باريس حالة حرب و«شارل ديغول» إلى المتوسط… وكيري لإغلاق الحدود التركية لافروف لضرب الإرهاب في لبنان… ورحيل الأسد مرفوض… ومدريد تؤيّد
كتب المحرر السياسي
فرنسا وروسيا تتصدّران المشهد الدولي والإقليمي، سواء بأدوارهما الثنائية المنفردة، أو بالتعاون الذي تتبلور معالمه بينهما، حيث تبدو روسيا تقود معادلات دولية وإقليمية متشعّبة في حرب دخلتها وقرّرت الخروج منها منتصرة فهذا هو مشروع الزعامة التاريخية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والزعامة الروسية في العالم، أسوة بالدور الذي لعبته روسيا وزعيمها جوزف ستالين في إنهاء النازية في الحرب العالمية الثانية. وفيما تلهث واشنطن للحاق بالدور الروسي، ولا تملك فرصة تكرار إنزال النورماندي، الذي أتاح لها ملاقاة القوات السوفياتية قبل ستين سنة في برلين، تملك روسيا حليفاً برياً فاعلاً يظهر قدرته على التقدّم على جميع جبهات القتال، بينما تهرول واشنطن من جبهة إلى جبهة لإغلاق منافذ تعاون حلفائها مع الإرهاب، وهي تعلم أنهم في المقابل أعجز من أن يعوّضوا ضعف قدرتها على التورّط في حرب برية، فيكون إنجاز وزير خارجية أميركا جون كيري الإعلان عن توليه متابعة إغلاق تركيا لحدودها مع سورية، بعد فضيحة صور أنابيب ومسار قوافل النفط المهرّبة لحساب «داعش» عبر تركيا التي قدّمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة العشرين، وتولت القاذفات الروسية قصفها يوم أمس، بينما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يرسم معادلات الحرب، ويعلن أنّ الحديث عن اشتراط رحيل الرئيس السوري مرفوض، فيلاقيه وزير خارجية أسبانيا بالقول مجدّداً لا بدّ من التعاون مع الرئيس السوري لكسب الحرب على الإرهاب.
موسكو المهتمّة بالمشهد الإجمالي للحرب، تستمرّ بالتعاون مع واشنطن وحلفائها، وتسعى إلى رفع مضمون ومستوى هذا التعاون يقيناً منها بأنها وحلفاءها يملكون ورقة القوة الرئيسية في الحرب وهي المصداقية والجدية من جهة وقوة البرّ من جهة أخرى.
على جبهة المصداقية سجل حلف الأربعة زائداً واحداً المكوّن من روسيا وسورية والعراق وإيران ومعهم حزب الله، نقطة قوة جديدة، ففيما العالم منهمك في الحرب على الإرهاب قولاً وإيران مهتمّة مع حليفيها الروسي والسوري من جهة بتلبية مقتضيات هذه الحرب، ومن جهة مقابلة بتلبية ومواكبة حلفائها في العراق ولبنان واليمن، كانت وكالة الطاقة الذرية تعلن نجاح إيران بالوفاء بموجباتها في التفاهم حول ملفها النووي ببدء إدخال التعديلات اللازمة على مفاعلَي نطنز وفوردو.
على خط المواجهة، تبدو موسكو على إيقاع إنجازاتها المشتركة مع الجيش السوري، مهتمّة بتوسيع الجبهات، سواء بزجّ قوى جديدة فيها أو بشمولها خطوط اشتباك جديدة، منعاً لتمكين التنظيمات الإرهابية من امتلاك فرص توسّع وتسرّب ومناورة، وبينما كان وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف يبحث مع وزير خارجية لبنان جبران باسيل سبل تحصين لبنان بوجه المزيد من المخاطر والاستعداد لمنح الحرب فيه ضدّ التنظيمات الإرهابية مزيداً من الدفع، كانت موسكو تضع ثقل اهتمامها على كيفية توظيف الاندفاعة الفرنسية بقوة ما تشهده باريس لتشكل قيمة مضافة في الحرب.
فرنسا الجريحة متعبة، وتعيش حالة حرب عرفتها باريس أمس، كما كلّ يوم بالمطاردات والملاحقات وإطلاق النار والتحذيرات، وهذا الاستنزاف يفرض على فرنسا التحرك، ومع وصول حاملة الطائرات «شارل ديغول» إلى البحر المتوسط تكتمل العدّة الفرنسية للشراكة التي تنتظرها موسكو، حيث التوجه نحو بنك أهداف «داعش» في الرقة يصير موضوع تعاون فرنسي روسي كما أوحت التصريحات الروسية المرحّبة.
