بعد فوز ترامب أوروبا قلقة من عودة «الشعبوية»
روزانا رمّال
عندما تتحدث الأروقة السياسية في ألمانيا عن «كابوس» عليها أن تتعاون معه في المرحلة المقبلة، فإنها تتحدّث عن معضلة تنتظر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تحتاج سبيلاً لفكها، فالتعامل مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب لن يكون عادياً.
تؤكد الأوساط الإعلامية في ألمانيا أنّ الصدمة لا تزال على وجوه كثيرين. لم يتوقّعوا هذه النتيجة التي أسّست لقلق كبير، فالمخاوف اليوم تتمحور حول عودة النَّفَس الشعبوي. وهو النفس الذي يحارب المستشارة الألمانية منذ فترة والطبقة السياسية الحاكمة في برلين، وهي مخاوف قد تضع شكل الحكم في أوروبا في دائرة الخطر، لأنّ ترامب سيكون «ملهماً» لباقي شعوب العالم لكي يتوجّهوا نحو كلّ النماذج لكسر المحظور في أهل السلطة، المهمّ أن يخاطب المرشح الشعب ويبتعد عن الاصطفاف خلف تنميق الطبقات المعهودة.
تتخوّف برلين من أن تنتشر ظاهرة ترامب كالنار بالهشيم في اوروبا، والاتحاد الأوروبي يسارع للتوقف عند الظاهرة التي غيّرت من هوية المجتمع الغربي السياسي منذ لحظة الإعلان عن فوز ترامب، والذي وصف «بالصدمة»، فيطلب الاتحاد من الأوروبيين التوجه أكثر نحو «أوروبا» فهل يقصد نحو الانعزالية أو نحو «التوحّد» لحماية أوروبا من الظاهرة؟
يتّهم ترامب بأنه أحد أبرز مظاهر «الانعزالية» فهو لا يهتمّ كثيراً للشعوب الباقية حوله يتطلّع فقط نحو كلّ ما يصبّ في خانة مصلحة أميركا العليا.. ربما يكون هذا شيئاً جيداً فبعض «الانعزالية» الأميركية يحتاجها الشرق الأوسط عبر الابتعاد عن «التوسعية» التي ربما تنعاها الولايات المتحدة اليوم بدخول ترامب البيت الأبيض.
لا طموحات استعمارية جديدة ولا توسّع في مخططات الجغرافيا الشرق أوسطية، لا شرق أوسط جديداً ولا أطماع أميركية في علاقة جيدة مع الخليجيين من أجل النفط، كلّ هذا وارد للحظة. يدرك ترامب لأنّ ما قاله عن المملكة السعودية مثلاً «لا يمرّ» أمام «هالة» ومكانة العائلة المالكة، لقد اتهمها في غير مرة أنها شنّت الحرب على اليمن من أجل سلب نفطه، وقال أيضاً إنّ المملكة لا تساوي شيئاً بدون نفطها او مالها، بالأحرى هي «لا شيء».
إنها المرة الأولى التي يتقدّم فيها مرشح «فظ» إلى هذه الدرجة على منافسة تتمتع بكلّ مظاهر اللياقات الديبلوماسية وتقنيات العمل السياسي على الأقلّ ظاهرياً، فالنصر جاء بنتيجة كبرى وضعت ترامب في خانة «الجماهيرية»، يخاطب الناس كما يتحدّثون في غرفهم وبيوتهم من دون تنميق.
وبالعودة إلى الشعبوية التي انتصرت في أميركا، فإنّ ما جرى يؤكد استحالة تخطي غرف الاستخبارات الدولية «النتيجة»، فلقد أتت ضربة قاصمة بكلّ المعايير، أبرزها تلك المتعلقة باستطلاعات الرأي لمؤسسات عملت لحساب الأجهزة الأمنية الأميركية الأساسية والتي أخفقت اليوم في معرفة ما «يطلبه الشعب» وهو إخفاق لها أيضاً.
الفارق الكبير الذي حصده ترامب مقابل كلينتون سيأخذ المعنيين نحو دراسة جديدة لحالة المجتمع الأميركي ومطالبه، فهناك شيء ما حلّ به حتى انتفض على الوجوه السائدة، شعبوية ترامب ليست نابعة فقط من المال، إنما من تكثيف تواصله مع الناس على شبكات التواصل الاجتماعي، لم ينفق ترامب الكثير من المال على حملته الانتخابية كما أنفقت المرشحة الخصمة هيلاري كلينتون، فقد اعتمد على الناس وعلى رأي الشعب بدون ضغوط، لا بل حورب من المؤسسات الإعلامية الكبرى كافة.
يتحدث مغترب لبناني في أوستراليا لـ «البناء» عن صدمة يعيشها المجتمع الأوسترالي الذي يرفض التصديق حتى الساعة، فترامب قد يرسم مرحلة جديدة لدول الغرب، وكذلك دول الكومنولث التي اعتادت على اعتبار واشنطن حليفاً تاريخياً، فهل هذا يعني أنه يجب على دول مثل بريطانيا وأوستراليا وكندا الانتظار حتى تتكشف مكنونات المواقف الأميركية، وهو موقف تعيشه هذه البلاد للمرة الأولى؟
التخوّف الأوروبي من عودة الشعبوية يؤكد أنّ ما جرى في واشنطن كبير ويحتاج لمراقبة أول مئة يوم من عهد الرئيس الأميركي التي ستتكفل بوضع العناوين العريضة لعهده وعلى أساسها تتحرك القوى الدولية بشكل أكثر أماناً، أما اليوم فكل شيء مبهم ويحتاج إلى مراقبة «ترامب الرئيس»…
من دون شك ترامب «الرئيس» لا يشبه ترامب «المرشح»، وهذا ما بدا في أول خطاب، أما الإخفاقات التي عاشتها الأجهزة الأمنية والسياسية والإعلامية في أميركا نتيجة العجز عن استشراف واقع الشارع تؤكد أنّ ما جرى هو «انقلاب شعبي ناعم» تجب قراءته بعين الواقع تماماً كما جاء ترامب بعنوان «الواقع». فالناس بدأت تتأقلم مع شبكات التواصل الاجتماعي التي وصلت إلى يد كلّ مَن يريد التغيير، وربما كان الأجدر مراقبة صفحة ترامب على واحد من موقعي فايسبوك أو تويتر لمعرفة مزاج الناس الذين سئموا من تجاهلهم.
التوجه الأميركي الدائم نحو السياسة الخارجية جلب نتيجة من هذا النوع تُعيد شدّ الأعين نحو مطالب الشعوب التي يبدو أنها مطالب تعمّ العالم كله، وصولاً الى ساحات وول ستريت، فهذه التظاهرات لم تكن إلا إعلان نفير عام على السلطة الفاسدة في أميركا.
تكفي المخاوف الأوروبية والدولية في دول مثل بريطانيا والسويد ونيوزيلندا واوستراليا وغيرها لمعرفة حجم ما جرى وحجم القلق المفترض من التعامل مع شخصية مبهمة، لكن الأكيد أنّ الشعبوية انتصرت على فئة متعجرفة من الساسة الأميركيين.