تغطية الإعلام الأميركي لاغتيال سمير القنطار ورفاقه في دمشق
إبراهيم علوش
ركزت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية المعروفة، في تقريرٍ سامٍّ مغلّفٍ بالموضوعية، كعادة الإعلام الغربي، على نسج أبعادٍ محددةٍ في تغطية استشهاد القائد القومي المقاوِم سمير القنطار ورفاقه في جرمانا ليلة السبت الفائت، أولها تشويه صورته كـ»قاتل أطفال إسرائيليين»، مما يعني ضمناً تبرير عملية تصفيته أمام الرأي العام الغربي، مقتطفةً في هذا السياق تغريدة لـ»معارض سوري» يقول فيها إن «القنطار بدأ بقتل طفلة إسرائيلية عمرها 4 سنوات وانتهى لقتل الشعب السوري»، وثانيها محاولة التقليل من القائد سمير القنطار كقائد، بزعم أنه لم يكن ذا خبرة عسكرية كبيرة، وأن دوره كان رمزياً وظفه حزب الله في الوصول للتجمّعات «غير الشيعية، مثل الدروز الذين يهيمنون على مناطق استراتيجية جنوب سورية»، وأنه كان مكلفاً مؤخراً بـ»تجهيز ميليشيا درّبها حزب الله في محافظة السويداء، التي يقطنها الدروز أساساً»، وثالثها أن عملية استهداف سمير القنطار تطلّبت قدرات استخبارية خاصة ودقيقة لا تملكها إلا دولٌ مثل «إسرائيل»، نقلاً عن اللواء الركن المتقاعد إيال بن روفن، مع التأكيد أن دولة العدو الصهيوني لا تعترف بمسؤوليتها عن العملية، ورابعها أن سمير القنطار هو «القائد الثاني في جبهة حزب الله الجنوبية الذي يموت في ضربة إسرائيلية، بعد جهاد عماد مغنية، الذي قُتل في القنيطرة في شهر كانون الثاني المنصرم، والذي اغتيل أبوه عماد مغنية في دمشق العام 2008 في تفجير يُعتقَد بأنه نفّذ من قبل إسرائيل»، وخامسها يتعلّق بالبعد السياسي لعملية استهداف القنطار، حيث إنها، بحسب تقرير الصحيفة، «اخترقت إحساس داعمي السيد الأسد بالأمان، بعدما بدأت روسيا تدخلها العسكري المباشر في النزاع»، مع تغطية تساؤلاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي حول «الخونة» وسبب عدم إسقاط الدفاعات الجوية الروسية للطائرات «الإسرائيلية»، لتردّ، نقلاً عن «محللين عسكريين» لم تسمهم الصحيفة، بأن أربعة أو خمسة صواريخ أطلقتها «طائرات إسرائيلية، لم تعبر المجال الجوي السوري»، هي التي نفذت العملية، وسادسها أن التبادل الصاروخي والمدفعي بين جنوب لبنان والكيان الصهيوني، عشية اغتيال القنطار، كان تصعيداً رمزياً يعكس «الجهد المعتاد للطرفين في تجنب حربٍ أخرى»!
من جهتها، عنونت صحيفة «واشنطن بوست»، القريبة من دوائر صنع القرار في العاصمة واشنطن، تقريرها حول اغتيال القنطار في جرمانا كما يلي: «ناشط لبناني ذائع الصيت يُعلن عن مقتله في ضربة جوية قرب دمشق»، مع التنويه أن تعبير notorious الذي استخدمته الصحيفة يلتبس معنيين شائعين: ذائع الصيت، وسيئ الصيت! وقد بدأت «واشنطن بوست» تقريرها حول الحادثة بالشكل التالي: «القدس قُتل ناشطٌ قياديٌ لبناني، تعتبره الولايات المتحدة وإسرائيل إرهابياً ومتورطاً بشكل عميق في الحرب الأهلية السورية، في ضربة جوية في ضواحي دمشق في وقتٍ متأخرٍ يوم السبت». وفي الفقرة التالية من تقرير «واشنطن بوست» نجد أن القنطار سُجن حوالي ثلاثة عقود في الكيان الصهيوني لـ»دوره في قتل ثلاثة إسرائيليين، من ضمنهم بنتٌ عمرها أربع سنوات وأبيها»، لتضيف الصحيفة في الفقرة اللاحقة أن «حزب الله، المتورط في الحرب السورية دعماً للنظام، قال بأنه سوف ينتقم من إسرائيل لمقتل القنطار»، سعياً لإظهار أي رد كأنه إجرامٌ غير مبرر يدفعه الانتقام العُصابي الأعمى فحسب! لينتهي التقرير بأن تبادل إطلاق الصواريخ والقذائف، عقب عملية اغتيال القنطار، لم تسفر عن أية إصابات.
