تركيا تتهم حزب العمال بتفجير أنقرة… وتقف عشية الحرب الأهلية الحريري لإعادة الانتشار على النقطة صفر رئاسياً بانتظار المتغيّرات
كتب المحرّر السياسي
ودّع العرب وودّعت الصحافة محمد حسنين هيكل الذي اختصر في شخصه ومسيرته قيم الفكر الحرّ والكلمة التي لا يملك حاكم أو متموّل أن يقبض عليها أو يدفع ثمنها، تاركاً فراغاً يصعب ملؤه في زمن السرعة والتسرّع والاستسهال، وانتشار معادلات تسليع الفكر والسياسة وخصخصة الثقافة والصحافة، ووضع الربحية والارتزاق كشروط لقيم المهنة تحت مسمّى الجدوى الاقتصادية، واعتبار الاستزلام والتزلف للحاكم حرفية القرب من مصدر المعلومات، وصانع القرار تعبيراً عن مهنية رفيعة.
رحل هيكل تاركاً وراءه تحدّيات فكرية ومعرفية ومهنية وثقافية أمام جيل عربي يعيش أسوأ لحظات التصدّع الطائفي والسياسي والعرقي، والتشظي الفكري، والضياع والتيه في غياب مشروع قومي جامع ووجود دولة وطنية ضعيفة، وصعود مرعب للعصبيات، وهيمنة مريعة للمال النفطي على مرافق الفكر والصحافة والإعلام والثقافة، ما يزيد الغياب عتمة والفقد قسوة.
جاء الغياب المتوقع مع الحالة المرضية لهيكل وتفاقمها وضعف مناعته مع عمره المتقدّم، مناسبة لتظهير التحدّيات التي تعيشها المنطقة بغياب مشروع عربي تقوده مصر، في ظلّ المحاولات التركية السعودية المستمرّة لتغييب مصر وملء مقعدها الشاغر في المواجهات الكبرى الدائرة في المنطقة.
التحدّيات التركية والسعودية التي تشكل عنوان مخاطر جرّ المنطقة إلى حروب إقليمية تتهدّد السلم الدولي، كما يؤكد الروس كلّ يوم، تراجعت مع الإعلان الروسي الأميركي المتزامن عن التنسيق العسكري بين البلدين تفادياً لأيّ تصادم يقع بنتيجة طرف ثالث، وبدا واضحاً أنّ المقصود المشاغبات التركية التي رافقت المشهد السوري تصعيداً بقصف الأكراد خلال الأسبوع الماضي.
تركيا عاشت يوماً دموياً بتفجير استهدف عاصمتها أنقرة وحصد قرابة ثلاثين قتيلاً وستين جريحاً، اتهمت السلطات التركية حزب العمال الكردستاني بالوقوف وراءه، وبدأت الأجهزة الحكومية بحملة مطاردة وملاحقة للناشطين الأكراد المحسوبين على حزب العمال، في الإعلام والسياسة، في ربط للعمليتين الجاريتين داخل تركيا وعلى حدودها مع سورية، بينما وصفت المصادر المعارضة للحزب الحاكم في تركيا الأعمال الانتقامية التي يتعرّض لها الأكراد، بمشروع حرب أهلية لا يعرف أحد متى ستنفجر ما لم تتوقف ما وصفتها بحملات التطهير العرقي والعقوبات الجماعية التي يتعرّض لها الأكراد.
لبنانياً شكلت زيارة الرئيس سعد الحريري إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري الحركة الأبرز في السياسة الداخلية، مع الطابع الروتيني لانعقاد هيئة الحوار الوطني، والزيارة البروتوكولية للنائب سليمان فرنجية إلى بيت الوسط، وقالت مصادر متابعة لحركة الحريري، إنه يحاول تصفير موقعه من الخيارات الرئاسية، بدءاً بزياراته لقادة فريق الرابع عشر من آذار، وتجميعها تحت شعار لننزل وننتخب، وليس مهماً الخلاف على الخيار الرئاسي، فيصير الخلاف بين فريقي الثامن والرابع عشر من آذار، رغم عدم تماسك كلّ من الفريقين على الترشيحات الرئاسية وخلط الأوراق بينهما، محوره بين معادلتَيْ «نتفق لننتخب» أو «لننزل وننتخب»، لينتقل بعدها الحريري إلى مرحلة التصفير الثانية وهي العبور من بوابة العلاقة مع الرئيس بري والنائب جنبلاط نحو الحوار مع حزب الله، جساً للنبض الرئاسي وخياراته على إيقاع متغيّرات المنطقة وتطوراتها، قبيل حلول موعد زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لموسكو منتصف الشهر المقبل، تمهيداً لتلقي إشارات الزيارة ومدى وجود فرص لتسييلها نحو خيارات رئاسية معينة.
مصادر سياسية متابعة وصفت المرحلة انطلاقاً من إعادة الانتشار الحريرية على النقطة الصفر، بمرحلة الترقب والانتظار وليس مرحلة الخيار والقرار.
جلسة للحوار الوطني محورها النفايات
في ظل استمرار المواقف السياسية على حالها والمراوحة على صعيد الملف الرئاسي وبعد الاتفاق على تفعيل العمل الحكومي في الجلسة الماضية، انعقدت الجولة الـ15 من الحوار الوطني أمس في عين التينة، كان محورها البحث في ملف النفايات بعد أن ظهرت تعقيدات خيار الترحيل إلى روسيا، كما تم التطرق إلى الملف الرئاسي بالعموم من دون الغوص في التفاصيل، وتم البحث في ملف النازحين والوضع في سورية. وشهدت الجلسة سجالاً في ما يتعلق بملف النازحين السوريين وملف النفايات الذي يبدو أن خيار الترحيل دونه عقبات ولن يمر مع احتمال العودة إلى خيار المطامر.
وعقدت الجلسة بحضور جميع رؤساء الكتل النيابية باستثناء رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون الذي مثله وزير الخارجية جبران باسيل ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط.
التفاصيل ص. 3
الحريري زار بري في عين التينة
الملف الرئاسي الذي غاب عن طاولة الحوار الوطني حضر خلال اللقاء بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس سعد الحريري الذي زاره مساء أمس، في عين التينة يرافقه مدير مكتبه نادر الحريري بحضور الوزير علي حسن خليل. ودار الحديث حول الأوضاع والتطورات الراهنة، وتخللت اللقاء مأدبة عشاء.
وكرر الحريري مواقفه السابقة في الشأن الرئاسي، وقال «إن هناك ثلاثة مرشحين، فعلينا أن ننزل جميعاً إلى المجلس النيابي ونمارس هذا الحق الدستوري ونصل إلى انتخاب رئيس الجمهورية». وتابع: «هناك أربعة مرشحين التقوا في بكركي، وقد قالوا إن أي واحد منهم يأتي للرئاسة له الغطاء المسيحي، لذلك لدينا مرشح وهو سليمان فرنجية وهو من ضمن هؤلاء الأربعة، وكل حر في اختياره وعلى هذا الأساس نسير».
وأوضح الحريري أن «الكلام عن أن الموضوع يتعلق بأن يكون سعد الحريري رئيساً للحكومة، هذا غير صحيح، وأنا لم أتكلم مع سليمان فرنجية بهذا الأمر ولم أطالب برئاسة الحكومة ولم أفتح هذا الموضوع، هو الذي تكلم وهو الذي اقترح، إذا طلب مني أن أتولى هذه الوظيفة فسأتولاها».
فرنجية: لن أُحرج الحريري بسحب ترشيحي
وبعد خروجه من جلسة الحوار الوطني، توجه رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية إلى بيت الوسط، حيث التقى رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وأعلن فرنجية بعد اللقاء «انه لن يُحرج الرئيس سعد الحريري من خلال سحب ترشيحه ولن يتراجع عن خوض المعركة الرئاسية طالما هناك كتل نيابية تؤيده».