في لبنان تسيطر مناخات هدوء سياسي وأمني مع متابعات حثيثة للقوى الأمنية لشبكات الإرهاب، حيث يوم أمس أكثر من صيد ثمين وكنوز معلومات، ما يضع في رصيد الأجهزة الأمنية وإنجازاتها نقاطاً إضافية، بينما التقدّم على جبهة التهدئة السياسية أنجب مولوده الأول وهو تشكيل لجنة قانون الانتخاب النيابية، الذي يبدو أنّ شراعه سيرسو بها على شاطئ القانون المختلط بين النظامين النسبي والأكثري ليدور السعي للاتفاق على تقسيم الدوائر وأحجامها وكيفية توزيع المقاعد فيها بين النظامين.
لجنة قانون الانتخاب تبصر النور
أبصرت لجنة درس مشروع قانون الانتخاب النور، بعد اجتماع لهيئة مكتب المجلس أمس برئاسة الرئيس نبيه بري، وتتألف اللجنة من النوّاب: ميشال موسى وعلي فياض وسيرج طورسركيسيان، وجورج عدوان، وألان عون ومروان حمادة وروبير فاضل واحمد فتفت وممثل عن الكتائب وآخر عن كتلة النائب سليمان فرنجية. ورجحت مصادر كتائبية لـ»البناء» أن يمثل النائب إيلي ماروني حزب الكتائب.
وعلمت «البناء» من مصادر في حزب الطاشناق «أن اتصالات جرت بين قيادة الطاشناق ودوائر عين التينة لتصحيح الخلل الحاصل في تأليف اللجنة»، مشيرة إلى «أن رئيس الحزب النائب هاغوب بقرادونيان يتريّث في اتخاذ أي موقف بانتظار ما ستثمر عنه الاتصالات، فهو يستغرب إقصاء «الطاشناق» عن مناقشة قانون الانتخاب، علماً أنه كان في عضوية هذه اللجنة من الدوحة إلى اليوم». ولفتت المصادر إلى «أن تغييب طائفة الأرمن الأرثوذكس عن عضوية اللجنة أمر مستهجن، لا سيما أنّ الأرمن الارثوذكس هم أكثر من يتأثر بتقسيم الدوائر». وأشارت إلى «حضور كلّ القوى المسيحية في اللجنة، تيار المردة والتيار الوطني الحر وحزبي الكتائب والقوات، بينما يتمّ إبعادنا. وهذا لن نقبل به لا سيما أنّ اللجنة لم تعد مصغرة كما كان يريد الرئيس بري أن يشكلها، بل انضمّ إليها النائب روبير فاضل وممثل عن المردة»، متمنية «أن تصل الاتصالات إلى نتيجة».
وأكدت مصادر نيابية لـ»البناء» «أنّ الرئيس بري كان يريد لهذه اللجنة أن تكون مصغرة لأنها ستكون منتجة، إلا انه لم ينجح في ذلك»، مشيرة إلى «أنّ اللجنة لا علاقة لها بالقوانين السابقة فهي ستضع معايير جديدة للوصول إلى وضع قانون انتخابي موحّد انطلاقاً من القانون المختلط». وتؤكد المصادر أن اللجنة لن تتمكن من تحقيق الخرق المرجو، لأن ما لم تبرز حلحلة في الموضوع الرئاسي فلن تبرز حلحلة في القانون الانتخابي. ويفترض الرئيس بري، بحسب ما أشارت مصادر عين التينة لـ«البناء» أن تناقش لجنة الحوار الوطني المبادئ التي لها علاقة بالقانون الانتخابي على أن يشكل ذلك مرجعية تساعد اللجنة النيابية على إنجاز مهمتها.
.. ومهمتها تحديد المعايير والمختلط أقرب
وأكد النائب انطوان زهرا لـ«البناء» «أنّ لجنة قانون الانتخاب ليست ملزمة بقانون محدّد، فهي ستنطلق مما وصلت إليه في الاجتماعات السابقة للجنة التواصل للوصول إلى نقاط مشتركة»، مشيراً إلى «أن الأقرب إلى المناقشة هو اقتراح القانون المختلط»، طالما «أنّ العودة إلى قانون الستين مرفوضة، واعتماد النسبية مرفوض ولذلك سيحاول المجتمعون التوفيق بين الاقتراح الذي قدمه الرئيس نبيه بري والقائم على انتخاب 64 نائباً على أساس النظام النسبي، وانتخاب 64 نائباً على أساس النظام الأكثري، وبين الاقتراح المقدم من حزب القوات والتقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل والقائم على انتخاب 68 نائباً على أساس النظام الأكثري و60 نائباً على أساس النظام النسبي». وشدد على «أن الأمور متوقفة على حجم الدوائر».
