بعد حلب… لا مفاوضات قبل الانتهاء من دحر الإرهاب
د. عصام نعمان
الحرب انتهت في حلب، لكنها لم تنتهِ في سورية. حلفاء «المعارضة السورية المعتدلة» أقرّوا بهزيمتها في حلب، لكنهم ما زالوا يعتبرونها فاعلة في شمالها ناهيك عن محافظات إدلب والرقة ودير الزور وحمص تدمر ومحيط درعا. بل إنهم ما زالوا مصمّمين على دعمها بدليل إصرارهم وضغطهم القوي على روسيا، عبر تركيا، لتأمين إخراج مسلحيها بأمان من حلب الى ريفيها الشمالي والغربي. ثم، ألم يرفع الكونغرس الأميركي منذ أيام الحظر عن توريد السلاح الأكثر فعالية إلى فصائلها المقاتلة؟
حلفاء دمشق أيضاً يعتبرون الحرب منتهية في حلب ومستمرة في سائر المناطق السورية التي ما زالت تحت سيطرة «داعش» و«النصرة» ومواليهما من التنظيمات الإرهابية الأقلّ فعالية. الحكومة السورية تعلن وتصرّ على عدم وقف الحرب ضدّ كلّ هؤلاء قبل تحرير كلّ الأراضي السورية منهم.
إلى ذلك، ماذا تبقّى من «المعارضة السورية المسلحة» التي تعتبرها الولايات المتحدة وحلفاؤها معتدلة وصالحة للمشاركة في المفاوضات من أجل التوصل مع الحكومة السورية إلى حلّ سياسي؟ الواقع أنه لم يبقَ منها شيء ذو بال. وبما أنّ دمشق لن ترضى بالتفاوض مع «داعش» و«النصرة» والتنظيمات الموالية لهما، فإنّ موافقتها على العودة إلى مفاوضة ما تبقّى من «المعارضة السورية المعتدلة» لن يفيد هذه الأخيرة في شيء بعدما اختلّ ميزان القوى لمصلحة دمشق عقب تحرير حلب.
تركيا أيضاً لا ترى مصلحة لها في وقف الحرب الآن. إنّ لها مشكلة مزمنة مع أكرادها كما مع الأكراد السوريين المتعاملين مع حزب العمال الكردستاني الذي تشنّ عليه حكومة أردوغان حرباً في الداخل وفي شمال كلٍّ من سورية والعراق.
«إسرائيل» هي الأخرى لها مصلحة في استمرار الحرب بغية إضعاف حكومة الرئيس بشار الأسد وتطويرها الى تقسيم سورية إذا أمكن. وهي لن تُعدم وسيلة لتحريض الولايات المتحدة على متابعة دعم التنظيمات الضالعة في الحرب ضدّ الجيش السوري بقصد إضعافه.
الولايات المتحدة لها مصلحة في استمرار الحرب لأسباب عدّة: أولها إضعاف سورية عسكرياً وسياسياً. ثانيها محاولة ترميم المركز التفاوضي للمعارضة السورية كي لا تخرج من المفاوضات المرتقبة خالية الوفاض. ثالثها انّ هامش المناورة وحرية الحركة أمام إدارة أوباما ضيّق للغاية وسيبقى كذلك لغاية ان يتسلّم الرئيس المنتخب دونالد ترامب سلطاته في العشرين من الشهر المقبل. هذا مع العلم انّ إدارة ترامب لن تكون في وضع يمكّنها من استلام زمام المبادرة قبل شهر آذار/ مارس أو نيسان/ ابريل المقبلين.
الى ذلك، هناك حلفاء أميركا الخليجيون الذين يناؤون حكومة الأسد وليس لهم مصلحة في استقوائها على معارضيها. هم لا يسوؤهم استمرار الحرب إذا كان من شأنها استنزاف سورية وحليفتها إيران.
ماذا تفعل دمشق؟
يبدو الأسد متمسكاً بمتابعة حربه على التنظيمات الإرهابية وحلفائها الذين يسيطرون على مناطق حيوية في البلاد. هنا ينهض سؤال: الى أين سيتجه الجيش السوري بعد تحرير حلب؟ إلى مدينة الباب؟ إلى إدلب؟ إلى تدمر؟ إلى الرقة؟ إلى محيط درعا؟
إذا اتجه إلى شمال حلب وغربها ناهيك عن محافظة الرقة أو محافظة إدلب فمن المحتمل أن يصطدم مجدّداً بتركيا ما لم تؤمّن روسيا تفاهماً مسبقاً بين البلدين قبل احتدام القتال.
إذا اتجه إلى الرقة أو تدمر، فمن المحتمل أن يصطدم بالولايات المتحدة التي لا تريد هزيمة نهائية لـِ»داعش» و«النصرة» قبل إيجاد تسوية للأكراد السوريين في إطار صيغة للامركزية الإدارية ترضي حكومة دمشق ولا تثير حكومة أنقرة التي تخشى من مساعي الولايات المتحدة الرامية الى إقامة دولة كردية مستقلة تتألف من أكراد سورية والعراق وتركيا.
إذا اتجه إلى محيط درعا لاقتلاع فصائل لـِ «النصرة» ولـِ «داعش» من بعض مناطق حوران ومن شريط أرضي يمتدّ على طول خط وقف النار مع الجولان السوري المحتلّ، فمن المحتمل أن يصطدم بـِ «إسرائيل» التي تقوم بدعم التنظيمات الإرهابية من أجل أن تكون لها فرصة للمشاركة في المفاوضات المرتقبة وبالتالي دور في تقرير مصير سورية.
ثم هناك الصراع المحتدم بين الولايات المتحدة وروسيا حول مستقبل كلٍّ من سورية والعراق، كما حول مستقبل علاقتهما بـِ «اسرائيل».
أخيراً وليس آخراً، هناك مسألة إعادة البناء والإعمار والإنماء في سورية والعراق. ذلك أنّ دول الخليج قد تضع شروطاً قاسية لمشاركتها في هذا الجهد الجبار الذي يتطلّب مليارات الدولارات الأمر الذي قد يضطر سورية الى اللجوء لإيران للحصول على المساعدات والقروض اللازمة لذلك. وغنيّ عن البيان أنّ الولايات المتحدة تعارض لجوءها الى إيران والصين من أجل الحصول على الأموال والتكنولوجيا اللازمتين خشية أن يؤدّي الى احتدام الصراع وإطالته حول مناطق النفوذ في سورية والعراق قبل ان يتوصل الأطراف المتصارعون إلى تسوية بهذا الشأن.
باختصار، المفاوضات مؤجلة لغاية الانتهاء من الحرب والتفاهم على ما بعدها.