الأردن بين مطرقة التطبيع وسندان الأحكام العُرفية
إبراهيم علوش
اتخذ التطبيع في الأردن، خلال الأسابيع الفائتة، منحىً تصاعدياً يحظى بالرعاية الرسمية، وهو ما اتخذ طابعاً دينياً مع إعلان وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية هايل داود عن توجه وفود أردنية إلى أندونيسيا وماليزيا وتركيا «لتسويق زيارة مقامات الصحابة، وربطها بزيارة المسجد الأقصى المبارك، ضمن رحلات العمرة التي تسيِّرها تلك البلدان»، بحسب صحيفة «الغد» الأردنية في 18/1/2016، مما يعني فتح الباب على مصراعيه للـ»حج» للأقصى، في ظل الاحتلال الصهيوني وبموافقته، برعاية رسمية أردنية، ومما يفتح قنوات شعبية بين الكيان الصهيوني والعالم الإسلامي برمّته. وكان الخطاب الرسمي يربط التطبيع مع العدو الصهيوني في السابق بموافقته على شروط «مبادرة السلام العربية» لعام 2002 التي ألقى بها شارون، مذاك، في سلة المهملات. ويذكر أن عدداً من الشركات السياحية الأردنية تنشط في الترويج لزيارة الأماكن المقدسة في فلسطين وأن إعلاناتها تكاد لا تخلو منها الصحف الأردنية الرئيسية يومياً.
وكانت مواقع أردنية قد كشفت عن حملة لتشغيل 1500 عامل وموظف أردني في أم الرشراش العربية المحتلة إيلات في نهاية شهر تشرين الأول الفائت، ومع أن وزارة العمل الأردنية قالت إنها غير مسؤولة عن تصدير العمالة الأردنية للكيان الصهيوني التي يقوم بها متعهّدون من القطاع الخاص، فإن مواقع أردنية عدّة نقلت عن مدير العمل والتأشيرات في سلطة العقبة الاقتصادية أن هؤلاء يذهبون بموجب بروتوكول رسمي موقَّع بين العقبة و»إيلات» يقضي بإيفاد عمال أردنيين إليها كما أن إذاعة «صوت إسرائيل» ذكرت في 2 كانون الأول 2015 أن وزارة العمل في الكيان الصهيوني تنوي استقدام 4 آلاف عامل من الأردن بعد إعلان دائرة الإحصاءات العامة الأردنية عن تصاعد معدل البطالة بين الأردنيين بضع نقاط مئوية!
والأمر الذي لا شك فيه هو أن عمليات التطبيع مع العدو الصهيوني باتت تتّخذ طابعاً علنياً متعمَّداً، ومن ذلك تسريب فيديو الشهر الفائت لخطاب محمد الشطناوي، رئيس الوفد الأردني المشارك في ماراثون بحيرة الحولة العربية المحتلة برعاية المجرم شمعون بيريز، الذي شكر فيه الشطناوي بيريز، معبراً عن سروره للمشاركة في مسابقة الحولة للجري خلال السنوات الخمس الماضية… وكانت «جمعية أصدقاء الأرض» قد نظمت في الصيف الفائت رحلات طالبية للكيان الصهيوني، فيما أعلن وزير الداخلية الصهيوني سيلفان شالوم في تشرين الثاني عن استكمال شروط العطاء الدولي لقناة البحرين التي يفترض أن تربط بين البحر الأحمر والبحر الميت، والتي ستربط الأردن مائياً بالكيان الصهيوني، ولم يزل من غير الواضح ماذا سيحدث بالنسبة لرسالة النيات التي وقّعتها شركة الكهرباء لاستيراد الغاز من الكيان الصهيوني، لكن من المؤكد أن شركتي البوتاس وبرومين الأردن وقعتا اتفاقاً، ليس رسالة نيات فحسب، لاستيراد الغاز من الكيان.
العبرة مما سبق هي ببساطة فرض التطبيع مع العدو الصهيوني شعبياً، بإشراف رسمي من النظام، أي أن الجهد ينصبّ الآن على تحويل التطبيع الرسمي إلى تطبيع شعبي، الأمر الذي ترافق في الآونة الأخيرة مع السعي لاجتثاث أي نشاط ميداني مناهض للتطبيع مع العدو الصهيوني خصوصاً، في سياق العودة إلى نهج كبت الفعاليات الوطنية والقومية عموماً، ومن ذلك مثلاً منع اعتصام جماعة الكالوتي جك في الرابية احتجاجاً على السفارة الصهيونية ومعاهدة وادي عربة بالقوة بعد خمس سنوات وسبعة أشهر وأسبوعين على قيامه، وهو ما ترافق مع اعتقالات وضرب واستدعاءات أمنية وتفتيش منازل وتسييج ساحة الاعتصام خلال الأسابيع الأخيرة، ومنع فعالية لشبيبة حزب الوحدة الشعبية في شارع الرينبو يوم الخميس 17 كانون الثاني 2016 ضد شراء المنتجات الصهيونية، ومنع عدد من النشاطات الوطنية الأخرى فيما تكشف الأحكام العُرفية عن وجهها القبيح بعد سنوات من التساهل النسبي المحسوب. وقد وثق موقع JO24 في 19 كانون الثاني 2016 عدداً من حالات حظر الفعاليات الوطنية والعمالية، ومنع مناظرة عامة في مقهى، لكن حصة الفعاليات المتعارضة مع مواقف الأردن الإقليمية من المنع ظلت الأكبر، خصوصاً موضوعة مناهضة التطبيع.
من الواضح إذن أن هنالك، من جهة، مسعىً لفرض التطبيع مع العدو الصهيوني شعبياً، ومسعىً آخر لاستئصال حالات مناهضة التطبيع وصهينة الأردن، الميدانية تحديداً، من جهةٍ أخرى. ومع أن الانتهاكات الصهيونية اليومية للأقصى يُفتَرَض أن تجعل النظام الأردني يترك حيزاً أوسع لحركة مناهضة التطبيع، لكون الأقصى تحت الولاية الهاشمية رسمياً، فإن العكس تماماً هو الذي يحصل مع ازدياد التضييق على القوى المناهضة للتطبيع مع الكيان، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول مغزى ذلك التضييق سياسياً بدلاً من إفساح مجال أكبر لحركة مناهضة التطبيع لحفظ ماء الوجه شعبياً وإزاء الكيان الصهيوني لو وضعت الأمور في سياقها الطبيعي والسليم.
ثمّة بعدان، في الواقع، لمثل ذلك التضييق، يتعلّق أولهما على الأرجح بشعور صانعي القرار أن الوقت حان لإعادة فرض القبضة الأمنية للشارع السياسي تحديداً، بعد خفوت الحراك الشعبي ومظاهر المعارضة الميدانية، ما خلا اعتصام جك الدوري فعلياً أما البعد الثاني فيرتبط على الأرجح بتمهيد الأرضية للتغلغل الصهيوني في الأردن، اقتصادياً وشعبياً وسياسياً، كمعبر جغرافي – سياسي للإقليم الذي يرى الاستراتيجيون الصهاينة أنه مقبلٌ على تكريس التفكك إلى إمارات ودويلات. فما يجري لا يمكن فهمه من زاوية مصلحة الدولة الأردنية في ظل تصاعد الحس اليميني المتطرف في الكيان الصهيوني، ولا يمكن فهمه إلا في ظل تعزيز العلاقات السعودية -الصهيونية على خلفية الاصطفافات وصراع المحاور القائم في الإقليم، وارتباط النظام الأردني بالتحالف السعودي من جهة، وبالطرف الأميركي – الصهيوني من جهةٍ أخرى. وكل ما يجري يعيد تأكيد أن إعلان بطلان معاهدة وادي عربة هو الأساس الحقيقي للتغيير في الأردن.