سورية بعد حلب: الأمرُ لي
ناصر قنديل
– الغريب العجيب أنّ الذين كانوا يتحدثون بقوة عن ضياع القرار السيادي للدولة السورية أمام تولي الحليف الروسي الملف السياسي وفرض رؤيته وشروطه وعقد التفاهمات من وراء ظهر الدولة السورية ورغماً عنها وبالتزامها عبر إلزامها، هم أنفسهم الذين شنّوا حملة شعواء على تحفظ الدولة السورية على التفاهم الروسي التركي حول خروج آمن للمسلحين المهزومين والمحاصرين في ما تبقى من أحياء شرقية جنوبية لحلب، وتذكروا أنّ القضية محورها التسهيل والتعطيل وليس السيادة ومفهوم رؤية الدولة لمصالحها حتى في العلاقة بحلفائها، علماً أنّ موسكو تخطّت عدم الامتعاض من موقف سورية إلى التبنّي والحرارة بالتمسك بالرؤية السورية التي عطلت تطبيق التفاهم وقدّمت رؤيتها، التي سرعان ما صارت رؤية الحلفاء وفي مقدّمهم روسيا وإيران وحزب الله.
– كلام وزير الخارجية سيرغي لافروف بعد المداخلة السورية يحمّل رعاة المسلحين مسؤولية السعي لتوظيف الهدنة لترتيب صفوفهم ومواصلة القتال، ويؤكد أنّ الدولة السورية ستنجح في القضاء على كلّ تمرّد للمسلحين لرفض شروطها لاستسلامهم، وخروجهم مهزومين، بالتسليم بدمج ملفات حساسة وهامة للأمن السوري ككشف مصير المفقودين والإفراج عن الأسرى وجثامين الشهداء، وصولاً وهذا هو الأهم، إلى حلّ جذري لمعاناة أهالي بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين. وواضح أنّ روسيا مساندة بقوة لمنطق الدولة السورية لتعديل شروط التفاهم، الذي فاوضت موسكو لإنجازه بتفويض مسبق من الدولة السورية، ولكن في ظروف سابقة لم تكن فيها الأمور تتيح رفع سقوف الشروط، ومن حق سورية برأي موسكو وطهران أن تحدّد ما يناسبها ومن حقها على حلفائها أن يقفوا وراءها بحماسة وقوة في مثل هذه الحالات.
– التفاهم الجديد لحلّ نهائي يقضي بخروج المسلحين ويربط ذلك بضمان تركي لروسيا بتحقيق شرطَي تأمين خروج أهالي الفوعة وكفريا بأمان من بلدتيهما المحاصرتين، من جهة، وحلّ قضية الرهائن والمفقودين والجثامين عبر تواصل تركي روسي على مستوى عسكري فني لهذه الغاية. وهذا الحلّ يقول شيئاً واحداً، إنّ سورية التي أظهرت أنها القوة العسكرية الحاسمة في تحقيق النصر تبدو القوة السياسية الحاسمة في رسم مسار التفاوض، وأنها وهي تقول للحلفاء شكراً بحرارة، تقول على الملأ الأمر لي، ويصفق لها الحلفاء، ويسيرون بطيب خاطر وراء المسارات التي ترسمها ويضعون ثقلهم لضمان نجاح خياراتها التي وضعت على الطاولة، والتفاهم بصيغته الجديدة ما كان ليتمّ لولا التضامن العالي المستوى بين سورية والحلفاء.
– مفهوم التحالفات ومضمون السيادة واحد من دروس الحرب في سورية والتجربة التي قدّمتها القيادة السورية ومضمون تحالفها مع كلّ من روسيا وإيران وحزب الله، حيث الكلّ للكلّ ومع الكلّ، ولا حسابات منفصلة، ولا متاجرة ولا تفرّد ولا لعب تحت الطاولة. وكما في الملف النووي الإيراني القرار لإيران، والدعم من الحلفاء، في ملف التفاوض حول التسويات في سورية، القرار سوري، والدعم من الحلفاء، وفي لبنان، للذين تاجروا وراهنوا وانتظروا حتى تعبوا وصدقوا أخيراً وارتضوا السير بعيداً عن أوهامهم، القرار للحليف اللبناني، حزب الله، والحلفاء يدعمون.
– نموذج جديد للتحالفات قاعدته السيادة وتكامل الخصوصيات واحترامها ضمن الوحدة، وبعد حلب أكثر من قبلها، سيصير صوت سورية أقوى ومسموعاً أكثر وهي تقول، الأمرُ لي، وحلفاؤها يشيرون لمن يخاطبهم، راجعوا الرئيس السوري بشار الأسد فهو صاحب القرار. كما قالوا قبل شهور لمن راجعهم حول الاستحقاق الرئاسي في لبنان، القرار لحزب الله فتحدّثوا معه.