وأكد فرنجية، «أنه لن يكون هناك رئيس في لبنان لا يحظى بتوافق وطني، ونحن والرئيس الحريري متفقون على التنسيق بكل الأمور واتفاقي معه واضح»، مشيراً إلى «أننا لا نفعل شيئاً إلا بالتنسيق مع حلفائنا ولدي فرص بقدر غيري لرئاسة الجمهورية».
وأضاف: «التيار الوطني الحر حليفنا ورئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون صديق وحليف والأمور ليست في أحسن أحوالها بيننا، ولكننا نعتبر أننا والتيار في صف واحد وإذا كان يعتبر أن ترشيحي للرئاسة منافسة، فإن ظروفنا غير ظروفه».
كلام فرنجية يحمل إيجابية
وقالت مصادر التيار الوطني الحر لـ«البناء» إن كلام فرنجية يحمل إيجابية تجاه العلاقة مع التيار، وتمنت أن يفتح كلامه باب الحوار بين «المردة» و«التيار»، مشيرة إلى أنه «من غير المفروض ولا في أي مرحلة أن يحصل تباعد بين التيارين وحتى وإن كان على الملف الرئاسي».
ولفتت المصادر إلى أنه «من المبكر الحديث عن زيارة للعماد عون إلى بيت الوسط، حيث لا جديد رئاسياً في مواقف الحريري»، وأكدت أن «لا تواصل مباشر بين الرابية وبيت الوسط، بل هناك تواصل غير مباشر للتنسيق في ملفات أخرى»، موضحة أن «التواصل الرئاسي بين الطرفين يحتاج إلى هدوء وبعض الوقت ومرتبط بالمدة الزمنية التي سيقضيها الحريري في لبنان والهدف الذي جاء لأجله». كما استبعدت المصادر أن تكون عودة الحريري إلى لبنان مرتبطة بنضوج الملف الرئاسي، «بل إن هناك أسباباً أخرى منها لملمة تياره السياسي المتداعي والانقسام الحاد داخل فريق 14 آذار والانتخابات البلدية».
ووضعت المصادر زيارة الحريري إلى رئيس حزب «القوات» سمير جعجع في إطار لملمة 14 آذار، وشددت على «أنها لن تؤثر على المصالحة بين التيار والقوات ولا على ترشيح جعجع لعون للرئاسة».
تواصل مع حزب الله عبر بري
ورأت مصادر نيابية في تيار المستقبل لـ«البناء» أن «لقاء الحريري فرنجية كان إيجابياً ويؤكد على دعم الحريري ترشيح فرنجية»، مشدداً على أن «الحريري ملتزم بما يقوله الدستور، أي انتخاب رئيس للجمهورية في المجلس النيابي ومن يفز من المرشحين فسيهنئه ويتعاون معه ولكن يرفض تعيين رئيس».
وكشفت المصادر أن لا تواصل مع عون رئاسياً في الوقت الحاضر، واستبعدت قيام العماد عون بزيارة إلى بيت الوسط للقاء الحريري، لكنها أكدت أن «لا شيء مستحيل وأن الحريري سيتواصل مع المكونات المسيحية كلها بما فيها التيار الوطني الحر والعماد عون ولو بأشكال متعددة، لكن لا يعني ذلك دعم الحريري ترشيح عون لالتزامه دعم فرنجية».
وحول ما قصده الحريري في تصريح بأنه سيبذل جهوده لمشاركة حزب الله في جلسة انتخاب الرئيس في 2 آذار، نفت المصادر أن يترجم ذلك بلقاء مباشر بين الحريري وشخصية من حزب الله، وكشفت بأن جهود الحريري في هذا السياق تتم عبر الرئيس نبيه بري ومن خلال الحوار الثنائي الذي يحصل بين الحزب و«المستقبل» في عين التينة.
وقالت مصادر لـ«البناء» إن ما يقوله الوزير فرنجية بالعلن هو نفسه في الجلسات المغلقة وفي اجتماعاته وليس لديه أي أمر ليخفيه.
