عاصفة الحزم 2 فشلت في تعطيل جنيف السوري والرياض تبلّغت الرسالة

كتب المحرر السياسي

انطلق التصعيد السعودي ضدّ إيران، من بوابة إعدام الشيخ نمر النمر واستدراج تصعيد ديبلوماسي يتظلّل وراء موجات الغضب التي استهدفت البعثة الديبلوماسية السعودية في إيران، من قراءة في الرياض لموازين التسويتين اليمنية والسورية، وفقاً للمقاربة الأممية المحمية بتفاهم روسي أميركي، ترى أنّ التسوية المعروضة في سورية ستنتهي بخروج جماعة السعودية من المعادلة بمجرّد الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، مهما كان حجم المال السعودي المرصود للعملية الانتخابية، طالما أنّ قضية تنحّي الرئيس السوري بشار الأسد أو عدم ترشحه للانتخابات صارت خارج البحث، وأنّ ممثلي المال والسلاح والفكر السعودي الوهابي يجري إقصاؤهم بالنار من الميدان، بحيث يصير إسهام السعودية بالتسوية مجرد منح الغطاء اللازم لتمريرها، وتكريس هزيمتها بعد خمس سنوات من الإنفاق والتصعيد وربط مكانة السعودية الإقليمية بحصيلة الحرب على سورية ورئيسها وفي المقابل تبدو شروط أيّ تسوية في اليمن كفيلة بحفظ حلفاء إيران ودورهم في صياغة السلطة الجديدة، خصوصاً أنّ أيّ تراجع في الحضور العسكري السعودي كجزء عضوي من شروط أيّ تسوية، سيرتب تضعضع معسكر الموالين للسعودية وإضعاف مكانتهم، وهم الذين لم يستطيعوا الدفاع عن وجودهم في أيّ بقعة من اليمن، وصاروا خارج الحدود خلال ساعات من المواجهة، بخلاف الصمود الأسطوري للرئيس السوري وجيشه، رغم أنّ الحوثيين في اليمن محاصرون من كلّ جهة، براً وبحراً وجواً، بينما حلفاء السعودية في سورية يتحرّكون وخلفهم حدود مفتوحة من كلّ اتجاه، من تركيا إلى لبنان والأردن، ورغم ذلك فهم فشلوا في دخول دمشق والسيطرة على حلب واللاذقية وحمص وطرطوس، خلال سنوات رغم الدعم المفتوح، قبل الدخول الروسي على خط الحرب، فيما كان الحوثيون يسيطرون على صنعاء وعدن وباب المندب خلال ساعات، رغم الحصار من كلّ اتجاه، ولا شيء يضمن مع تكريس التهدئة الأمنية وبدء المسار السياسي أن يبقى في اليمن غير الحوثيين ومقابلهم تنظيم «القاعدة»، كما بقي في سورية الجيش السوري ومقابله متفرّعات «القاعدة»، ويصير العالم مجبراً على الاختيار بالتعاون مع الحوثيين وحلفائهم.

بمعيار الشرعية التي يملكها الرئيس السوري كتفسير لقوّته، كانت شرعية مماثلة بيد منصور هادي في اليمن، مع فارق لمصلحة هادي المسوّر بحدود كلها بيد حليفه السعودي والمحمي بدعم دولي وإقليمي يعترف بشرعيته، بينما الرئيس السوري يقاتل في وجه حدود مفتوحة ودعم وتبنّ معلَن لخصومه من دول الجوار وحصار دولي وإقليمي وصل حدّ نزع الاعتراف بشرعية رئاسته من الكثير من العواصم الدولية والإقليمية،. وهذه الصورة سترسم مستقبل اليمن وسورية بعد انجلاء غبار المعارك وإقفال الحدود على التدخلات، حيث يزيد الرئيس السوري قوة ويزيد منصور هادي ضعفاً.

لم تجد السعودية ما تراهن عليه سوى التصعيد في وجه إيران واستدراجها إلى جولة مواجهة، فيجد حلفاء الرياض أنفسهم مجبَرين على مساندتها والاصطفاف وراءها، ويصبح كلّ شيء في المنطقة مرهوناً لمستقبل هذه المواجهة، وتتعطل كلّ مسارات التسويات التي تريد لها السعودية بعد التصعيد أن تنتظر حواراً أو تطبيعاً سعودياً ــــ إيرانياً بموازين جديدة وحسابات جديدة.

