ما هو السرّ وراء عرقلة تشكيل حكومة الستة أشهر؟
أسامة العرب
إنّ ما يعصف بعملية التشكيل من عرقلة، مصدرها عدم اعتماد معايير ثابتة دستورية ومنطقية في عملية التأليف. أمل وحزب الله وبقية الحلفاء يعتبرون أنّ العقدة الأساسية أمام التأليف حتى الآن هي سعي حزب القوات الى تكبير حجمه السياسي والوزاري داخل الحكومة الذي لا يعادل ما يملكه في المجلس النيابي، فضلاً عن محاولاته تحميل العهد مسؤولية التقيّد بالتزامات معينة. فيما تتهم القوات حزب الله وقوى 8 آذار بالتعطيل، وتتمسك بوزارة الأشغال وترفض التنازل عنها مهدّدة بالمطالبة بحقيبة سيادية من جديد إذا انتزعت منها، وتسعى لتهميش المردة.
ولا يُخفى على أحد، أنّ هواجس الجميع الحقيقية لا تدور حيال ما سيحصدون في هذه الحكومة، وإنما حيال استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة. فالمساومات بين القوى السياسية في أوجها، وتضع اللبنانيين أمام خيارين: إما تمديد ولاية مجلس النواب من جديد وإما اعتماد قانون الستين. في حين أنّ التمديد لا ضرورة عملية له، فملف قانون الانتخاب الجديد لم يعُد بحاجة إلى مزيد من الدرس والتمحيص. ففي المجلس النيابي أكثر من أربعة عشر مشروعاً واقتراحاً عصرياً أُشبعت درساً في اللجان. لكن، التوافق السياسي مفقود بسبب تضارب المصالح ورغبة كلّ طرف في الحصول على الحصة الأكبر. فعلى سبيل المثال، في طريق البحث عن النتائج المتوقعة لإقرار قانون يعتمد على النسبية سُيصاب الكثيرون بالهلع عند إحصاء خسائرهم. وإن كان حزب الله وحركة أمل لا يخفون الحديث عن أنّ حجم خسائرهم قد لا يتجاوز الـ 15 في المئة من عدد نوابهم. لكنّ تيار المستقبل يعيش حالة من الهلع عندما يُحصي خسائره، إذ إنه سيخسر ما لا يقلّ عن 40 في المئة من تمثيله النيابي، وهو أمر يريد تجنّبه بشدّة. أما على المستوى الدرزي، فإنّ النسبية تؤسّس لزعامات خارج البيت الجنبلاطي على المدى القريب، فيما الإحصائيات على الساحة المسيحية تحمل احتمالات اكتساح المستقلين للمقاعد الانتخابية، كما أنّ القوات تقولها بصراحة: «نحن كقوات ضدّ النسبية بالمطلق». ولهذا، نخلص للقول بأنه لا قانون جديد في المدى المنظور، لا سيما بعدما نعى وزير الداخلية نهاد المشنوق احتمال إقرار قانون جديد، مؤكداً أنّ الداخلية جاهزة فقط لتنفيذ الانتخابات وفق قانون الستين، وأيّ قانون جديد يحتاج أشهراً لترتيب الإدارة وتثقيف الناخبين.
كما أنّ الهواجس التي تعصف بالتأليف، تتضمّن أيضاً إمكانية الاختلاف لاحقاً حول مضمون البيان الوزاري للحكومة الجديدة، في ظلّ إصرار البعض على إبعاد المعادلة الثلاثية الجيش الشعب والمقاومة عن البيان، واقتراحهم بتبنّي فقرة تتضمّن اعتماد النأي بالنفس عن صراعات المنطقة والتي هي جوهر «إعلان بعبدا». لكن لا يُتوقع أن يشهد ذلك كباشاً كبيراً، فمن المرجح أن تتكرّر الفقرة التي قاربت النظرة إلى المقاومة ودورها في بيان «الحكومة السلامية» مع بعض الإضافات. كالتأكيد على حق لبنان بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لما تبقى من أراضيه المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، على أن يقابله تأكيد مماثل على مواجهة الإرهاب، بحيث يخوض الجيش اللبناني معارك ضدّ الإرهابيين على الحدود الشرقية والشمالية.