موقع قناة CNN، القناة الإخبارية الرئيسية في الولايات المتحدة، تناول عملية استهداف سمير القنطار من زاوية قصف نهاريا بثلاثة صواريخ، التي نفذ فيها القائد سمير القنطار عمليته العام 1979، فكان للجيش الصهيوني ردٌ بقصفٍ مدفعي، لم يُسفر عن إصابات في الحالتين، وكان عنوان ذلك التقرير القصير نسبياً: «تبادل إطلاق نار عبر الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، بعد موت ناشط»! فالحرص الغربي يبقى دوماً على «سلامة الإسرائيليين»… والقضية برمّتها لا تستحق الكثير من الاهتمام الغربي، قياساً بحجم الحدث في بلادنا.
تقرير صحيفة «وول ستريت جورنال»، الأكثر انتشاراً في الولايات المتحدة، كان الأكثر سطحيةً، بالرغم من المساحة التي خصصتها الصحيفة له، فبمقدار اتساع الجمهور تكون سطحية التغطية… «الناشط الذي قاد هجوم العام 1979 على إسرائيل يُقتل في سورية»! كان ذلك عنوان تقرير «وول ستريت جورنال»، لصاحبها روبرت ميردوخ. و»حزب الله يلوم إسرائيل على ضربة في ضاحية دمشقية»، كان العنوان الفرعي. والآن يتبين من التقرير أن العملية التي قادها القنطار العام 1979 أدّت لمقتل شرطيين «إسرائيليين» و»طفلتين وأبيهما»، وأن القنطار بعد عملية تبادل أسرى العام 2008 مع حزب الله مضى ليقود مجموعة فرعية «شيعية»! وقد أدت الضربة لـ»توترات عبر حدود إسرائيل الشمالية مع لبنان… مما أدى لدخول الطائرات الإسرائيلية المجال الجوي اللبناني»، لكن «الحكومة السورية لا تزال تحقق فيما إذا كانت إسرائيل متورطة بشكلٍ مباشر» في اغتيال القنطار، لتزعم نقلاً عن وزير الإعلام السوري عمران الزعبي أن الهجوم ربما يكون قد نفذ من خلال مجموعة «مدعومة إسرائيلياً»، أي ليس من الكيان الصهيوني مباشرة! لنكتشف من التقرير إياه أن إحدى البنتين «الإسرائيليتين» اللتين اتهم سمير القنطار العام 1979 بقتلهما خنقتها أمها حتى الموت خوفاً من أن تستدل مجموعة القنطار على مكان الأمّ من صراخها! أي أن أمها هي من قتلتها، لا سمير القنطار… فيا لحب الأم اليهودية الشهير!
من الواضح، مما سبق، أن تقرير «نيويورك تايمز» أعلاه هو الأكثر خطورةً وأهمية، خصوصاً من ناحية الرسالة السياسية للضربة، وهي «اختراق إحساس داعمي الأسد بالأمان بعد التدخل العسكري الروسي»، لكنها جميعاً حاولت إبراز القنطار كإرهابي و»قاتل أطفال»، وتناولت الحدث من زاوية تكريس حساسية تعرُّض الصهاينة للقصف الانتقامي الذي يمثل استمراراً لعملية القنطار نفسها.