لم تجر رياح التفاعلات، وفقاً لما اشتهت السفن السعودية، فكانت المواقف الأميركية والتركية والباكستانية ذات دلالات على انعدام اأيّ درجة من التضامن، بعد خذلان دول الخليج الأساسية للطلب السعودي بقطع العلاقات مع إيران، والاكتفاء بمواقف رفع عتب من تخفيض تمثيل واستدعاء سفير للتشاور، وانتهاء بالتجاهل والصمت القطري والعُماني، ليبدو أنّ كلمة السرّ الأميركية كانت بالضغط للتهدئة، وأنّ كلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري للوزيرين السعودي والإيراني بالتوازي والتزامن رسالة للحلفاء ليحذو كلّ منهم حذو واشنطن، والامتناع عن أيّ دعسة ناقصة، وكان الأهمّ في الصدى للموقف الأميركي ما صدر عن تركيا وباكستان بالدعوة إلى التهدئة بين عاصمتين صديقتين، والاستعداد للوساطة، حتى وصل المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا حاملاً الرسالة الأهمّ، ومضمونها أنّ لقاء جنيف الخاص بسورية لن يتأثر وسيُعقد في موعده، ووفقاً لجدول الأعمال المتضمَّن في القرار الأممي 2254، وأنّ النصيحة للسعودية هي بعدم التورّط بما يعيق هذا التوجه المتفق عليه بين موسكو وواشنطن والعواصم الكبرى.

الحصيلة الوحيدة التي حصدها حكام الرياض لتصعيدهم كانت إطاحة الصفقة الرئاسية في لبنان التي عرضها بلسانهم وبدعم منهم الرئيس سعد الحريري، وفقاً لما كان واضحاً من كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، بأنّ المسألة ليست مسألة طرح اسم حليف موثوق للمقاومة لرئاسة الجمهورية، بل هي مسألة قبول إسناد رئاسة الحكومة للحريري، التي باتت موضع نقاش، وقبلهما ومعهما ما يضمن إعادة تشكيل مجلس النواب مع قانون انتخاب جديد، ووفقاً لوصف مصدر متابع لـ«البناء»، أنّ الصفقة أُعدمت مع الشيخ نمر النمر.

هل تلجأ الأطراف المختلفة لابتكار قواعد اشتباك جديدة؟

يبدو أن ما يجري من تصعيد إقليمي وانعكس تصعيداً في الداخل سيعقّد مناخ التسويات المفترضة، لكن هل تلجأ الأطراف المختلفة تيار المستقبل وحزب الله إلى ابتكار قواعد اشتباك جديدة تنظم الخلاف وتعزله عن التداعيات الإقليمية؟ بخاصة في ظل الحديث عن جدوى الحوار عند بعض الأصوات في تيار المستقبل الذي رفض أمس، ما أسماه تدخل حزب الله في شأن داخلي سعودي يتناول سعوديين أدينوا بجرائم إرهابية من قبل القضاء السعودي الذي أصدر قرارات قضائية هي من القرارات السيادية لأي دولة. واستنكرت في البيان الأسبوعي الذي صدر عقب اجتماع الكتلة كلام النائب محمد رعد، الذي عبر فيه عن «رفض الحزب أي تسوية داخلية في خصوص انتخابات رئاسة الجمهورية»، لافتة إلى أن «ما يسعى له حزب الله ليس فقط إفشال أي تسوية بل إفشال عملية انتخاب رئيس وشل المؤسسات الدستورية»، زاعمة أن «حزب الله يعمل على ممارسة العزل على فئة كبيرة من اللبنانيين».

المستقبل ينقسم حيال الحوار

علمت «البناء» من مصادر في تيار المستقبل «أن مشاورات هاتفية جرت مع الرئيس سعد الحريري أفضت إلى ترجيح الاستمرار في الحوار. ولفتت إلى «أن اجتماع الكتلة أمس، شهد انقساماً في المواقف، حيث أكد فريق وجوب الاستمرار في الحوار الثنائي لأن الأجواء تحتم ذلك، وأن الحوار حاجة ملحة لوأد الفتنة، بخاصة أن الرئيس الحريري يؤكد دائماً سياسة اليد الممدودة، واعتبر فريق آخر أن لا جدوى من الحوار واعتبار ما قاله النائب رعد إهانة بحق الرئيس الحريري تفترض عدم الاستمرار في الحوار». ولفتت المصادر إلى «أن الكبار» داخل تيار المستقبل متمسكون بالحوار ويعتبرونه حاجة ضرورية لبقاء عمل الحكومة، بخاصة أن «الكفة تميل لمصلحة الفريق الآخر الذي ربما يصل إلى فرض شروطه في الاستحقاقات الكبرى».

