تغطية الإعلام الأميركي لزيارة بوتين إلى إيران
إبراهيم علوش
نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، الأكثر توزيعاً في الولايات المتحدة، تغطية مطوّلة للقاء الرئيس الروسي بوتين مع آية الله الخامنئي، على هامش قمة الدول المصدّرة للغاز في 23 تشرين الثاني 2015، حاولت أن تؤكد فيها على الفروق بين أهداف السياستين الإيرانية والروسية في سورية، رغم ما تمثله الزيارة الروسية عالية المستوى لطهران، وما تمخض عنها من تصريحات، والبدء بتسليم منظومة صواريخ أس 300 إلى طهران، من دحض عملي لما يروجه الإعلام الغربي والخليجي عن تصاعد صراع نفوذ روسي – إيراني خفي في سورية.
أشارت مادة «وول ستريت جورنال»، في فقرتها الأولى، لسعي حكومة الولايات المتحدة ضرب إسفين ما بين روسيا وإيران حول سورية، مشككة في تصريحات بوتين في طهران، التي عرضها التلفزيون الروسي، والتي تؤكد على أن أحداً من الخارج لا يحق له أن يفرض شكل الحكومة في سورية أو من يحكم الشعب السوري. تشكيك «وول ستريت جورنال» في مواقف روسيا من الأزمة السورية جاء نقلاً على لسان عددٍ من المسؤولين و»الخبراء» الغربيين، أحدهم خبير فرنسي يعمل في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» المعروف بارتباطه باللوبي الصهيوني، والآخر مسؤول أميركي لم تسمّه الصحيفة نقلت عنه ترحيباً بالمحادثات الروسية – الإيرانية إذا كانت ستفضي إلى «حل سياسي حقيقي في سورية»، في سياقٍ يوحي ضمناً أن تلك المحادثات ربما تهدف لإقناع إيران بتليين موقفها في سورية! ليأتي بعدها اقتراح على لسان «خبير في الشؤون الشرق أوسطية في جامعة ليون 2 الفرنسية»: فلنقدّم كغرب تنازلات لروسيا في أوكرانيا وسنحصل على تعاون روسيا في سورية… لتختتم الصحيفة بالقول إن ثمة تناقضاً جوهرياً بالمصالح الغازية بين روسيا وإيران، إذ إن الأخيرة، بعد رفع العقوبات عنها، تسعى لمنافسة روسيا في الأسواق الأوروبية التي يهيمن عليها الغاز الروسي تقليدياً، لتستنتج أن الصراع الروسي – الإيراني في سورية سيبدأ حالما يتوقف القتال. ولا تذكر الصحيفة أن صراع خطوط الغاز المستعر في سورية هو مع قطر والولايات المتحدة وتركيا وأعضاء الناتو في أوروبا الشرقية، وأن روسيا وإيران، كأول وثاني أكبر مالكين لاحتياطيات الغاز الموثقة عالمياً، لهما مصلحة مشتركة بإبقاء أسعار الغاز مرتفعة، خصوصاً بعد انهيار أسعار النفط. هنا لم تغفل الصحيفة الإشارة لبعض الإصلاحيين في إيران ممن يفضلون التعاون مع الولايات المتحدة على التعاون مع روسيا.
أما صحيفة «وول ستريت جورنال» فنقلت في تغطيتها لزيارة بوتين لإيران تقريراً عن وكالة «أسوشييتد برس» مرّرت فيه فقرة تشير إلى تكهّن البعض أن روسيا قد تكون أكثر استعداداً لقبول فكرة «تنحّي الأسد» من إيران، بعد تركيزها على تصريحات بوتين التي تؤكد أن «الأزمة السورية سيكون حلها سياسياً».
صحيفة «واشنطن بوست» القريبة من دوائر الحكومة الأميركية في العاصمة واشنطن عنونت تقريرها عن زيارة بوتين إلى روسيا: «بوتين يدفع باتجاه حل سياسي للأزمة السورية خلال زيارة لإيران»، مما يترك انطباعاً منذ اللحظة الأولى أن بوتين ذهب ليدفع، أو ليفرض، مشروع الحل السياسي الدولي في سورية على الإيرانيين، كتتمة لما تمت الإشارة إليه أعلاه، نقلاً عن مسؤول أميركي مجهول في مادة صحيفة «وول ستريت جورنال»! وقد جاء تقرير «واشنطن بوست» ليوحي أن نقد الغرب جاء على هامش محاولة فرض فكرة الحل الدولي على الإيرانيين. لكن ذلك التقرير لم يتطرق لخلافات إيرانية – روسية حول سورية، بل نشرت «واشنطن بوست» تقرير «أسوشييتدبرس» الذي اقتطفته «وول ستريت جورنال» أعلاه الذي يتناول تلك النقطة، ويذكر أن جيسون رازيان، مراسل صحيفة «واشنطن بوست» في طهران، تلقى مؤخراً حكماً بالسجن بعد إدانته بالتجسس.
رغم هذه «النكشات» حول خلافات روسية – إيرانية في سورية، كان لافتاً ما نقلته قناة ABC الأميركية عن بوتين، في 23 تشرين الثاني أيضاً، أن «كل تم فعله في سورية لمحاربة الإرهاب تم بالتنسيق مع شركائنا الإيرانيين، ومن دون مساعدتهم كان سيكون مستحيلاً»! ومع أن القناة اقتطفت مطولاً من تقرير «أسوشييتدبرس» أعلاه، فإنها لم تنشر الفقرة الواردة فيه حول خلافات روسية – إيرانية حول الحل السياسي في سورية. وقد كان تقرير «أسوشييتدبرس» مصدراً رئيسياً لتقارير وسائل الإعلام الأميركية عامة حول زيارة بوتين إلى إيران، من قناة «فوكس» إلى غيرها، لكن موقع إذاعة «صوت أميركا» قدّم الزيارة كتتويج لتعاون عسكري روسي – إيراني في سورية يعيق ويؤخر الحل السياسي… تتوسّطه صورة كبيرة لدخان متصاعد من أبنية ضربتها الطائرات الروسية ثم قصفها الجيش السوري، تقول إنها في دمشق، مما يوحي أنها تستهدف مدنيين!
باختصار، زيارة بوتين إلى إيران تركت معظم وسائل الإعلام الأميركية في حالة من الحيرة نتاج فقدان السيطرة على الموقف، التي وجدت صعوبةً في تأويل التصريحات الروسية في إيران بشكل يصبّ في خدمة إثارة نزاع روسي – إيراني حول سورية، باستثناء «وول ستريت جورنال» التي حاولت التشكيك فيها وبجدواها، معتبرةً أن هناك «روسياً معتدلاً» و»إيرانياً متطرفاً»، وإذاعة «صوت أميركا» التي اعتبرتها تعاوناً روسياً – إيرانياً لا يقود لحل سياسي في سورية.