هل تغيّر السعودية سياستها في سورية؟
حميدي العبدالله
في قمة البحرين لدول مجلس التعاون الخليجي دعا الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لإيجاد حلّ سياسي للأزمة القائمة في سورية.
وهذا الموقف يختلف عن مواقف المملكة التي كان يطالب المسؤولون فيها دائماً بحلّ قائم على تنحية الرئيس الأسد بالقوة العسكرية أو الحلّ السياسي، لكن كلمة الملك سلمان خلت هذه المرة من المواقف التي اعتاد على إطلاقها المسؤولون في المملكة اعتباراً من النصف الثاني من عام 2012.
هل هذا يعني أنّ ثمة تغييراً طرأ على موقف السعودية من الأزمة القائمة في سورية؟
الأرجح أنّ الجواب نعم.
من الطبيعي، بل من البديهي، أن تراجع المملكة العربية السعودية عن سياستها إزاء سورية جاء في ضوء الحسابات والعوامل الآتية:
أولاً، الاستثمار في الحرب على سورية بات مكلفاً للغاية، لأنّ تزويد الإرهابيين بالسلاح والمعدات ووسائل القتال الأخرى، إضافةً إلى الإنفاق على آلاف المقاتلين في حرب ضدّ الدولة السورية وحلفائها، روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية، يحتاج إلى عشرات مليارات الدولارات وليس إلى عشرات الملايين. وكان يمكن للمملكة السعودية وقطر والحكومات الغربية الاستمرار في الاستثمار في الحرب لو كان المسلحون الذين ينفق عليهم عشرات مليارات الدولارات يحققون التقدّم الميداني، وثمة أمل بقدرتهم على إسقاط الدولة السورية.
لكن ما يجري ميدانياً، ولا سيما الانتصارات الكبيرة والسريعة في حلب، إضافةً إلى المكاسب الأخرى على جبهات ريف دمشق، وتعاظم وجود الإرهابيين، كلّ ذلك جعل الاستثمار في الحرب على سورية استثماراً خاسراً ومن دون أيّ جدوى، وبالتالي فإنّ أيّ دولة في العالم تنخرط في الحرب على سورية، وتنفق ما تنفقه السعودية على هذه الحرب لا بدّ لها من وقفة مراجعة وتساؤل عن جدوى الاستمرار في هذا الطريق.
ثانياً، الدول التي حرّضت على الحرب وضغطت على الحكومات الخليجية وعلى رأسها السعودية للانخراط بها، والعمل على تمويلها، في صدد مراجعة سياستها إزاء سورية، وهنا المقصود مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومواقف مرشح اليمين الفرنسي الأبرز فرنسوا فيون. وبديهي أنّ السعودية في هذا المشهد الدولي تحوز على هامش حرية يتيح لها مراجعة سياستها في سورية، على الأقلّ للحدّ من الاستنزاف الذي تتعرّض له جراء تمويلها الحرب السورية.
ثالثاً، المملكة العربية السعودية تواجه حرب مكلفة في اليمن وجيشها يخوض هذه الحرب منذ حوالي سنتين، وحرب اليمن كلفتها عالية جداً، ومن الصعب على دولة بحجم السعودية، في ظلّ انخفاض أسعار النفط الاستمرار بالإنفاق على حربين قد تصبح كلفتهما بمئات مليارات الدولارات وليس عشرات المليارات.
هذه العوامل والحسابات مجتمعة تشير إلى أنه من المنطقي والبديهي أن تراجع المملكة العربية السعودية سياستها في سورية، لأنّ الحرب على سورية باتت استنزافاً دون نتيجة وليس ثمة جدوى منها.