صفقة الرئاسة ذهبت..

ومن ناحية أخرى، أكدت المصادر تعليقاً على «التسوية الرئاسية» أن «الله أعطى والله أخذ»، مشددة على أن «التسوية الرئاسية ذهبت مع الشيخ نمر النمر». وإذ لفتت المصادر إلى «أن المنطقة كلها في حالة حرب»، سألت هل يبقى لبنان وسطياً في ظل الصراع المفتوح؟».

في المقابل، أشارت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ«البناء» إلى «أن موقف النائب رعد الذي أعقبه مستوى تصعيدي من الردود هو موقف يأتي في السياق الطبيعي جداً لتطور الأحداث»، لافتة إلى «أن من يدقق ملياً في موقف حزب الله من القضايا الداخلية بخاصة منذ لقاء باريس الشهير بين الرئيس سعد الحريري ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية يمكن بسهولة أن يصل إلى الاستنتاجات التالية:

أولاً: أن حزب الله لم يجد المبادرة الرئاسية مبادرة رسمية، فالرئيس سعد الحريري لم يبادر إلى تقديمها إلا بعد أن أمّن لها مرتكزات الطرح السياسي والشراكة مع حلفائه ليتم البناء على ما طرح.

ثانياً: يفصل حزب الله بين ما يمثله رئيس تيار المردة سليمان فرنجية من وزن وثقل وقيمة وتأثير ومشروعية أن يكون مرشحاً رئاسياً كامل المواصفات، وبين الخلفية التي عمدت إلى التلويح بهذا الأمر من دون جرعة تحويله طرحاً رسمياً.

ثالثاً: بقيت أولويات حزب الله في التعاطي مع هذه «الوشوشات» في إطار تمسكه بموقفه الصلب بالوقوف وراء الجنرال ميشال عون كمرشح وحيد والتزام الجميع بذلك.

رابعاً: من سرّب أصل حدوث اللقاءات الباريسية وجدول أعمالها وما بُحث خلالها، هم المسؤولون عن تظهير الأمر وكأنه صفقة سلطة وليس تسوية يحتاج إليها الوطن.

وتشدد المصادر على «أن كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة أتى في السياق الطبيعي جداً»، لكن المفاجئ ليس كلام النائب رعد إنما افتعال تيار المستقبل الرد، علماً أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قال يوم الأحد كلاماً أكبر من هذا الكلام بكثير ليس بحق الرئيس سعد الحريري الذي لم يسمّه النائب رعد، إنما بحق آل سعود الذين هم أسياد الحريري السياسيين والماليين». وأكدت المصادر أن بيان كتلة المستقبل أمس، وما أعقبه من تصريحات نيابية، يوضح حقيقة النيات التي تهدف إلى توسيع الشرخ، إذا كان موجوداً، أو إيجاده إذا لم يكن قائماً بين النائب فرنجية وحزب الله المدرك منذ اللحظة الأولى أن هذا هو هدف الرئيس الحريري من هذه الفكرة».

أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري، وفق ما نقل عنه الوزير السابق وديع الخازن، أن التطورات الأخيرة لن تعرقل لقاءات حزب الله وتيار المستقبل، لأنه ليس مستعداً للتخلي عن الحوار الثنائي والوطني وترك الساحة عرضة للتوترات. وأصرّ بري على إبقاء الاتصالات لتفعيل عمل الحكومة لئلا يُعمّم الفراغ.

«التسريب» محاولة بعث «الستين» ونعي اللجنة

إلى ذلك، استأنفت لجنة التواصل النيابية المكلفة إعداد قانون انتخاب جديد اجتماعاتها أمس، بعد عيدَي الميلاد ورأس السنة. وعلمت «البناء» أن مصادر نيابية مشاركة في عمل اللجنة رأت «أن المجتمعين استنكروا التسريب الذي حصل وأكدوا على عدم جواز التسريب»، لافتة إلى «أن ما جرى تسريبه ليس دقيقاً على الإطلاق». وشددت المصادر النيابية لـ«البناء» على «أن مَن قام بالتسريب لا يريد للجنة أن تصل إلى نتيجة ويبدو أنه من دعاة العودة إلى قانون الستين لنعي اللجنة». وأشارت المصادر إلى «أن اللجنة تعمل على مناقشة نقاط الاختلاف بين الاقتراح المقدم من رئيس المجلس النيابي نبيه بري والاقتراح المقدم من الثلاثي «الاشتراكي» – «المستقبل» و«القوات».

