حرب اليائسين الانتحارية تضرب في الضاحية وتحصد عشرات الشهداء بعد الطائرة الروسية وقصف اللاذقية الانتحار في الضاحية استباقاً لحلب
كتب المحرّر السياسي
المسار العسكري الذي يبدو متقادماً بسرعة في شمال سورية يبدو أنه يقارب الساعات الفاصلة، فتدحرج الانتصارات التي يحققها الجيش السوري ومقاتلو المقاومة تحت الغطاء الجوي الروسي قد تخطّى التوقعات مع إنجاز فكّ الحصار عن مطار كويرس، وانهيار معنويات الجماعات المسلحة لكلّ من تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، وبأنّ حجم الانهيار مع دخول القوات المهاجمة من تحالف الجيش السوري والمقاومة إلى مدينة الحاضر بعد أربع وعشرين ساعة من الدخول إلى مطار كويرس، لتظهر الصورة الحقيقية الهشّة للبنى التي تتكوّن منها هذه التنظيمات عندما تواجَه في ساحات القتال بالعزيمة والإرادة وروح الاستشهاد التي يختزنها مقاتلو الجيش السوري والمقاومة. وأمام هذا الانهيار المعنوي الدراماتيكي يبدو أنّ القتل العبثي صار طريقاً وحيدة للرهان على رفع المعنويات لعناصرهم الذين هربوا بالمئات من «الحاضر»، وسقط العشرات منهم أسرى، بينما الرهان على القتل لضرب معنويات خط المواجهة من روسيا إلى سورية إلى لبنان، يبدو ميؤوساً منه، فالجريمة المروّعة التي استهدفت الضاحية الجنوبية بتفجيرين انتحاريين، وحصدت عشرات الشهداء لم تلقَ إلا الردّ بمزيد من الإصرار على مواصلة الحرب على الإرهاب لدى جمهور المقاومة وقيادتها، بمثل ما كان الردّ على قصف اللاذقية بعد ساعات من فكّ الحصار عن مطار كويرس وسقوط العشرات من الشهداء والجرحى، وكذلك بمثل ما كان استقبال المواطنين الروس لجثامين ضحايا الطائرة التي أسقطتها قنبلة الإرهابيّين فوق شرم الشيخ، وهم يعلنون تماسكهم وراء قيادتهم التي ازداد إصرارها على مواصلة الحرب ويقينها بأنها تدرأ أخطارهم عن بلادها بقتالهم في سورية.
لبنانياً، كانت الدماء التي سالت في الضاحية مناسبة لتظهير قدر من الوحدة بين اللبنانيين افتقدوه منذ زمن، وجاءت أصوات التنديد بالجريمة والتضامن مع الشهداء لتلاقي مناخات الانفراج التي عكستها التسوية التي تظهّرت في الجلسة التشريعية المنعقدة بعد طول انتظار.
رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان دعا اللبنانيين والعالم أمام وحشية الإرهاب الذي لا يستثني أحداً، إلى ترجمة الغضب والتنديد بالضغط على مَن لا يزالون يموّلون ويوفرون الرعاية للإرهابيين للتوقف عن هذا العبث بالدماء، لأنّ هذا هو الردّ الوحيد الذي يعبّر عن روح المسؤولية والجدّية في الوقوف بوجه الإرهاب والتضامن مع الشهداء والجرحى.
تفجيران إرهابيان يستهدفان الأبرياء
في مقابل الاستقرار السياسي الذي تمثل بانعقاد الجلسة التشريعية، هزّ تفجيران إرهابيان الضاحية الجنوبية وكل لبنان الرسمي والشعبي أمس، وأثارا ردود فعل مستنكِرة أجمعت على ضرورة توحيد الصف ومحاربة الإرهاب وضرورة الوقوف إلى جانب المقاومة والأجهزة الأمنية، فيما أعلن رئيس الحكومة تمام سلام الحداد العام وتنكيس الأعلام اليوم على أرواح الشهداء.
وفي التفاصيل أن 3 انتحاريين تسللوا إلى طريق عين السكة في برج البراجنة، استطاع اثنان منهم تفجير نفسيهما بحزامَيْن ناسفَيْن بين المارة الأبرياء، فحصدا مجزرة مروّعة من المدنيين بلغت 43 شهيداً و239 جريحاً في حصيلة شبه نهائية. وكانت الأجهزة الأمنية فرضت طوقاً أمنياً في مكان التفجيرين، كما تم إغلاق مداخل المنطقة بالكامل وتوجّهت فرق الصليب الأحمر إلى موقعَي التفجيرين اللذين تفصل بينهما مسافة 150 متراً تقريباً، وبفارق زمني بينهما بلغ نحو 5 دقائق. وتردّدت معلومات عن مصير الإرهابي الثالث بأنه إما قضى بعصف أحد التفجيرين وإما تمّ قتله قبل أن يفجّر حزامه الناسف.
وأشارت قيادة الجيش في بيان أنه «بتاريخه حوالي الساعة 18,00، أقدم أحد الإرهابيين على تفجير نفسه بواسطة أحزمة ناسفة في محلة عين السكّة – برج البراجنة، تلاه إقدام إرهابي آخر على تفجير نفسه بالقرب من موقع التفجير الأول، ما أدّى إلى وقوع عدد كبير من الإصابات في صفوف المواطنين».
.. و«داعش» يتبنّى
ولاحقاً تبنى تنظيم «داعش» الإرهابي عبر موقعه الرسمي التفجيرين في الضاحية الجنوبية ونعَى ثلاثة من منفّذي ما أسماها «الغزوة» وهم: المدعو حامد رشيد البالغ فلسطيني الجنسية، عمار سالم الريس فلسطيني الجنسية، وخالد أحمد الخالد سوري الجنسية.
سلام
وفي المواقف، دان الرئيس سلام «العمل الإجرامي الجبان»، ودعا اللبنانيين إلى المزيد من اليقظة والوحدة والتضامن في وجه مخططات الفتنة.
حردان
واعتبر رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان أنّ «هذه الجريمة الوحشية، تشكل تعبيراً صافياً عن هوية التنظيمات الإرهابية كمجرد تجمّع لقتلة لا قضية لهم ولا ضوابط لحروبهم ومعاركهم، ولا روادع تحكم استهدافاتهم، فالوحشية والقتل سمات ترافقهم في كلّ الأفعال، وها هو العالم كلّه قد صار ساحة استهداف لهؤلاء الوحوش القتلة».
وتابع حردان: «نقول لشعبنا وللعالم إنّ الإرهاب ليس جبروتاً، فها هو يُهزم في ساحات القتال، وقوّته تأتي من كونه لا يزال يحظى بالدعم والرعاية والتمويل، وقد آن الأوان ليتخذ العالم كله موقفاً يعبّر فعلياً عن التضامن في وجه الخطر الذي يمثله هؤلاء القتلة، فترتفع الأصوات وتتخذ الخطوات المناسبة للضغط على الذين لا يزالون يقدّمون الرعاية والتمويل والملاذ الآمن والتسهيلات لهؤلاء الإرهابيين، كي تتوقف مهزلة العبث بالدماء تحت عباءة كلامية عن رفض الإرهاب، فذلك هو الردّ الوحيد الذي يعبّر عن جدّية ومسؤولية في تقدير المخاطر والتضامن مع الضحايا بعيداً عن بيانات التنديد والتعزية».
عون
وأشار رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب العماد ميشال عون، إلى أن «المرحلة خطيرة جداً وهذه التفجيرات الإرهابية هدفها الانتقام ورفع معنويات الإرهابيين بعد هزائمهم في الميدان»، وأضاف «هناك دول تقف خلف الانتحاريين وتدرّبهم وتموّلهم لينفذوا جرائمهم ضدّ الأبرياء».
الحريري
ودان رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري «الاعتداء الإرهابي الآثم على أهلنا في برج البراجنة»، مشدداً على أن استهداف المدنيين عمل دنيء وغير مبرّر لا تخفف من وطأته أي ادعاءات».
فرنجية
وأكد رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية أنه «حتى الاستنكار لم يعُد مجدياً أمام مشهد الشهداء الأبرياء في برج البراجنة».
جنبلاط
ودعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط إلى رص الصفوف والترفع عن الخلافات والتجاذبات السياسية لقطع الطريق على عودة التفجيرات.
المشنوق
كما أكد وزير الداخلية نهاد المشنوق أنه «لن يتوانى عن ملاحقة المجرمين أينما وجدوا».
الأزهر
ودان الأزهر وإمامه الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب التفجيرين، ودعا الأزهر «الشعب اللبناني بجميع طوائفه ومكوناته إلى الاصطفاف في وجه المؤامرات التي تستهدف وحدة أرضهم، كما دعا «القادة والرموز الوطنية والدينية إلى تغليب صوت العقل والحكمة والنأي بلبنان عن الانجرار إلى أتون الصراعات الإقليمية التي أخذت منحىً طائفياً يتهدّد مستقبل المنطقة بفعل تدخلات لقوى إقليمية ودولية تسعى لفرض أجنداتها لتفتيت الدول العربية وتقسيمها على أساس مذهبي».
هولاند
كما لاقت الجريمة الإرهابية ردود أفعال دولية مستنكرة، أبرزها من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي أدان التفجيرين، ووصفهما بالعمل «الدنيء».
السفارة الأميركية
ودانت السفارة الأميركية في بيروت عبر تويتر «بشدة الاعتداء البشع في برج البراجنة». وقدّمت التعازي لعائلات الضحايا، متمنية الشفاء العاجل للجرحى.
الخارجية الإيرانية
وأعرب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية حسين جابري أنصاري عن الأمل بأن «يتم في ظل التضامن بين الشعب والمقاومة والجيش اللبناني التصدي الفاعل والمؤثر للتيارات المتطرفة والإرهابية».
الردّ بمزيد من الوحدة
وأكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الدكتور علي المقداد لـ«البناء» أن «الحرب مع الإرهابيين والتكفيريين مستمرة، لأنهم يتحيّنون أي فرصة لقتل المدنيين الأبرياء ويُعادون ويقتلون كل مَن يعاديهم فكرياً وسياسياً، والتعامل معهم سيكون بمزيد من الملاحقة والمواجهة وبتحصين الموقف الوطني وبمزيد من الوحدة في هذه اللحظة الحساسة التي يمر فيها لبنان والمنطقة، لأن هؤلاء الإرهابيين لا يستهدفون فئة بعينها بل كل اللبنانيين».
واستبعد المقداد أن تكون التفجيرات رسالة إلى حزب الله والمقاومة، «لأن الإرهابيين أرسلوا سابقاً الكثير من الرسائل ولم تؤثر على المقاومة ولا على قرارها في القتال بسورية ولو لم يكن حزب الله والمقاومة والجيش اللبناني والقوى الأمنية بالمرصاد لكانوا أقدموا على أكثر من ذلك».
وإذ استبعد أن يكون سبب العملية الإرهابية قتال حزب الله في سورية، أكد المقداد بأن «رد المقاومة على هذه العملية سيكون كرد جميع اللبنانيين بالوقوف صفاً واحداً ونسيان الخلافات السياسية ومواجهة التكفيريين والوقوف مع المقاومة والجيش والقوى الأمنية، لأن لا يمكن مواجهة هذه العمليات الإرهابية إلا بمزيد من الوحدة الداخلية».
ونفت مصادر معنية وجود مراكز لحزب الله أو للمقاومة في مكان التفجيرين، بل هو شارع تجاري يكتظ بالمارة.
وسبقت تفجير الضاحية مؤشرات على تزايد النشاط الإرهابي في عدد من المناطق، من خلال توقيف مخابرات الجيش المدعو محمد إبراهيم الحجيري الملقب بـ«الكهروب» في عرسال، للاشتباه في تعامله مع تنظيمات إرهابية، كما أوقفت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي من توقيف المواطن ابراهيم ج. في القبة في طرابلس وكان يحمل حزاماً ناسفاً معداً للتفجير.
تفجيران باستهدافات عدة
وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن «الإرهابيين يتلقون ضربات مخلّة بكل التوازنات الميدانية السابقة ووجدوا أنفسهم يدفعون باتجاه مرحلة قد تؤدي إلى طردهم من منطقة الشمال السوري التي يعوّلون عليها وأرادوا توجيه ضربة لمجتمع المقاومة لحجب الأنظار عن انتصارات المقاومة في سورية».
