زبيب لـ«البناء»: «فينيسيا» إنجاز أكاديمي متميزّ وفريد في الجنوب نتبع أحدث أساليب التعليم الجامعي… وطموحنا العالمية
إنعام خرّوبي
من بوابة الجنوب ندخل إلى الفضاء الأرحب والأوسع، وإلى عالم مترامي الأطراف، يحملنا حبّنا للحرف وشدّة عشقنا لانتمائنا لدوره ومدارسه. في البحر مخروا عباب المجهول وتحدّوا أمواج الصعاب والمشقات العاتية، في البرّ يكدُّون ويجدّون ويسعون، في الجو كانوا طيور النورس يسافرون في الريح طلباً للعلم ولو في الصين، في أعينهم تشرق شمس الصبّاح لتنير الدرب، فلا تعرف التعب ولا النعاس ولا المغيب.
هوذا حال الجنوبيين في لبنان. لعقود طويلة، كان التعليم في قرى الجنوب ودساكره يقتصر على «ختم الحرفية» وتجويد القرآن الكريم. زادهم بؤساً وحرماناً عدوان صهيوني متكرّر على أرضهم ورزقهم وعيالهم. ارتكب في حقهم أبشع المجازر فتحوّلت أيامهم معه إلى جحيم ودمار ودموع.
على الضفة الأخرى، دولة لا يرفّ لها جفن، لا تسأل عن رعيتها. تركتهم لمصيرهم، للقمة عيش مغمّسة بالدم في داهية من القهر والذلّ واليأس. يضمّدون الجرح بالجرح مغيّبين عن كلّ الجمهوريات المتعاقبة منذ الاستقلال المزعوم، لا تعير اهتماماً لحدودها وأهلها وناسها، ولا تعرف لنصرتهم طريقاً ولا سبيلا. هم أهل الأرض وملح التراب إلى أن بدأت رحلة المتاعب، رحلة الهجرة إلى كلّ أصقاع الأرض بحثاً عن العيش الكريم وعن العلم والمعرفة، وبدأت معها مقاومة المظلوم لجلاديه. وكان الانتصار… فانبرت قيادات عاملية مخلصة قوية تحمل على عاتقها عبء الجنوب وهمومه لتعزيز صمود الإنسان في أرضه تحت عنوان «التحرير والتنمية». فأنشأت المدارس، تعزيزاً للدور التربوي في كلّ قرى الجنوب بلا استثناء، إضافة إلى المهنيات الشاملة لكلّ الاختصاصات. فها هي الصرفند، تلك القرية الوادعة على ضفاف المتوسط شاهدة على هذه النهضة الإنمائية الوطنية المتميّزة من خلال العيون الساهرة على مستقبل أبناء الجنوب وكلّ لبنان، حيث أُنشئت الصروح التعليمية المختلفة ملبّية بذلك طموح وتطلعات الأجيال الصاعدة في مختلف ميادين المعرفة والعلوم. وها هي «فينيسيا» ترتفع في الصرفند صرحاً جامعياً رائداً بأساتذتها والقيّمين عليها والمسؤولين والإداريين، وشعلة مضيئة في قمة الرقي والتقدّم تعيد الأمل وتحقق رغبات التوّاقين لغد أفضل في كلّ المجالات المعرفية المتطوّرة.
ويشير رئيس الجامعة الدكتور عماد زبيب في حديث لـ»البناء» إلى أنّ إطلاق اسم «فينيسيا» يعود إلى طائر الفينيق المعروف في منطقتنا الذي ينهض من الرماد ويتغيّر ويتجدّد مع الوقت، و»بالتالي يرمز الاسم إلى التجدّد الدائم في برامج جامعتنا ونظامها التعليمي، مستفيدة طبعاً من التطوّر التكنولوجي المتسارع في العالم». ويضيف: «إنّ أيّ مشروع أكاديمي يسعى إلى النجاح ومواكبة التطوّر، لا تكون برامجه ثابتة لا تتغيّر، فنحن مع التغيير والتطور الدائم، خصوصاً أننا نشهد تطوّرات متسارعة في الحقل الأكاديمي، وبشكل يومي أحياناً، وإذا لم نواكب هذه المتغيّرات لن نستطيع أن نتميّز في هذا المجال. إنّ ما يميّز فينيسيا عن غيرها من الجامعات، ليس الاختصاصات المتنوّعة المتوفرة فيها فقط، بل أسلوب التعليم الذي نعمل على تطويره من فصل إلى فصل وعاماً بعد عام».