وشدد النائب جورج عدوان من عين التينة، عقب لقائه الرئيس بري، على ضرورة وضع مسألة انتخاب رئيس الجمهورية قدر الإمكان على نار حامية وإعطائها الأولوية»، ونفى «ما تسرب في وسائل الإعلام حول قانون الانتخاب»، مشيراً إلى «أن العمل مستمر والبحث يتقدم بعد مرور شهر على عمل اللجنة الذي يجري في مناخ جدي وموضوعي للغاية»، ولفت إلى «أن الخيار محصور بنوع خاص بمشروعين»، وأضاف: «نحاول أن نبحث في النقاط التي هي موضع تباعد أو فروق سعيًا إلى التقريب بينها».

العدو يعترف بمقتل ضابط وجرح جندي

أمنياً لم يتأخر العدو «الإسرائيلي» عن كشف الخسائر التي لحقت بجيشه في عملية المقاومة في مزارع، فقد اعترف بمقتل ضابط وجرح جندي، لكنه زعم أنه قتل في حادث تدريب في جنوب فلسطين المحتلة.

وأكدت مصادر عسكرية لـ«البناء» أن «قيادة المقاومة هي التي تقيّم الوضع وتقرر إن كان حجم الخسائر خلال هذه العملية كافياً كردّ على اغتيال الشهيد سمير القنطار أو تعتبره جزءاً من الرد وبالتالي تتبعه ردود أخرى».

وأكدت مصادر عسكرية أخرى لـ«البناء» «أن توقيت العمل المقاوم وأهدافه مرتبطان بتوفر الفرصة المناسبة لتنفيذ عملية، لذلك من الممكن أن تكون عملية مزارع شبعا تمويهاً وجس نبض العدو تمهيداً لعملية أكبر تُعدّ لها المقاومة، ربما تكون قريبة وقد تطول، ففي ظل الحرب القائمة بحيث تجعل الاحتمالات مفتوحة كلها».

وإذ لفتت المصادر إلى أنه صحيح أن الضابط الذي قتل في العملية لا يشكل الرمزية التي يشكلها الشهيد سمير القنطار، أشارت إلى أن «أهمية العملية تكمن في المكان الحساس للعملية مثلث فلسطين – سورية – لبنان والذي تقصّدته قيادة المقاومة لإرسال رسالة مفادها أن كل هذه المنطقة تحت مرمى نيرانها لا سيما مزارع شبعا المحتلة وحق المقاومة في تحريرها، وكما تكمن أهمية العملية باختراق المقاومة كل الإجراءات الإسرائيلية ما يشكل ضربة أمنية وعسكرية ومعنوية كبيرة لجيش الاحتلال».

وفسّرت المصادر اتخاذ اليونيفيل إجراءات احترازية قبيل حدوث العملية بساعات، بأن «إسرائيل اكتشفت اختراق الخط التقني قبل العملية وأبلغت اليونيفيل كي لا تدخل في اشتباك مع حزب الله أو مع جيش الاحتلال، لأن قواعد الاشتباك التي تعمل ضمنها اليونيفيل مختلفة عن قواعد الاشتباك التي تحكم حزب الله وإسرائيل».

إلى ذلك، أعطى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل التوجيهات الديبلوماسية من أجل إبلاغ مجلس الأمن بجدول إحصائي عن الخروق والاعتداءات الإسرائيلية للعام 2015، يتضمّن تفصيلاً شهرياً لكل أنواع الخروق البرية والجوية والبحرية التي اعتدى بها العدو الإسرائيلي على الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية. وقد بلغ مجموع هذه الخروق 1168 خرقاً للسيادة اللبنانية.

من ناحية أخرى، وصلت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ إلى الرياض، في إطار مشاوراتها الجارية مع الجهات الإقليمية الفاعلة لمناقشة استقرار لبنان وأمنه والجهود لدعم احتياجاته الإنسانية والإنمائية الحيوية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى