فرنجية للداخلية نصف التوافق
ناصر قنديل
ـ إذا كان التزام رئيس الجمهورية بمعادلتَيْ إجراء الانتخابات في موعدها ووفقاً لقانون جديد في خطاب القَسَم قد تكفل بتبديد أغلب الهواجس التي رافقت التفاهم بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل وفتحت طريق إنجاز الاستحقاق الرئاسي بقبول الرئيس سعد الحريري السير بالعماد ميشال عون ممراً إلزامياً لرئاسة الجمهورية، ففتح رئيس الجمهورية بهذا الالتزام الطريق لتولي الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة الجديدة، بنسبة عالية من التوافق والأيدي الممدودة، فإنّ التأكيد على أنّ المهمة الرئيسية للحكومة الأولى للعهد ستكون وضع قانون جديد للانتخابات النيابية، والذهاب إلى الانتخابات على أساسه، يجب أن يطبع شكل الحكومة وتكوينها من جهة، ويستكمل ما أنجزه رئيس الجمهورية لطي صفحة خلافات ما قبل الانتخابات الرئاسية من جهة أخرى.
ـ يُفترض من باب الوفاء والأصول واللياقات برئيس الحكومة سعد الحريري أن يشكل إسناد وزارة الداخلية في الحكومة، طلباً أخلاقياً يتقدّم به الرئيس المكلف من رئيس الجمهورية، من باب أنّ سير الحريري بالعماد عون لرئاسة الجمهورية ترتّب عليه التخلّي عن ترشيح فرنجية الذي كان ورطة لفرنجية تصدّعت بسببها علاقات وتحالفات كثيرة، ومنها علاقة فرنجية برئيس الجمهورية، وطالما لم تتمّ أيّ عملية ترميم للصدوع المرافقة لمسار المعركة الرئاسية قبل حسمها، فإنّ تشكيل الحكومة مناسبة لتلتئم الجراحات وتطوى الصفحات، كيف وأنّ الرئيس نبيه بري قد سلّف الحريري ديناً كبيراً، وهو يقول إنه مدين له بتوصيف يجمع المجاز والتورية والطباق والجناس. والرئيس الحريري يعلم أنّ مشاركة الرئيس بري في الحكومة المكلفة بإنجاز قانون انتخابات وإجراء الانتخابات مشروط على العتبة بمبدأ أخلاقي هو عدم التخلي عن فرنجية، والدخول معاً، وقد جعله الرئيس بري عنوان تصويته المخالف في الانتخابات الرئاسية، وليس الرئيس بري مَن يبيع حليفاً، والمنصب الوزاري الذي يمكن أن يشكل فرقاً ويطوي صفحة هو المنصب السيادي الأول في الحكومة في الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس ميشال عون والنائب فرنجية، وقبول الرئيس بالتخلي عن هذا المنصب لفرنجية هو خير رسالة يوجّهها الرئيس للمّ الشمل من جهة، ولتأكيد أنّ التفاهم الذي ربطه مع القوات اللبنانية، ولاحقاً ربط تياره وتيار الرئيس الحريري والقوات، لا يتضمّن تقاسماً مسبقاً للمقاعد الوزارية المسيحية بين التيار الوطني الحر والقوات.
ـ الجهد الذي بذله حزب الله لفتح طريق أحادي للرئاسة هو طريق يوصل العماد ميشال عون إلى بعبدا، وتّرتب عليه أكثر من الاتهامات التي تحمّلها حزب الله، التصدّع في بيئة تحالفاته الاستراتيجية، وأهمّها التحالف مع فرنجية، ما يجعل مبادرة رئيس الجمهورية لتكريم فرنجية رسالة وفاء بالنيابة عن حزب الله لفرنجية، ورسالة وفاء من الرئيس لحزب الله. وهذه المبادرة بحقيبة سيادية ترتبط بمهمة سياسية تحتاج تقديم التطمينات من الرئيسين عون والحريري لمخالفيهم وعلى رأسهم الرئيس بري بأن لا تفاهمات تطال مستقبل الانتخابات ولا قانون الانتخابات ولا موعد إجرائها، وليس أكثر من إسناد وزارة الداخلية لفرنجية يحقق هذا الهدف.
ـ فرنجية للداخلية مشهد عرس وطني يكتمل، بعد مشهد تسمية الرئيس بري للرئيس الحريري لتشكيل الحكومة، وقبله تصويت القوميين والبعث للرئيس عون، بحيث لم يبق أحد خارج التوافق الذي يفترض أن تشكل الحكومة إطاره السياسي، ولو توسّعت مقاعدها لتشمل أوسع ألوان الطيف السياسي الذي تمثل في مجلس النواب وفي هيئة الحوار الوطني، لتكون مرحلة الإقلاع بتشكيل الحكومة سريعة ولا تستدعي تفاهماً مسبقاً على تفاصيل قانون الانتخاب أو على التفاصيل الإجرائية المتصلة بها. فضمانات الرئيسين عون والحريري هي بحتمية موافقتهما وتوقيعهما أيّ مشروع قانون انتخابي وأيّ قرار يتصل بالانتخابات. وربما تكون ضمانة الرئيس بري متحققة بإسناد وزارة المالية لمن يسمّيه لهذه الحقيبة إحياء لما اتفق عليه في الطائف، بجعل هذه الحقيبة للطائفة الشيعية كضمان للشراكة في السلطة التنفيذية، عبر حتمية توقيع وزير المالية على جميع المراسيم، لتصير تسمية فرنجية وزيراً للداخلية ضماناً للجميع وإكمالاً لعقد التوافق.