما زعم الكيان أنه صاروخٌ أطلق من الأراضي السورية باتجاه الجولان المحتل، في وقت يشن الإرهابيون حملة، باءت بالفشل حتى الآن، للوصول إلى قرية بيت جن على الحدود اللبنانية – السورية، طمعاً بإقامة «منطقة آمنة»، كما ذكرت «الأخبار» اللبنانية في 29 أيلول 2015، لا يمكن تفسيره خارج سياق امتعاض الحكومة الصهيونية مما تظهره الدول الغربية، وعلى رأسها إدارة أوباما، من تراجع سياسي واضح عن إصرارها السابق بأن الرئيس بشار الأسد لا مكان له في «المرحلة الانتقالية» في سورية.
حتى خطاب الرئيس أوباما في الأمم المتحدة الذي رفع فيه سقف اللهجة الحادة إزاء الرئيس الأسد ترك الباب مفتوحاً، في الواقع، لعملية «انتقال مقيد» في سورية لم يصر أوباما على استثناء الرئيس الأسد منها، وهنا مربط الفرس، بخاصةً أن الفترة الانتقالية لم تقيد بزمن محدد، إذ لا يزال الصراع على تأويل «بيان جنيف» مفتوحاً. فالعبرة الإعلامية هنا، أي التهجم على الرئيس الأسد، جاءت لتغطي تراجع أوباما عن العبرة السياسية، أي فتح الباب أميركياً أمام «قبوله» في المرحلة الانتقالية، مما تمت التغطية عليه في وسائل الإعلام الغربية والخليجية تحت عنوان: أوباما وبوتين يختلفان حول مستقبل الأسد!
القوة الإقليمية الآخرى، إلى جانب الكيان الصهيوني، الممتعضة بشدة من التراجع الغربي عن شعار «لا دور للأسد في المرحلة الانتقالية»، هي مملكة آل سعود، وهي لا تزال تكابر في موقفها، إذ أصر وزير خارجية آل سعود، عادل الجبير، في لقاء مصور على موقع «راديو سوا» في 28 أيلول 2015، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن لا دور للأسد في العملية الانتقالية في سورية! ويذكر أن تقريراً تحليلياً لصحيفة «أل إيه تايمز» الأميركية المرموقة في 27 أيلول 2015 كان قد سمى قوتين إقليميتين ممتعضتين بشدة من تراجع الدول الغربية عن إصرارها على استبعاد الرئيس الأسد من المرحلة الانتقالية: الكيان الصهيوني وآل سعود. فإذا صح ما يتم تداوله من تقارير عن تورط صهيوني وسعودي في قتل وخطف الحجيج الإيرانيين، وبينهم شخصيات إيرانية مهمة، فإن ذلك لا يكشف عن عمق التعاون بين الطرفين فحسب، في شأن إسلامي مهم، بل عن طريقة تعاملهما المحتملة مع التطورات الجديدة بصدد سورية.
لا شك أن الدخول المباشر لروسيا على الخط الميداني السوري، بعد الخط السياسي، أحدث انعطافة استراتيجية في المشهد لمصلحة سورية وحلفائها في المنطقة، ولا شك أن تلك الخطوة الروسية فرضت خطاً أحمر أمام الغرب بشأن تهديد سورية، وأنها خطوة تهدف للدفاع عن كل المشروع الأوراسي لروسيا، لا عن حليف إقليمي فحسب، ولا شك أن الروس وظفوا علاقاتهم ووزنهم مع تركيا لدفع أردوغان للقبول مرغماً بمبدأ «مرحلة انتقالية» لا تستثني الرئيس الأسد، وأن إعلان الخارجية الروسية، بحسب «الحياة» في 29 أيلول 2015، أن مجموعة الاتصال حول سورية، التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وإيران وتركيا ومصر، سوف تجتمع في تشرين أول المقبل، ستشكل لحظة فارقة في تطور الأزمة السورية على طريق الانفراج، إن تم مثل ذلك اللقاء فعلاً، غير أن هذا كله لا يجوز أن يدفعنا لاستنتاج متسرع مفاده أن الأزمة السورية على وشك أن تحل فعلاً، حتى لو كان ذلك هو ما يريد أن يسمعه السوريون. فالاستناد لتحليل واقعي أصوب من الاستناد لنزعات التشاؤم أو التفاؤل.
يمكن إن نقول أن الميزان بات يميل بشكل أكبر لمصلحة سورية وقيادتها وجيشها، وأن أعداء سورية تراجعوا خطوةً للخلف، ولكن لا يمكن أن نقول إن الإمبريالية والصهيونية والأنظمة الرجعية العربية قد تخلت عن مشروعها إزاء سورية، والأخيرة بالتحديد لا تخفي نزعتها لممارسة التدمير الشامل في اليمن مثلاً. وثمة احتمال بأن تكون الخطوات التراجعية الغربية جزءاً من محاولة أو مناورة استراتيجية لاستيعاب التقدم الروسي واحتوائه، ولوضع مكابح على تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، ولاحتواء داعش الذي يهدد بالخروج عن دوره الإقليمي المرسوم. فالوضع إيجابي، ومبشر بالخير، ولكن من السابق لأوانه التبشير بانتهاء الأزمة، بخاصة أن الكيان الصهيوني وآل سعود مصرّان على تصعيدها، وأن هذين الطرفين تحديداً، اللذين باتا طرفاً واحداً عملياً في الأزمة السورية، ازداد دورهما الإقليمي في ظل انحسار النفوذ الأميركي في المنطقة.
كذلك علينا أن نراقب جيداً ما ستفعله تركيا بالنسبة إلى تدفق الإرهابيين والسلاح لسورية، وما إذا كان النظام الأردني سوف ينجر مع الكيان الصهيوني، بتأثير سعودي، لفتح جبهة جنوبية في سورية للتعويض عن أي تقييد للجبهة الشمالية من جهة تركيا. وفي النهاية، إذا كانت الخطوة الروسية تعزز وضع الدولة السورية سياسياً وميدانياً، إلى جانب حزب الله، فإن موضوع إبقاء فتيل الإرهاب مشتعلاً عبر الحدود السورية لن يكون أمراً يمكن حسمه بنفس السرعة، خصوصاً أن الكيان الصهيوني وآل سعود لا يكظمان الغيظ من الاتفاق النووي مع إيران ومن تطورات موقف الغرب من الأزمة السورية، وأنهما لا ينتظران نتائج الانتخابات الأميركية فحسب، بل يتدخلان فيها.