الحريري ينتعش شعبياً وانتخابياً من اللحظة الأولى: «أنا الزعيم»
روزانا رمّال
بدأت الاحتفالات التي عاشتها بيروت بالأمس وتهافت المهنئين اليوم إلى السراي الحكومي تشي بمرحلة جديدة مقبلة على زعيم المستقبل الرئيس سعد الحريري الذي بدا وكأنه يعيش لحظات من زهوة انتصار ظنّها لن تعود لولا بعض الحسابات الإقليمية التي لعبت دوراً كبيراً في إعادة تسميته رئيساً للوزراء.
السراي الحكومي الذي اهتمّ الراحل رفيق الحريري بتصميمه المميّز واعتنى بأدقّ تفاصيله فتح أبوابه اليوم لابنه الذي توجه قبل دخوله الى زيارة ضريحه، فالحريري اليوم يخطو اولى خطوات رفيق الحريري الأب نحو التوافق والمصالحات المحلية والوطنية، يقول الحريري لدى استقباله المهنئين «ما حدا يقول ما منحكي مع هالطرف وهالطرف. خلّصونا بقا كلنا بدنا نحكي مع بعض»، بادرة جميلة من الحريري وموقف متوازن.
الحريري اليوم يتحدّث بلسان آخر، ليست هي هذه المرحلة التي كان يقول فيها لن نشارك حزب الله في الحكومة، ليس هو ذاته الحريري الذي ذهب خارج البلاد وعاش سنوات لشكوكه بأنّ هناك من يريد استهدافه، يتجوّل الحريري اليوم بكلّ أشكال الارتياح ويتحلّى بشجاعة مطلقة في التصريحات والمواقف من دون أن يعطي الكثير من الأهمية للتهديدات الأمنية، وهذا مؤشر مهمّ جداً على أنّ الأوضاع تغيّرت أمنياً أيضاً. كلّ هذا يتكفل بإيضاح جزء اساسي من المسؤوليات التي تقع على كاهل الحريري ولكن! يبقى الجزء الأهمّ هو ميزان الأرض التي لطالما أقلقت الحريري منذ ان ظهر الوزير المستقيل أشرف ريفي كخصم لدود.
لن ينسى الحريري «فضل» ريفي في دفعه نحو قبول تسهيل المشاركة مع الآخر والتنازل، فالزعامة السنية البديلة تكاد تكون حاضرة في لحظة «سهو» من آل الحريري يخشى أن تتحوّل واقعاً يخسر هذا البيت معها كلّ شيء كان قد بناه الحريري الأب بسحر ساحر.
منذ لحظة إعلان تكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة لملم الحريري قاعدته الشعبية المبعثرة واستردّ الطبقة الرمادية التي لم تكن تعرف أين ستصطفّ في المرحلة المقبلة سنياً، عادت الشوارع تمتلئ بالعبارات المهللة بالرئيس الأوحد والزعيم الأقدر والأخ الأوفى سعد الحريري الشاب الذي استقطب فئة وازنة من الشباب اليوم يشعر بأنه يعيد بناء ما تصدّع ويشعر أيضاً أنه في طريقه لاسترداد ما فقده من شعبية.
المعلومات أشارت منذ أيام إلى أنّ الحريري وعد بدفع مستحقات العاملين في مؤسساته قريباً وقد حدّد جدولاً واضحاً للدفع بين قيمة واعداد بدت الأكثر جدية منذ أن أعلن «إفلاسه» أو عجزه عن دفع ما يتوجب عليه للعاملين في مؤسساته، السؤال من أين للحريري بالمال؟ هل هو من جهة إقليمية دعمته فسارعت لإثبات أنه لا يزال الاسم المعتمد لديها في لبنان؟ في الواقع لا يمكن الاستهانة بوصول الحريري إلى ما وصل إليه، نعم إنّ إعادة تكليفه وحده اعتماد يوضع بين يدي الحكومات الخليجية التي تخلّت عنه في لحظة «شرود».
وعد الحريري بدفع المال هو جزء من إعادة ترميم ما تصدّع مع تياره، وهو جزء أيضاً من عمل انتخابي مقبل يعمل عليه الحريري من اليوم الأول لتكليفه، ليس مهماً من أين سيأتي بالمال، الأهمّ أنه وجد مخارج لكلّ شيء، ربما يريد إيفاء ديونه الشعبية بعدما عجز عن الإيفاء بديونه سياسياً. الكلّ يسامح الحريري اليوم لا بأس. فـ «الاعتدال السني» مطلوب.
استفاد الحريري كثيراً من موجة الإرهاب والتطرف التي عاثت فساداً بالمنطقة، ربما لا يكون قد انتهج سياسة معتدلة فعلاً إلا أنه بدا بين الأسوأ «سيئاً» فتمسكت الأطراف به، لا يخفى على حزب الله وحلفائه ما قام به الحريري بالسنوات الماضية مع فريقه إعلامياً وأمنياً على الساحة المحلية لضرب كلّ ما له علاقة بسورية، ولا يُخفى أيضاً ان لفريق الحريري ملفات امنية غير مشجعة على فتح صفحة جديدة، كما قال هو وكلّ الاطراف الاخرى، لكنه جاء بشبه إجماع، وفي هذا نيات تعاون واضحة من الطرف الآخر، وليس من الحريري الذي لم يكن قادراً على تخطي الكثير من المصاعب لولا «يد خفية» مدّت إليه.
كان الراحل رفيق الحريري، حسبما قالت مصادر مقرّبة منه لـ «البناء»، يفضّل خوض الانتخابات النيابية وهو في مركز القرار وليس خارجه كان يقول إنّ «هالة» رئاسة الوزراء قادرة على التأثير على الناخب ايضاً، وهذا شيء طبيعي فالناس تحب دائماً «القوي». يدرك سعد الحريري كلام والده جيداً ويعرف أنها حكومة انتخابات بامتياز، لحظة واحدة من إعلانه رئيساً مكلفاً كانت كفيلة لقلب الشارع السني واسترداد ما خسره مقابل صوت التطرف الذي علا في طرابلس. نجحت الانتخابات البلدية في أن تكون اختباراً ممتازاً لشعبية الحريري ولقرارات الحريري ايضاً. وها هو اليوم في طريقه لتوسيع دائرة شعبيته لتتخطى تيار المستقبل إذا تمسك بمواقف الوحدة الوطنية وحكومة الوفاق الوطني. وهذا رهن خياراته مستقبلاً.
الحريري يعود زعيماً لا ينازعه أحد على المركز الأول في الطائفة السنية… وبشبه إجماع وطني…