عملية «الويمبي» النوعية وبطلها العملاق القومي خالد علوان
عباس الجمعة
كان الزمن زمن صمود ونضال ومقاومة، صمدت الحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية ثلاثة أشهر في مواجهة العدو الصهيوني في عاصمة المقاومة بيروت، وبعد خروج الثورة الفلسطينية من بيروت، بعد غزو العدو الصهيوني معظم الأراضي اللبنانية، وصولاً إلى العاصمة بيروت، اعتقد البعض أنّ الأمر قد حسم، وأنّ الأوان قد آن لبدء حملة الترويج والتسويق لمصطلحات التطبيع والواقعية ولثقافة الهزيمة والاستسلام والصلح مع العدو.
وامام كلّ ذلك كانت انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، على اثر اجتياح العدو الصهيوني لبيروت وارتكابه لأفظع مجزرة في تاريخ العصر، فكان الردّ على ايدي مناضلين ثوريين أرادوا ان يقولوا للعالم انّ الأمة تختزن في ذاتها مكامن القوة التي حين تفعل تغيّر وجه التاريخ، وكان الردّ الحتمي على المجزرة في الرابع والعشرين من أيلول 1982، خرج العملاق القومي، ابن بيروت العربية خالد علوان، وسار في شارع الحمرا، وصولاً إلى مقهى «الويمبي» وهناك في وسط المقهى وعلى مرأى الناس شهر سلاحه وأفرغ رصاصاته في رؤوس وصدور ضباط وجنود العدو الصهيوني الذين توهّموا انّ بإمكانهم التسكع كما يحلو لهم في شوارع بيروت، وهي رصاصات سجلها التاريخ في صفحاته الناصعة البيضاء.
لقد شكلت رصاصات خالد في شارع الحمرا، امام مقهى «الويمبي»، ورصاصات صيدلية بسترس في محلة الصنائع، صفحات مشرقة، حيث كانت تتويجاً لانطلاقة المقاومة وإيذاناً ببدء عملياتها التي ترمي إلى دحر الاحتلال عن العاصمة بيروت، وعلى قاعدة أنّ زمن الهزائم قد ولىّ، وأنّ التأريخ لزمن الانتصارات قد بدأ.
من هنا كانت عملية «الويمبي» امتداداً لعمليات سبقتها وفاتحة عمليات تلتها، حتى اندحر الاحتلال من العاصمة بيروت في 29 أيلول 1982، هذه العملية أكدت على شرارة وشعلة النضال والشعور القومي والوطني عند كلّ المناضلين اللبنانيين والفلسطينين والعرب، حيث أصبحت شعلة مضيئة في سماء الوطن العربي، شعلة فجرت مقاومة، وأثمرت عمليات بطولية واستشهادية، وعززت شعوراً قومياً، وأفسحت في المجال لأن يسكن الوعي إلى كلّ وطني مناضل مؤمن بوحدة هذه الأمة، وأثبتت هذه العملية أنّ العدو لا يفهم إلا لغة واحدة وهي لغة القوة والمقاومة الكفيلة بتحرير ما تبقى من أراض مغتصبة إنْ كان في فلسطين، أو في أيّ جزء من أجزاء الأمة.
ولذلك نقول انّ خالد علوان كتب صفحة من المجد والبطولة قال فيها انّ بيروت العاصمة الأبية لم تنم على جرح التخاذل العربي، ومن قلبها النابض أطلقت رصاصة الكرامة على العدو الصهيوني لتؤذن بولادة مقاومة لم تضيّع البوصلة، بل حملت البندقية في وجه المحتلّ، الذي قيل إنّ جيشه لا يُقهر، فرأيناه يتقهقر وينسحب مهزوماً من معظم الأراضي اللبنانية.
ونحن اليوم أمام ذكرى عملية «الويمبي» وتحرير بيروت، نستلهم الذكرى ونستعيدها، لأننا ما زلنا في حالة صراع مفتوح، ونضال مستمرّ، وصيرورة تاريخية في مواجهة المعتدي، وليس مستغرباً أن يظهر على هامش هذه الصيرورة النضالية من يعبث بالحق الفلسطيني بصرف النظر عن الأسماء والمسمّيات، وكلّ محاولة للعبث بهذه الحقوق الوطنية عن وعي أو بدون وعي هي بمثابة كوابح سياسية وعملية لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني، وعليه فإنّ من غير المسموح لأيّ جهة ان تنتقص من الحق الفلسطيني، ونحن نرى بأنّ انتفاضة باسلة يقودها شباب وشابات فلسطين ويرسمون بدمائهم طريق الحرية والاستقلال والعودة، متمسكين بكافة الحقوق والثوابت، وهم يمضون على طريق خالد علوان.
