أمير مكة طالب عون «بأولى زيارات العهد»
روزانا رمّال
على متن طائرة خاصة وصل أمير مكة خالد الفيصل إلى بيروت، يرافقه وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي نزار المدني، حيث كان في استقبالهما وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ممثلاً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اضافة الى القائم بالاعمال بالسفارة السعودية في لبنان وليد البخاري مع اعضاء السفارة، بالاضافة لسفراء عرب خليجيين معتمدين في لبنان.
والى القصر الجمهوري في بعبدا توجّه موفد الملك سلمان والوفد المرافق للقاء الرئيس عون، حاملاً معه رسالتين إلى «فخامة الرئيس عون من خادم الحرمين الشريفين»، حسب تعبيره بعد اللقاء، كاشفاً أنّ الأولى تتضمّن التهنئة بانتخابه رئيساً للجمهورية، أما الثانية فهي عبارة عن دعوة رسمية لزيارة المملكة العربية السعودية، مع تشديد على وعد من عون بتلبيتها بعد تشكيل الحكومة.
في هذا الإطار، أكد مصدر مطلع لـ «البناء» على أجواء الزيارة أن الموفد الرفيع المستوى الذي يُعدّ من أهمّ الشخصيات السعودية والوفد المرافق يؤكد على اهتمام شديد من الملك سلمان بالعهد الجديد وبناء علاقة مع الرئيس عون من ايامه الاولى، لافتاً الى ان «الموفد طلب من الرئيس عون ان تكون اولى زياراته الرسمية خارج لبنان الى المملكة العربية السعودية لا إلى إيران ولا إلى فرنسا»، وحول ردّ العماد عون عن إمكانية القيام بهذه الزيارة كخطوة كثيرة الدلالات قال المصدر: «لقد ربط العماد عون هذه الزيارة بأمر أساسي، وهو العودة بالهبتين معاً اللتين خصصتا للبنان والجيش في وقت سابق».
وأضاف: «تدرك السعودية جيداً أنّ موقفها تجاه إيران واضح، لكنها تريد إحداث خرق بمكان ما»، وعلى هذا الأساس تبدو زيارة الموفد السعودي مندرجة ضمن عملية استجلاب أو جذب لإخراج الرئيس عون من «الجاذبية الشيعية» المتمثلة بحزب الله في لبنان وإيران خارجه.
سبق الموفد السعودي الى قصر بعبدا وزير الخارجية الإيراني الذي كان أول المهنئين بوصول العماد عون للرئاسة، واذا كان لدلالات استقبال العماد عون الوزير الإيراني من بين أول الضيوف رمزية أساسية تتعلق بدور ايران المحوري في عملية إنجاح عون في مهمته الشاقة لوصوله للرئاسة، فانّ للمملكة العربية السعودية التي بدت في مرحلة سابقة أحد ابرز العناصر المؤثرة في عرقلة وصول عون للرئاسة بفيتوات الماضي ترغب باستدراك الأمر وبناء استراتيجية جديدة مع العهد تبدو وكأنها سياسة احتواء وهي السياسة نفسها التي اجتمعت حول عون «تناقضات» من هنا وهناك أسّست لعهد من مكونات متباعدة فكرياً وتاريخياً.
تخطو السعودية في حركتها تجاه الرئيس المنتخب طريقاً مليئة بالألغام فهي من جهة تلعب على وتر شق بين التحالف الثنائي بين عون وحزب الله، ومن جهة أخرى تضع نفسها أمام خيارات تنقض سياساتها العامة تجاه لبنان فموقفها السابق الذي بدا مبدئياً تجاه عون نتيجة تحالفه مع خصمها السياسي اللدود، يبدو اليوم أكثر مقبولية لديها. واذا كان هذا الأمر يؤشر الى شيء فإنه بالتأكيد يأخذ إلى موقف المملكة من الحرب الدائرة في سورية ومن رأيها المتشنّج تجاه حكم الرئيس السوري بشار الأسد، فهل هذه الليونة هي واحدة من استراتيجيات النقلة السعودية الجديدة تجاه عون تماشياً مع متغيّرات العالم السياسي ابرزها وصول دونالد ترامب للرئاسة الاميركية؟ الحالة هذه تأخذ الى إمكانية ان تتخذ السعودية موقفاً مماثلاً تجاه سورية لا يحمل فيه موقفاً متشنجاً تجاه مشاركة النظام بالحكم، فيصبح لبنان واحداً من ابرز مخارج السياسة التي تعيد ماء الوجه للمملكة المقبلة على المجهول في حال تمسك ترامب بمواقفه العدائية تجاهها.
تتحضر الرياض لمرحلة دقيقة اذاً مرتكزة على ارساء نوع جديد من أنواع فرض حضورها مستغنية هذه المرة عن التمسك بما من شأنه أن يحرجها فيخرجها من المعادلة اللبنانية، عملية مهادنة ناجحة صاغتها المملكة مع العماد عون حتى الساعة، لكنها غير واعدة اذا ما تمادت العلاقة نحو ما يعتبرها الرئيس عون خطوطاً حمراء في سياساته المحلية، والمقصود هنا التقرّب من السعوديين والوقوع في فخ المطالبة بالابتعاد عن «الحالة الشيعية» المحلية والإقليمية التي تحيط بالعماد عون كركيزة.
العلاقة الاستراتيجية بين العماد عون وحزب الله، حسب المصادر لن تتعرّض للاهتزاز نتيجة محاولات سعودية من هذا النوع، فما يجمع الطرفين كبير لدرجة العهود والوعود ما بين الأخلاق والسياسة، فهل تغامر المملكة بعلاقة غير مضمونة النتائج والمكاسب من هذا النوع مع العماد عون؟
يبدو الرئيس عون حتى هذه اللحظة متمسكاً بعلاقات ندية مع الدول الراغبة باحتضان لبنان وتعويمه ضمن مشاريعها او رغباتها وهو غير مستعدّ لنسف ما بدا أنه مسلمات منذ لحظة إنشاء التفاهمات السياسية مع حليف بحجم حزب الله. يبدو الرهان السعودي على خصوصية «للرياض» في عهد عون من منطلق إرسال رسائل قاصمة لإيران بزيارة العهد الاولى للرياض غير واردة بدون أن يتحقق عون من فائدتها على صعيد المصلحة المحلية واللبنانية، فهو غير مستعدّ لتعريض علاقة إقليمية جيدة جداً ايضاً كتلك التي يعيشها مع الأيرانيين للخطر والوقوع بسياسات الكيدية.