وأكد النائب ميشال موسى لـ«البناء» «أنّ المطلوب من اللجنة مقاربة القانون الانتخابي بشكل مناسب فهناك 17 مشروع واقتراح قانون». ولفت إلى أنّ «اللجنة ستضع المواصفات والمعايير للوصول إلى قانون انتخاب يلبي الطموحات». وأشار إلى «أنّ اللجنة سترفع بعد انقضاء مهلة الشهرين تقريراً إلى رئيس المجلس لما توصلت إليه»، متمنياً أن «تتوصل إلى نتيجة إيجابية»، ورأى «أنّ عدم الاتفاق سيؤدي إلى عودة قانون الانتخاب إلى اللجان المشتركة للتصويت على أحد القوانين وإحالته إلى الهيئة العامة».
إطلاق تراخيص النفط وإلا…
إلى ذلك، خصص رئيس المجلس النيابي القسم الأكبر من لقاء الأربعاء النيابي لموضوع النفط. ولفت بحسب ما علمت «البناء من مصادر المجتمعين، إلى «أن كتاباً وصله من وزير الطاقة ارتور نظاريان يطلب فيه التحرك والمساعدة في إصدار التراخيص، وأن كتباً أخرى وصلته من أعضاء الهيئة الناظمة يتحدثون فيه عن المخاطر المترتبة عن بدء «إسرائيل» بالعمل من بئرين يبعدان 9 كلم عن المنطقة الاقتصادية الخالصة مما يشكل خطراً حقيقياً على المصادر اللبنانية في الطاقة بخاصة في ظل التطور في أدوات التنفيذ الأفقي، علماً أن الشركات الكبرى التي كانت قدمت عروضها للبنان من دون أن تتمكن من نيل العروض بسبب عدم التراخيص من مجلس الوزراء، حزم معظمها حقائبه وعروضه وتوجه إلى مفاوضة إسرائيل.
وكان بري ينوي بحث هذا الموضوع على طاولة الحوار إلا إنه عاد فشرحه بصور عاجلة على طاولة الغداء الوطني ثم عاد فاستفاض في تفاصيله في لقاء الأربعاء، علماً أن نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون النفط آموس هوشتاين كان قد أبدى مرونة غير مسبوقة عندما سأل الرئيس بري عن المقدار الذي يرضى به لبنان لفض النزاع عن المنطقة البحرية المتنازَع عليها من الإسرائيليين، إلا أن بري «أعلن تمسكه الكامل بالحقوق السيادية اللبنانية، كتمسكه بالكوب الذي بين يديه».
وينوي بري بناء على ذلك، وبحسب مصادر نيابية متابعة الموضوع، التمسك لأسباب وطنية وأكثر من أي وقت مضى بضرورة أن ينجز مجلس الوزراء التراخيص المطلوبة وان تطرح وزارة النفط البلوكات للتلزيم، متضمنة البلوكات الجنوبية المتنازع عليها مع الإسرائيليين.
جبهة دولية لمحاربة «داعش»
يسترسل بري في الحديث عن مخاطر تنظيم «داعش» الإرهابي الذي بات يحتل أكثر من نصف العراق وأكثر من نصف سورية والذي يملك امتداداً على مدى العالم الإسلامي من قبل مبايعين وخلايا أمنية يقظة أو نائمة، ويقول بأن ثمة حاجة لتشكيل جبهة دولية لا تكتفي بسلاح الطيران إنما تتوافق مع عمل بري ميداني يسبقه إقفال الحدود كاملة مع تركيا الذي في حال حصوله يشكل ربحاً لنصف المعركة، ومتابعاً بأن هذه المعركة يجب أن تتشكل على مستوى البلدان العربية والإسلامية فكرياً، فقهياً وتربوياً لقطع الطريق على الهيئات والمدارس التي تغذي التطرف المذهبي والتخلف الديني.
باسيل: لتعزيز مواجهة لبنان للإرهاب
أكد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الذي يزور موسكو خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف «أننا لا نزال ندعو الجميع إلى التسوية السياسية في الشرق الأوسط». وقال، «الإجراءات الأمنية اللبنانية لمواجهة الإرهاب قائمة دائماً، لكننا نعتبر أن الأهمية الأولى لمواجهة الإرهابيين يجب أن تكون من خلال العقيدة التي يحاولون نشرها وتُبَث لهم من منابع فكرية معلومة من الجميع». أما لافروف فأكد «أن موسكو مستعدّة لدعم الجيش اللبناني والحكومة ولديها مشاريع عدة في المجال الإنساني». ونفى لافروف وجود أي اتفاق بين المشاركين في محادثات فيينا حول إبعاد الرئيس السوري بشار الأسد عن التسوية في سورية، معرباً عن أمله في إطلاق العملية السياسية في كانون الثاني المقبل، موضحاً أن «بعض الشركاء قدموا أفكاراً بشأن إبعاد الأسد، لكن تلك الأفكار لم تحظَ بالإجماع خلال محادثات فيينا».
جلسة حكومية قريبة لترحيل النفايات
إلى ذلك ينتظر اللبنانيون الجلسة المرتقبة لمجلس الوزراء التي اعلن رئيس الحكومة تمام سلام في جلسة الحوار أمس انه سيدعو اليها فور الانتهاء من دراسة العروض التي قدّمت من بعض الشركات الأوروبية لترحيل النفايات. وعلمت «البناء» من مصادر وزارية أن «اجتماعاً سيُعقد اليوم بين سلام وشهيب والشركات التي قدمت العروض لمحاورتها، وعلى ضوء ذلك سيدعو الرئيس سلام إلى جلسة لمجلس الوزراء لن يغيب عنها أي مكوّن». ورجحت مصادر وزارية لـ«البناء» أن «ترحيل النفايات إلى الخارج سيتم خلال أيام قليلة، من دون النظر إلى الكلفة الباهظة على الخزينة المفلسة».
وأكد وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب «أن التيار الوطني الحر على استعداد لمناقشة أي طرح جدي حول موضوع أزمة النفايات لأن المواطن لم يعد يحتمل الوضع».
وأكد الوزير السابق سليم جريصاتي بعد الاجتماع الأسبوعي لتكتل «التغيير والإصلاح» «أن رئاسة الأمر الواقع تكرس الأزمة وهي رئاسة مرفوضة بكل المعايير والمقاييس»، وأضاف «نحن طلاب رئيس تغيير وحلّ». وأردف جريصاتي قائلاً «يهمنّا أن تصل أموال البلديات إلى البلديات وأن تكون بشكل مباشر لا من خلال صناديق»، لافتاً إلى أن «إيصال أموال البلديات يأتي نتيجة جهد للعماد عون ومكوّنه».
تغيير في استراتيجية داعش
أمنياً، نفذت شعبة المعلومات مداهمات عدة في مدينة طرابلس ــــ وتحديداً محلتي الضم والفرز والقبة، أدّت إلى توقيف كل من اللبنانيين: شوقي.س.، أ.م.، ع.خ.، ع.ك.
ومن خلال التحقيقات تم ضبط حوالي 180 كلغ من المتفجرات وكريات حديدية وعدد كبير من الصواعق وكمية كبيرة من فتيل التفجير وعتلات تفجير تستعمل جميعها في تصنيع أحزمة ناسفة وهي كمية كافية لصنع أكثر من 50 حزاماً ناسفاً بالإضافة إلى ضبط ثلاثة أحزمة ناسفة أحدها يبلغ وزنه 10 كلغ من المواد المتفجرة والكرات الحديدية، كما تمّ ضبط كمية من الأسلحة الفردية والمتوسطة مع ذخائرها.
وأكدت مصادر أمنية لـ«البناء» أن «ما كشف في طرابلس من أحزمة ناسفة وذخائر يدلّ وفقاً للخبراء أن هناك تغييراً هاماً في استراتيجية داعش في العمل الإرهابي التخريبي في لبنان والانتقال من السيارات المفخخة إلى الانتحاريين والانغماسيين ما يعني أن التدابير الأمنية التي اتخذت على الصعيد اللبناني من قبل الأجهزة الأمنية والمقاومة أدت إلى إفهام الإرهابيين أن نقل السيارات المفخخة وركنها وعمليات التفجير لم يعودا يسيرَين أمامهم فانتقلوا إلى العمليات الانتحارية الانغماسية، التي تلقي أعباء جديدة على الأجهزة الأمنية في مسار مكافحة الإرهاب». ولفتت المصادر إلى «أن ما تم اكتشافه يشير من ناحية إلى إيجابية وهي فعالية الجهود للوصول إلى ما اكتشف، ومن جهة ثانية يشير إلى إصرار المنظمة الإرهابية على ارتكاب الجرائم على الساحة اللبنانية».