باسيل: الترجمة بموقع الرئاسة وإلا…
وأشار وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل خلال لقائه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بكركي، إلى أنه «علينا مزاوجة بين الدستور والميثاق، الدستور الذي يعطينا الحق بأن مفهوم الثلثين هو احترام الميثاق بالخضوع للإرادة الشعبية وقد عبرت عن نفسها بأكثرية ساحقة لدى المسيحيين، وتجب ترجمة هذا الأمر في موقع الرئاسة الأولى وإلا لا يمكن ترجمته في المواقع الثانية، لا في مجلس النواب ولا في الحكومة».
رياشي في الرابية
وفي السياق، وبعد زيارة الحريري إلى معراب، التقى رئيس جهاز التواصل والإعلام في حزب «القوات اللبنانية» ملحم رياشي موفداً من رئيس حزب «القوات» سمير جعجع، العماد عون في الرابية في حضور أمين سر التكتل النائب إبراهيم كنعان.
جلسة حكومية والنفايات أولوية
بعد أن فرض ملف النفايات نفسه على طاولة الحوار الوطني، بسبب تعثر خيار الترحيل إلى روسيا، يبدو أن الملف نفسه سيشكل أولوية لدى مجلس الوزراء الذي سيعقد اليوم جلسة عادية لاستكمال البحث في بنود جدول الأعمال.
وأكدت مصادر وزارية معنية لـ«البناء» وجود موافقة رسمية من السلطات الروسية المعنية لاستقبال النفايات على أراضيها من خلال الشركة الروسية «شينوك»، ونفت حصول أي تزوير للوثيقة التي أرسلتها الشركة إلى السلطات اللبنانية، موضحة أن «ما حصل هو أن الشركة أرسلت نسخة عن الورقة الأصلية تتضمن موافقة روسية رسمية، لكن مجلس الإنماء والإعمار لا يحق له أن يتسلم نسخة عن الوثيقة الأصلية وبالتالي أمهل المجلس الشركة حتى الساعة العاشرة من صباح الجمعة المقبل لتسليم النسخة الأصلية للوثيقة مصدقة وفقاً للأصول من وزارة البيئة الروسية وإرسالها في الحقيبة الديبلوماسية للسفير الروسي في لبنان وإلا ستفقد الشركة الكفالة التي وضعتها في وزارة البيئة».
وإذ رفضت المصادر الحديث عن سقوط خيار الترحيل والبحث في خيارات أخرى، عزت سبب التأخير إلى خلافات داخل روسيا حول هذا الأمر أو بين الشركة ووزارة البيئة الروسية، ورفضت المصادر وضع اللوم على رئيس الحكومة أو على مجلس الإنماء والإعمار أو الحديث عن فساد وتزوير وصفقات مشبوهة.
.. وإخبار إلى النيابة العامة
وفي سياق آخر، تقدّمت «حملة بدنا نحاسب» أمس بإخبار عن تزوير مستندات لما أسمته «صفقة ترحيل النفايات ورشاوى»، لدى النيابة العامة التمييزية.
مقبل: الإحالة إلى المجلس العدلي تُضعف العسكرية
كما يتضمن جدول أعمال الجلسة ملف إحالة قضية الوزير السابق ميشال سماحة بعد انسحاب وزير العدل أشرف ريفي من الجلسة الأخيرة احتجاجاً على عدم مناقشته، بينما تستكمل محكمة التمييز اليوم استجواب سماحة.
واستبعد مصدر وزاري أن يتطرق المجلس إلى قضية الوزير سماحة رغم وضعها على جدول الأعمال، بسبب ملف النفايات الذي سيأخذ وقتاً طويلا في المناقشة فضلاً عن باقي الملفات الاقتصادية والاجتماعية المدرجة على جدول الأعمال.
وفي ردٍ غير مباشر على وزير العدل، حسم نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل الأمر بقوله «إن إحالة ملف ميشال سماحة إلى المجلس العدلي يشكل استضعافاً للمحكمة العسكرية في وقت نحن في حاجة إليها».