وأضافت المصادر: «التفجيران ضربة باتجاهين الأول باتجاه الإرهابيين ومشغّليهم في محاولة لإثبات وجودهم ورفع معنوياتهم المنهارة في الميدان، وباتجاه مجتمع المقاومة للانتقام منه وبتنكيس أعلام النصر والضغط للتراجع عن العمل الدفاعي للمقاومة في سورية».
وتابعت: «كما أن المواقف التي يُبديها حزب الله لجهة تمسّكه بالقضية الفلسطينية أغاظت إسرائيل والتكفيريين فاختاروا إرهابيين يحملان هوية فلسطينية ومكاناً للتفجيرين قريباً من مخيم برج البراجنة لتحريض مجتمع المقاومة على الفلسطينيين وإيجاد شرخ بين مجتمع المقاومة والفلسطينيين».
وشدّدت المصادر على أن «كل أهداف إسرائيل والتكفيريين سقطت أمام الوعي المميّز الذي أبداه مجتمع المقاومة وستبقى القضية الفلسطينية القضية الأولى للمقاومة وستبقى المخيمات الفلسطينية في لبنان حاضنة للمقاومة، لأن الإرهاب لا دين ولا هوية ولا مذهب له».
جلسة تشريعية منتجة
وبعد نجاح تسوية ربع الساعة الأخير التي انعقدت بحضور الأطراف السياسية كافة الجلسة التشريعية التي كانت منتجة، حيث أقر المجلس النيابي في الجلسة التي عقدها قبل ظهر أمس 20 مشروع واقتراح قانون معظمها اتفاقات والتزامات مالية للبنان لدى الخارج، وذلك بعد توقف استمر لأكثر من سنة على الجلسة الأخيرة في العاشر من تشرين الثاني 2014.
وأعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري، خلال الجلسة، انه سيتم طرح تشكيل لجنة مصغّرة لإنجاز قانون الانتخابات خلال مدة أقصاها شهر، مؤكداً «ضرورة إنجاز ملف رئاسة الجمهورية ومعالجة الملفات الحياتية، ومن بينها ملف النفايات».
وأقرّ المجلس 25 مشروع واقتراح قانون، أبرزها فتح اعتماد من الموازنة للرواتب والأجور وقانون استعادة الجنسية، تشكيل لجنة مصغرة لإنجاز قانون الانتخابات، وطغى الملل على الجلسة حيث كرر النواب خطاباتهم ومواقفهم السابقة لا سيما في اجتماعات اللجان المشتركة وكرر الرئيس فؤاد السنيورة محاولاته في كل جلسة لإجراء تسوية في الموضوع المالي لا سيما الـ 11 مليار دولار.
كما أُقرت قوانين مكافحة تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب. وعلمت «البناء» أن تشديداً أميركياً على ضرورة إقرار هذه القوانين وتم إبلاغ القيادات السياسية في قوى 14 آذار بضرورة عقد الجلسة لإقرار هذه القوانين.
والبارز في الجلسة الصباحية، حضور رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل مع نواب الحزب إلى المجلس وانسحابه لاحقاً، مؤكداً أن «الأولوية هي لانتخاب رئيس الجمهورية، وعدا ذلك هو مخالف للدستور».
واستؤنفت الجولة الثانية من الجلسة التشريعية مساءً إلى أن قطع التفجيران الإرهابيان الجلسة ليرفع رئيس المجلس الجلسة، ولاحقاً أصدرت الأمانة العامة لمجلس النواب بياناً أرجأت فيه الجلسة التشريعية المقررة عند الأولى بعد ظهر اليوم إلى الخامسة عصراً ليتسنّى للنواب المشاركة في مراسم العزاء بالشهداء.
التفاصيل ص. 2
حوار حزب الله المستقبل اليوم
وفي ظل التصعيد الإرهابي المفاجئ والمواقف الجامعة من جميع الأطراف التي استنكرت الجريمة، تُعقد مساء اليوم جلسة جديدة من الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل والتي كانت مقرّرة أمس، وتمّ تأجيلها إلى اليوم بسبب تزامنها مع الجلسة التشريعية.