إلا أنّ المصادر تفيد أيضاً بأنّ هنالك عوامل خارجية هامة وراء عرقلة التأليف، نتيجة التداخل بين ما هو داخلي وخارجي في الدينامية التي تؤدّي إلى تكوين السلطة في لبنان، وما أدلّ على ذلك، سوى أنّ التفاهمات الإقليمية والدولية هي التي قادت بعض اللبنانيين الى الاستحقاق الرئاسي من دون أن تتكوّن الإرادة الجامعة لديهم. وحتى من دون أيّ تفاهم مسبق بينهم حيال ما كان يعرف بالسلة الكاملة، أيّ الحكومة والوزراء والحصص وصولاً الى عناوين البيان الوزاري وحتى التعيينات الإدارية في المراكز العليا العسكرية والمدنية. وما أدلّ على ذلك أيضاً، سوى شكل ومضمون وفاعلية التسوية الإقليمية التي أنتجت حكومة الرئيس سلام في 13 شباط 2014 من دون أن تكتمل الآلية التي قادت اليها بانتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية ولاية الرئيس الأسبق في 24 أيار من العام نفسه، وذلك بعد مرور 11 شهراً على تكليفه تشكيل الحكومة في 6 نيسان 2013. أما اليوم، فلبنان ليس مدرجاً على سلم أولويات الدول الإقليمية والدولية، كما أنّ هنالك طريقة تعاطي الإدارة الأميركية الجديدة مع إيران، لجهة اعتماد سياسة متشدّدة معها. ولهذا، فإنّ التداعيات اللبنانية لهذه السياسة لن تترجم على شكل إعادة ترسيم توازن جديد أقله في مرحلة ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية.
ولكن بالرغم من ذلك، فثمة محاولات تجري بعيداً عن الأنظار لفتح كوة في جدار الأزمة الحكومية والحؤول دون الدخول في الفراغ الحكومي على غرار الفراغ الرئاسي الذي استمرّ لأكثر من سنتين، وإنّ هذه المحاولات سجلت في الساعات الماضية تقدّماً في اتجاه تدوير الزوايا واضعة في حساباتها إمكانية إعادة النظر في توزيع الحقائب وفي إمكانية ان تكون الحكومة ثلاثينية بدلاً من 24 وزيراً لضمان تمثيل أكبر شريحة سياسية ممكنة. إذ يسعى حزب الله لاحتواء التوتر بين الأطراف السياسية والدفع باتجاه حلحلة العقد لتشكيل الحكومة والردّ على مَن يريد إيقاع الفتنة بين الحلفاء. كما سارع التيار الوطني الحرّ إلى الاستجابة، إذ أعرب الوزير جبران باسيل بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح، أنه يؤيّد حكومة وحدة وطنية تشمل الجميع وبأنه لا يرفض أحداً ويطالب بالمردة والقوميين والكتائب والسنة من خارج المستقبل وأرسلان. مؤكداً أنّ هذه الحكومة متفق عليها ولا أعراف فيها ولا حجز لوزارات طوائف ولا لأحزاب، ولافتاً أيضاً إلى أنّ هذه الحكومة لا فيتوات فيها ولا تقبل الفيتوات من أحد.
كما أنّ إطلالة السيد حسن نصرالله ضخت جرعات تفاؤلية في إمكانية أن نكون على مسافة قريبة من عملية التأليف، وقد عزّز هذا الاعتقاد التحركات التي يجريها السفير الفرنسي في لبنان إيمانويل بون، وما نُقل عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي من أن الاتصالات بشأن الحكومة العتيدة أصبحت أفضل من السابق، رافضاً تحديد مهلة زمنية معينة لولادة هذه الحكومة.
وعموماً، فإنّ حكومة الأشهر الستة لن تُنجز ما عجزت عنه الحكومات المتعاقبة، لهذا يجب ألا تكون حكومة متاريس، وإنما حكومة نبذ خلافات واهتمام بالشؤون اللبنانية، ووضع قانون عصري للانتخاب ومتابعة ملف النفط وسلسلة الرتب والرواتب والانكباب على القضايا التي تهمّ المواطن وتعالج مشاكله الأمنية والحياتية. لا سيما أنّ المسافة الفاصلة زمنياً عن الموعد المفترَض للانتخابات النيابية بدأت تضيق. كما أنّ ما يزيد من ضيق الوقت هو مصادفة شهر حزيران مع شهر رمضان. ولذلك، سيكون إجبارياً إجراء الانتخابات في أيار، أو التأجيل التقني.
ولكن بكافة الأحوال، ثمّة مَن يتفاءل بمجرّد تشكيل الحكومة وحصول الانتخابات النيابية هذا الصيف، سواء في بدايته أو في نهايته. ويرى أنّ هذا الحدث سيخلق حركة سياسية واقتصادية ناشطة يفتقدها لبنان منذ انتخابات العام 2009، وصولاً إلى العامين 2010 و2011 قبل اندلاع الأزمة السورية. ولهذا، فعلى مطابخ الفتن التي تعمل ليل نهار لإيقاع نيران التفرقة بين حلفاء محور المقاومة، أن تعي بأنها عاجزة عن تحقيق ما تصبو إليه، وأنّ المواطن هو مَن يتحمّل ضريبة عبثها بأمنه وحياته ومستقبل وطنه…
محام، نائب رئيس
الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً