الأردن كمعْبَر تجاري وسياسي بين الكيان الصهيوني والدول الخليجية
إبراهيم علوش
يتزايد تصدير المنتجات الأوروبية، عبر ميناء حيفا العربية المحتلة والأردن، إلى العراق ودول الخليج العربي، بموازاة انجلاء معالم التحالف الإقليمي بين الكيان الصهيوني والأنظمة «المعتدلة» في الوطن العربي. وتفيد صحيفة «جيروزاليم بوست»، في تقرير لها في 21 شباط 2016 بعنوان «ارتفاعٌ ضخمٌ في المنتجات الأوروبية المارة عبر إسرائيل إلى الدول العربية»، بأن المنتجات التركية والبلغارية، خصوصاً تأتي على متن عبّارات تحمل شاحنات أو في حاويات إلى ميناء حيفا ليتم شحنها براً إما إلى الأردن أو عبر الأردن إلى العراق والدول الخليجية، وأن عدد الشاحنات التي نقلت منتجات تركية وبلغارية عبر الكيان حوالي 13 ألفاً في العام 2015، دفع كلٌ منها رسوماً للعدو الصهيوني عند دخوله وخروجه من فلسطين العربية المحتلة، وأن عدد تلك الشاحنات ارتفع بمقدار 25 عن العام 2014، إذ بلغت آنذاك 10.300 شاحنة، وأن خطاً جديداً يتم تدشينه حالياً بين تركيا والكيان الصهيوني سيتيح زيادة عدد تلك الشاحنات بمقدار 150 شاحنة شهرياً، أي 1800 شاحنة سنوياً، من خلال توسيع المعابر البرية مع الأردن. وفي نموذجٍ تقليدي للتضليل، يذكر أن توسيع معبر جسر اللنبي بين فلسطين المحتلة والأردن كان قد تم تسويقه مثلاً كوسيلة لزيادة الصادرات الفلسطينية للأردن والدول الخليجية، كما جاء في موقع «كريستشيان سيانس مونيتور» في 19 أيار 2014.
قناة «i24 news الصهيونية سمّت خط إعادة التصدير، التركي أساساً، والبلغاري، عبر الكيان الصهيوني، بـ طريق الحرير الجديد ، في تقرير مصور لها في 22 شباط 2016، مؤكدةً ما ذهب إليه تقرير جيروزاليم بوست من أن تصاعد التجارة مع الدول العربية عبر الكيان الصهيوني سيخطّ طريقاً سوف يستمر بعد الأزمة السورية التي أعاقت نقل تلك المنتجات عبر سورية. وكان تقريرٌ آخر سابق للجيروزاليم بوست في 30 نيسان 2015 قد تعنون الأردن يكتسب أهمية استراتيجية وخسائره في التجارة يتم تعويضها بازدياد أهميته للسعودية والدول الخليجية ، من دون إيضاح معنى الكلام، أو ربطه بتحول الأردن إلى معبرٍ تجاريٍ لآلاف الشاحنات الآتية من الكيان الصهيوني، مع استهلال المقال بالإشارة إلى أن تجارة الأردن البرية مع سورية والعراق باتت هزيلة بسبب الأوضاع الأمنية، ولكن الأردن يزداد أهمية من الناحية الاستراتيجية، ليس بسبب وجود داعش، بل بسبب انفراج العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، وتزايد اعتماد السعودية على الحلفاء الإقليميين ، من دون المزيد من الإيضاح. وهو ما تبين فيما بعد، كما أوضحنا في أكثر من مقال سابقة، أنه بات ذريعة لتعزيز العلاقات السعودية والخليجية مع الكيان الصهيوني وكشفها علناً. أي أن الكيان الصهيوني لم يستفد سياسياً فحسب من الفوضى الدموية في الإقليم، بل استفاد تجارياً، وأنه يرسخ دوره بهذا الاتجاه، محولاً الأردن إلى جسر للتطبيع التجاري مع الدول العربية المعتدلة .
وكان موقع Middle East Eye، الذي يرأس تحريره الصحافي البريطاني ديفيد هيرست، قد نقل في تقرير له في 18 كانون الثاني 2016، بعد عودة وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال ستاينتز من رحلة سرية إلى أبو ظبي في اليوم نفسه، أن المكتب الإسرائيلي في أبو ظبي في مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أيرينا ، الذي سيضم ثلاثة مواطنين إسرائيليين ، أحدهم دبلوماسي، وثانيهم خبير في الطاقة المتجددة، وثالثهم من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ، هدفه تأسيس موطأ قدم للكيان الصهيوني في عموم شبه الجزيرة العربية، بحسب مصدر إسرائيلي لم يكشف الموقع اسمه.
الأردن الرسمي، من جهته، يبذل جهوداً مضاعفة للترويج للتطبيع الشعبي مع العدو الصهيوني، ويفرضه فرضاً، قامعاً مقاومي التطبيع ونشاطاتهم، كما وثقنا في أكثر من مقال سابق، غير أن المزيد من هذه الممارسات تتكشف كل يوم، ومن ذلك مثلاً ما كشفته حملة ذبحتونا من أجل حقوق الطلبة على موقعها في 22 شباط 2016 من أن ست جامعات أردنية تشارك ببرنامج تطبيعي علمي مع الكيان الصهيوني، هي الجامعة الأردنية واليرموك ومؤتة والتكنولوجيا وآل البيت والألمانية الأردنية، وجميعها جامعات حكومية أردنية. كذلك تسرّب في الأيام الأخيرة فيديو آخر لتطبيع رياضي أردني – إسرائيلي تمثل بمشاركة أردنيين في بطولة كرة سلة في الكيان الصهيوني الصيف الفائت. بالمقابل، تم قمع اعتصام تضامني مع الأسير البطل محمد القيق على رصيف مسجد الكالوتي في عمان مساء يوم الخميس 18 شباط 2016، وتم اعتقال اثنين من المشاركين فيه هما المهندس رامي سحويل ومهدي صالح والد أصغر أسير أردني في سجون العدو الصهيوني، وتمّ الإفراج عنهما بكفالة في وقت متأخر من ليلة الخميس، على أن يعودا لمراجعة محافظ العاصمة صبيحة الأحد، حيث فُرض عليهما توقيع تعهد بقيمة 20 ألف دينار أردني…
إذن الترويج للتطبيع، وفرضه فرضاً، بالتوازي مع قمع مقاومي التطبيع ومنع فعالياتهم، والتضييق على كل الوطنيين، بات سياقه أكثر وضوحاً في الأردن: تصاعد دور الأردن الرسمي كمعبر وجسر جغرافي – سياسي للتحالف بين الكيان الصهيوني والأنظمة العربية المعتدلة . إنه مشروع صهينة الأردن عُرفياً.