وامام عظمة الشهيد خالد علوان ابن مدرسة سعاده والحزب السوري القومي الاجتماعي، نقول انّ علينا التمسك بخيار الشهداء والمناضلين والمقاومين الذي هو أشبه بعملية اجتراح حقيقي لكلام لا يشبه أيّ كلام، لأنّ من حق هؤلاء علينا ان نتحدث عنهم وان نوزع سجلهم الخالد على الأجيال، وحتى تبقى عملية رصيف «الويمبي» في الذاكرة، التاريخ والتراث العربي والعالمي
وفي ظلّ هذه الظروف التي تعيشها المنطقة نتيجة أكبر هجمة امبريالية استعمارية صهيونية إرهابية تستهدف قوى المقاومة، وفي ظلّ ما تتعرّض له القضية الفلسطينية من هجمة عدوانية ومشاريع تآمرية، وأمام حالة اهتزاز الوحدة الوطنية الفلسطينية وحالة الانقسام الفلسطيني، وأمام تدخل الرباعية العربية في الشأن الفلسطيني مستفيدة من حالة انهيار الوضع العربي الرسمي وتراجع مكانة القضية الفلسطينية عن الساحة العربية، وقد نجم ذلك عن انشغال العرب بجملة من القضايا الجانبية التي أريد بإشعالها حرف انتباههم عن قضيتهم المركزية الأولى، القضية الفلسطينية، أعلم أنه من الصعب تغطية الأحداث اليومية التي تزدحم فيها وتتلاحق حياة الفلسطينيين، هذا على افتراض أنّ الوضع العربي ليس فيه ما يستحق الملاحقة.
في ظلّ كلّ هذه الاعتبارات قرّر شابات وشباب فلسطين انتزاع زمام المبادرة والقيام بالدور المطلوب في إبقاء جذوة الثورة والقضية الوطنية مشتعلة، حيث جدّدت الانتفاضة الفلسطينية من خلال مواصلتها على مدار عام، أنّ العمق القومي لهذا الصراع سيظلّ قائماً ومطلوباً وضرورياً، فالعدو الصهيوني لا يهدّد الشعب الفلسطيني وحده، ومهمة دحر المشروع الصهيوني لن تكون مهمة الشعب الفلسطيني وحده، ومستقبل النضال في سبيل التحرّر والتقدم والوحدة سوف يجمع الشعب الفلسطيني إلى جانب الشعوب العربية الأخرى في بوتقة واحدة، ومن هنا نرى انّ الشعب الفلسطيني، وفي مختلف أماكن تواجده، يملك من الإمكانات والإرادة والتصميم والشجاعة والكفاءات المتنوعة، ما يجعله قادراً على مواجهة التحديات، والاستمرار في مسيرة الكفاح حتى تحقيق الحرية والاستقلال والعودة، الأمر الذي ينسجم فعلياً مع مصالح وطموحات وتضحيات هذا الشعب المناضل والعنيد.
ختاماً: لا بدّ من القول انّ الشهيد البطل المقاوم خالد علوان سيبقى عنواناً لشعلة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي بعثت روح النضال والكفاح ويجب ان يكون يوم الشهيد خالد علوان، يوماً وطنياً في مسيرة المقاومة التي حققت انتصارات مجيدة، وكانت الهزيمة الصهيونية في العام 2000 أحد أبرز محطاتها، كذلك فإنّ الفشل الصهيوني الأميركي المغطى بالتواطؤ العربي «المعتدل» في تموز 2006، هذه الانتصارات تشكل صفحة ناصعة من التاريخ اللبناني والعربي، وصفحة ناصعة أمام انتفاضة فلسطين التي تشكل اليوم صفحة مجد وبطولة وعنفوان مع مواصلة نضال الحركة الأسيرة المناضلة، بهذا كله نرى عناوين المرحلة النضالية، من أجل تحرير الأرض والإنسان.
كاتب سياسي