مَن يريدُ ضرب عهد ميشال عون؟
هتاف دهام
لا حكومة في المدى المنظور. الاشتباك السياسي محتدم. ليست المرحلة مرحلة عابرة أو انتقالية. الحكومة العتيدة حكومة تأسيس أعراف وأحجام وقواعد سترسى لاحقاً يحاول حزب القوات تضخيم حجمه وحضوره وتأثيره ونفخ نفسه بحقائب وزارية قبل الانتخابات النيابية المقبلة لقطفها في الحكومة التالية .
يرغب كل طرف بفرض وقائع. إرث الماضي وتناقضاته حاضران. يحاول الرئيس سعد الحريري وحده الاستعجال في التأليف. يقدّم تسهيلات. وفق معلومات «البناء» تمخّض عن لقاء الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري تأكيد أن حصة رئيس الجمهورية ستضمّ وزيراً سنياً إلى جانب وزيرين آخرين، وحصة رئيس الحكومة ستضمّ وزيراً مسيحياً.
لا أحد أصلاً ينافس الحريري على حصته. اللعبة ليست في ميدانه. اللعبة في الميدان المسيحي – الشيعي. رئيس الجمهورية رئيس مجلس النواب نبيه بري. كُلّف الأخير من الفريقين الشيعيين حركة أمل وحزب الله التفاوض باسمهما. رئيس الجمهورية يفاوض بدوره باسم الطرفين المسيحيين الأقويين مارونياً، فهو يريد الوفاء لما نتج عن تفاهم معراب.
جاء الحديث عن قرب تأليف الحكومة قبل الاستقلال منذ البداية بشكل مبالغ فيه. تشكيل الحكومات في ظل ظروف طبيعية كان يستغرق ثلاثة أشهر. الحكومة الميقاتية الأكثر تجانساً منذ 2005 تعثرت أكثر من أربعة شهور لحين تأليفها.
زيارة المستشار الخاص للعاهل السعودي أمير مكة خالد الفيصل ووزير الدولة للشؤون الخارجية نزار مدني لن تكون ذات تأثير على الملف الحكومي. الجولة اللبنانية استتباع لزيارة وزير الدولة لشؤون الخليج العربي بوزارة الخارجية ثامر السبهان وشدّ أزر الرئيس الحريري. المملكة لم تترْكه. تريد العودة إلى الساحة اللبنانية كلاعب أساسي ولن تُخليها للإيرانيين، رغم أنّ الزيارة هي بروتوكولية في الشكل أكثر مما تحمل في المضمون.
تبعاً لما يتمّ تسريبه، يتحدث المعنيون عن سيناريوات للمرحلة المقبلة. يشير هؤلاء إلى سيناريو الوقت الضائع الذي جرى التداول به قبل الانتخابات الرئاسية. فيدخل العهد فترة المهل التي تنتهي في كانون الثاني مجرد أن يصبح الحريري رئيساً مكلفاً طالما أنّ حكومة تصريف الأعمال موجودة. يتمّ عندها الذهاب حكماً إلى انتخابات وفق الستين. لكن مَن له مصلحة بالـ»الستين»؟ وفق أيّ أساس بُنيت حسابات الفرقاء السياسيين؟ هل فعلاً هناك من يدفع باتجاه إجراء الانتخابات في أيار المقبل وفق القانون النافذ؟
تؤكد مصادر مطلعة لـ»البناء» أنّ من شأن هذه البروباغندا أن تشكل ليس ضربة للعهد الجديد فحسب، إنما ضربة لديمقراطيته بعلاقته مع المواطنين وآمالهم المعلقة عليه.
هل يخاطر رئيس الجمهورية ويقضي على نهج تغييري إصلاحي وعد به؟ العنوان الطبيعي لـ»الستين» هو إعادة إنتاج الطبقة السياسية الحالية مع بعض التعديلات الطفيفة الواهية بالأحجام، مع نائب من هناك ونائب من هنالك. لا تغيير في جوهر الرسالة أن طبقة سياسية ستعيد إنتاج نفسها باستخدام ورقة كربون. «كارتل» لا يموت بل سيعود لإحياء نفسه ويهزم العهد الجديد وطروحاته المرجوة. يبالغ بعض المنظرين للتحالف القواتي العوني بتقدير الفروق من خلال الذهاب الى انتخابات على أساس تحالفهما الجديد وفق «الدوحة».
إحدى النتائج المباشرة ليست فقط تأخر تشكيل الحكومة إنما إعادة تشكيل مجلس «زي ما هو». الأكثرية فيه ستكون لـ تيار المستقبل وحلفائه الذين قد يتجاوز عددهم داخل المجلس في ظلّ التحالفات الجديدة 85 نائباً.
في مقابل هذا السيناريو، هناك سيناريو يقول «إنّ الفرصة لا تزال سانحة لتشكيل الحكومة. الفترة مقبولة جداً، إذا تألفت في الأيام العشرة المقبلة أو حتى إذا تأخرت إلى ما قبل أعياد الميلاد ورأس السنة. هذه الفرصة تشكل إجماعاً بين الأطراف المعنية على الذهاب إلى انتخابات على أساس قانون جديد مختلط. هنا جاء الترويج للتمديد التقني شهرين أو ثلاثة أشهر فقط للتحضير لإجراء الانتخابات. كاد أن ينجح هذا الاحتمال لو بقي الوئام بين الرؤساء والأطراف الأساسية. اختلف هؤلاء باكراً. بدأ القصف السياسي. تراشقوا بكرة التعطيل.
تؤكد مصادر مطلعة في 8 آذار لـ»البناء» أنّ الرئيس عون لا يخطئ في الاستراتيجيا. لكن هناك من يريد ضرب عهده فهل ينجح؟ يتطلّع المصدر إلى إدراك رئيس الجمهورية أحقية تمثيل تيار المرده والحزب السوري القومي الاجتماعي والمعارضة السنية في حكومة الوحدة الوطنية، لا سيما أنه رفض صيغة حكومية أولية خالية من القومي والكتائب.
كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تمنّى على الرئيس عون قبل انتخابه حفظ حصة رئيس تيار المرده في التشكيلة الحكومية. تعاطى رئيس الجمهورية بحسب المطلعين على اللقاء بإيجابية، رغم ملاحظاته على ما تعرّض له من اتهامات مِمَّن يدور في فلك بنشعي. يريد فخامته تشكيل حكومة وحدة وطنية يتمثل فيها الجميع.
يبقى أنّ فريق 8 آذار مجتمعاً صاحب مقولة إنه انتصر بوصول الجنرال إلى بعبدا. يريد تحصين هذا الانتصار. ترفض مكوّناته وضع اليد على هذا العهد من أية جهة كانت سواء قواتية أو حريرية.
هناك فرضية تقول إنّ الحساسيات الصغيرة قد تطيح القضايا الكبيرة، فماذا لو أنّ الموضوع مجرد حساسيات وليس تضارباً في المصالح؟ الأكيد أنّ الاستمرار في هذه المنهجية سيخسّر الجميع ولا معنى سياسياً لما يجري، كما يقول قطب سياسي بارز.