تقع جامعة «فينيسيا» PU في بلدة الصرفند ـ منطقة الزهراني، على بعد 40 دقيقة من مطار بيروت الدولي، وهي جامعة خاصة غير هادفة إلى الربح. وعن اختيار هذه المنطقة تحديداً، يقول زبيب: «قبل تأسيس الجامعة قمنا بدراسة حاجات منطقة الجنوب، فلاحظنا أنّ هناك فروعاً لجامعات ولكن ليست هناك جامعة تتوفر فيها كلّ الاختصاصات المطلوبة، كما أنّ هناك نقصاً في الجامعات التي تتمتع بجودة تعليم عالية. وجدنا أنّ هناك حاجة إلى صرح جامعي كبير باختصاصات شاملة تلبّي حاجات سوق العمل وتواكبه بجودة عالية. جامعة تتبع النظام التعليمي الأميركي بكلفة معقولة جداً، فهناك جامعات عديدة وعريقة في لبنان وتتميّز بالتعليم ذي الجودة العالية لكنّ أقساطها مرتفعة جداً لا تستطيع تحمّلها إلا نسبة محدّدة من الناس. من جهة أخرى، فإنّ البعد الجغرافي عامل مساعد بحيث يستطيع ابن منطقة الجنوب أن يتلقى تعليماً، وفق النظام الأميركي، بالمستوى الذي تقدّمه بقية الجامعات المعروفة في هذا المجال، من دون أن يتكبّد مصاريف أخرى في العاصمة أو غيرها من المدن، خصوصاً على صعيد السكن. العامل المهمّ الآخر هو الوضع الأمني الحساس الذي يشهده لبنان منذ فترة، وهذا ما يجعل ذوي الطلاب يفضّلون الجامعات التي تتيح لأبنائهم أن يكونوا أقرب إلى أماكن سكنهم. لكنّ، ذلك لا يعني أنّ الجامعة هي فقط لأبناء الجنوب ونحن نسعى إلى جعلها جامعة إقليمية، وفي وقت قريب ستصبح جامعة عالمية».
الكليّات والاختصاصات
حصلت جامعة «فينيسيا» على ترخيص من وزارة التربية عام 2012 بإنشاء ستّ كليات تتضمّن 17 اختصاصاً، وافتتحت في أيلول عام 2015 وبدأت التدريس في خمس كليات هي:
ـ كلية الهندسة وتتوفر فيها اختصاصات: هندسة البترول، هندسة الميكانيك، هندسة الكهرباء، هندسة الكومبيوتر، وهندسة الاتصالات.
ـ كلية إدارة الأعمال وتتوفر فيها اختصاصات: إدارة الموارد البشرية، التسويق، المحاسبة، التمويل، الإدارة الاستراتيجية، ريادة الأعمال وغيرها.
ـ كلية الحقوق والعلوم السياسية: معظم مواد هذه الكلية باللغة الإنكليزية، ولكن هناك سبع مواد باللغة العربية، كشرط تفرضه نقابة المحامين لكي يتمكن الطلاب من الانتساب إليها ومن ممارسة العمل في المجال القانوني. وفي هذا الإطار، يشير زبيب إلى أنّ الجامعة «على تواصل دائم مع النقابات من أجل تسهيل الأمور المهنية للطلاب، لكي يكون هناك توافق بين شروط الانتساب لتلك النقابات وبرامجنا التعليمية».
ـ كلية الآداب والعلوم وأبرز الاختصاصات: الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، علم الأحياء، الإعلام، دبلومات التعليم.
ـ كلية الصحة العامة: تتوفر فيها اختصاصات التغذية، وتقويم النطق speech therapy، ويلفت زبيب إلى أنّ هذا الاختصاص يشهد إقبالاً واسعاً، وأنه سيتمّ إدخال اختصاصات أخرى مثل العلاج الفيزيائي Physiotherapy والعلاج الانشغالي Occupational therapy .
ـ أما الكلية السادسة التي سيبدأ التدريس فيها في شهر أيلول المقبل فهي كلية الهندسة المعمارية والتي تتوفر فيها اختصاصات: الهندسة المعمارية، الهندسة الداخلية، وهندسة الغرافيك.
ويؤكد رئيس جامعة «فينيسيا» أنّ الجامعة «تعمل على تطوير البرامج والمناهج التعليمية بشكل دائم، بناء على اقتراحات الأساتذة وعمداء الكليات وبالتشاور معهم».
أسلوب تعليم مختلف
تراعي جامعة «فينيسيا» آخر ما توصلت إليه أساليب التعليم الجامعي في لبنان والعالم، ويؤكد زبيب، في هذا السياق، «أنّ التعليم بالطرق التقليدية مملّ وغير مُجدٍ ولا يساهم في إيصال وترسيخ الفكرة المُراد إيصالها إلى الطالب». ويقول: «هناك مفهوم عام يشرحه الأستاذ المحاضر على الصعيد النظري، لكنّ الجانب الآخر من التعليم يجب أن يتضمّن حالات عملية يتمّ تقديمها وتمثيلها. ففي كلية الحقوق مثلاً، يتمّ تقديم الحالة العملية وتمثيلها وهناك من يأخذ دور القاضي ومن يأخذ دور المتهم إلخ، وفي كلية إدارة الأعمال يتمّ تقديم حالات عملية بعد شرح المفاهيم، والأمر نفسه ينسحب على باقي الكليات، وهنا أودّ أن أُشير إلى أمر مهمّ يتعلق باختيار الأساتذة وهو أننا نشترط أن تكون لديهم خبرة عملية وليس أكاديمية فقط. كما أننا نتبع أسلوب الإشراف الدائم على الصفوف، بحيث يتمّ إعطاء المحاضرات والدروس في حضور العمداء في الكلية، وهذه المراقبة تفتح المجال أمامنا للتطوير الذي تحدّثنا عنه ونسعى إليه بالنسبة إلى المناهج فندرس تفاصيل الأمور التي هي في حاجة إلى التطوير ونعاينها عن كثب».
وأكد أنّ أبواب المسؤولين في الجامعة، خصوصاً العمداء ورئيس الجامعة، «مفتوحة لجميع الطلاب فليست هناك بيروقراطية في التعاطي معهم وبإمكان الطالب في حال واجه مشكلة معيّنة أن يراجع عميد الكلية وإذا لزم الأمر بإمكانه مراجعتي كرئيس للجامعة. هذا الأسلوب سينعكس حتماً على شخصية الطالب بحيث يصبح معتاداً على التعاطي بطريقة متوازنة مع زملائه ورؤسائه في ما بعد في أيّ مجال يعمل فيه».
شروط القبول
وحول كيفية اختيار الطلاب، لا سيما أنه العام الأول للجامعة، كشف زبيب أنّ حوالى 1200 طالب تقدّموا بطلبات لكنّ الجامعة اختارت من بينهم 450 طالباً، أيّ أقلّ من 40 في المئة من نسبة المتقدّمين. وقال: «نحن نعتمد في شكل كبير على مستوى اللغة الإنكليزية لدى الطلاب، بالإضافة إلى العلامات في المواد الأساسية المتعلقة مباشرة بالاختصاص، ولكي نتجنّب مشكلة اختيار الطالب الاختصاص الغير مناسب لعلاماته وشخصيته وحاجة سوق العمل، نقوم بتقديم الاستشارة له في هذا المجال. وقبل ذلك كله نتواصل مع مدراء المدارس لتوجيه الطلاب نحو الاختصاص المناسب حتى ولو كانوا يريدون متابعة دراستهم في جامعة أخرى، كما أننا نقدّم لهم معلومات عن جامعتنا والاختصاصات المتوفرة».
وأضاف: «بعض الطلاب يواجهون مشكلة تتعلق بمستوى اللغة الإنكليزية، فإذا كان مستوى اللغة وسط يدرس الطالب بعض المواد الأكاديمية، بالإضافة إلى دورات في اللغة الإنكليزية في الفصلين الأولين عادة. أما من تكون لغته فرنسية أو مستوى لغته الإنكليزية أقلّ من وسط، فأمامه سنة تحضيرية، خصوصاً أنّ اللغة الإنكليزية مهمة وأساسية وهناك توجه عالمي نحوها، كما أنّ مهارات الاتصال أساسية جداً في أيّ مقابلة عمل. من جهة أخرى نحن نشجع المدارس التي نقوم بزيارتها على إيلاء اللغة الإنكليزية الاهتمام اللازم لكي يتمكن الطالب من مباشرة الاختصاص المطلوب فوراً».
الأقساط الجامعية والمساعدات المالية
أما بالنسبة إلى الأقساط والمساعدات المالية، فقد أكد رئيس جامعة «فينيسيا» أنّها مدروسة جداً، وأوضح أنّ سعر كلّ credit يختلف بحسب الاختصاص، ويتراوح بين 180 و220 ، ويتراوح القسط في السنة ما بين 5800 إلى 7500 ، ولكن هناك ما يسمّى Financial aid، أيّ عندما يتمّ قبول الطالب يحقّ له تقديم طلب مساعدة مالية، وهناك لجنة تقوم بدراسة هذه الطلبات التي تتضمّن أسئلة حول الوضع المادي للعائلة، المدخول والمصروف، وإذا كانت المعلومات غير واضحة أو غير كافية نرسل فريقاً للتحقق منها، لتبتّ بها لجنة متخصِّصة في ما بعد، ليحصل كلّ طالب على مساعدة، بحسب وضعه وتتراوح بين 10 و 40 في المئة وهذا يخفِّف من العبء الكبير على الطالب والأهل».
وأضاف: «هناك أيضاً ما يسمّى «Scholar ship» تعتمد على العلامات وتمنح للطلاب المتفوّقين في كلّ كلية. كما أننا منحنا المتفوّقين في امتحانات الثانوية العامة عام 2015 «Scholar ship» وصلت نسبتها إلى 100 في المئة».
الهيئة التعليمية
يعتمد نجاح أيّ مؤسسة تعليمية على مجموعة مقوّمات أساسية وأهمّها الهيئة التعليمية، وتضمّ جامعة «فينيسيا» أساتذة من حملة الدكتوراه من جامعات كبيرة ومرموقة في أميركا وكندا وأوروبا وأستراليا. ويلفت زبيب إلى «أنّ هؤلاء الأساتذة تخرّجوا من تلك الجامعات ودرّسوا فيها وساهموا في تطوير برامجها». ويضيف: «على صعيد العمداء وما فوق، ركزنا على ضرورة أن تكون لديهم خبرة كبيرة في إدارة المؤسسات التعليمية وليس فقط خبرة أكاديمية. وأغلب العمداء لدينا كانوا من المستشارين لكبرى الشركات ودرّسوا في الجامعة الأميركية AUB ، وأنا أحدهم، واللبنانية ـ الأميركية LAU في بيروت، ومنهم من لا يزال حتى يومنا هذا في إحدى الجامعتين، بالإضافة إلى كونه من أفراد هيئتنا التعليمية».
وعن التسهيلات التي تقدّمها الجامعة للأساتذة، أكد زبيب «أنّ الجامعة توفر رواتب مشجعة وتؤمّن للأساتذة السكن ووسائل النقل والتأمينات الاجتماعية، كما ندعم الأبحاث التي يقومون بها والتي تؤدّي إلى تطوير قدراتهم، وتصبّ بالتالي في مصلحة تطوير الجامعة ومناهجها التعليمية».
العمل السياسي غير مسموح
وإذ أكد الدكتور عماد زبيب «أنّ الجامعة لا تتبع لأيّ فريق سياسي أو طائفي، والكادر التعليمي والوظيفي والطلاب من كلّ الطوائف، وهذا يعطي غنى للجامعة، وأنّ لكلّ طالب الحق في اعتناق أيّ فكر سياسي أو أن يتناقش في السياسة مع زملائه، شدّد على أنّ العمل السياسي كالانتخابات الطلابية وغير ذلك غير مسموح لأنّ وضع البلد حساس جداً ولا نريد أن تصبح الجامعة ساحة للصراعات السياسية الموجودة في البلد، الأمر الذي يسيء إلى رسالة الجامعة ودورها».