تحرير حلب: أول انتصار سوري في العصر الحديث
هاني الحلبي
حلب المجد والشهب.. تبقى درة الحقب.
لم تستطع أعتى حرب في العصر الحديث شنت على دولة واحدة هي سورية أن تفقدها حلب ولا أن تطفئ نور الشهباء، ولو تضررت حجراً وبشراً وبنىً بشكل كبير إنسانياً واقتصادياً لكونها غدت مسرح قتال عنيف لسنوات، ولكون سرقة بنيتها الصناعية ومعاملها إلى تركيا، فتوقفت عجلة الإنتاج والاقتصاد في المدينة وتعرّض معالمها أثرية عدة فيها للتخريب كقلعة حلب وأسواقها الأثرية.
حلب الشهباء، منذ حوالى خمس سنوات شكلت بوصلة الاهتمام العالمي، واعتبرها المخططون أنها ضربة معلم لتكريس مخطط تقسيم جيوسياسي جديد يبدأ من سورية ويعمم في المشرق العربي. ولأنها كذلك كان يستحيل التنازل لأي جهة في العالم، عن حلب بخاصة، وتحريرها كان حتمياً، كحتمية تحرير الجغرافية السورية الطبيعية كاملة.
وقيمة حلب لميزاتها التاريخية الاستراتيجية العسكرية الديمغرافية وقيمتها السياسية والعلمية والاقتصادية في البنية السورية والمشرقية. تلك الميزات عينها التي تجعل حلب ميزان حياة وميزان حرب، جعلتها في عين الأعداء ترصد حلب لتنال منها فتختطفها بأبشع حرب كانت تحكم الحصار عليها طيلة سنوات فاختطفت أهلها وبقيت بضعة أحياء تحت سيطرة الجيش الشوري تحاول جاهدة فك الحصار عنها مراراً لتبقى متعلقة بحل صمود مرير.
تؤكد وثائق أن الشهباء تأسست كمدينة حوالى 12200 قبل الميلاد.. ومن أبرز ميزاتها:
أقدم مدينة في العالم لكونها تتوسّط بيئة نهرية خصبة معتدلة المناخ وميسّرة التواصل الأرضي لمسافات مئات الكيلومترات في محيطها.
أكبر مدينة في سورية. ناهز آخر تقدير لسكانها في العام 2004 عتبة خمسة ملايين نسمة، ينتشرون بكثافة عالية جداً بمعدل أكثر من 11 الفاً في الكلم المربع الواحد على مساحة 193 كلم مربع. هذه الميزة تجعلها قطباً استراتيجياً لمحيط يتعدّى الحدود السياسية الراهنة وتمارس تأثيرها المركزي في التفاعل القومي والاجتماعي للشمال السوري بما فيها الأجزاء المحتلة من تركيا.
عاصمة محافظة حلب، أكبر المحافظات السورية سكاناً، كما أنها أكبر مدن بلاد الشام..
أقدم مدينة في العالم، كانت عاصمة مملكة يمحاض الأمورية وتعاقبت عليها بعد ذلك حضاراتٌ حثية وآرامية وآشورية وفارسية وهيلينية ورومانية وبيزنطية وعربية إسلامية. وفي العصر العباسي برزت حلب كعاصمة للدولة الحمدانية التي امتدت من حلب إلى الجزيرة الفراتية والموصل.
حلب إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم، حيث كانت مأهولة بالسكان في بداية الألفية السادسة قبل الميلاد، حيث دلت الحفريات في تل السودة وتل الأنصاري جنوب المدينة القديمة أنها تعرضت لاحتلال في الجزء الأخير من الألفية الثالثة على الأقل. ويظهر هذا أول ذكر لحلب في الألواح المسمارية المكتشفة في مملكة إيبلا وبلاد ما بين النهرين.
تتمركز حلب عقدة تواصل تجاري استراتيجي في منتصف الطريق بين البحر الأبيض المتوسط وبلاد ما بين النهرين.
تشكل نهاية محطات طريق الحرير من طرفه الغربي الذي يتجه شرقاً عبر بلاد ما بين النهرين إلى الهضبة الإيرانية فآسيا الوسطى حتى الصين والهند. لكن بعد افتتاح قناة السويس في العام 1869 تراجعت أهمية طريق الحرير ومكانة حلب التجارية تدريجاً.
حاضنة كبرى لأهم بيئة تفاعل حضاري وبشري ديني وسياسي وديمغرافي لآلاف السنين، إذ كانت القطب الأهمّ لمدن بعدد سكان يتراوح بين بضعة ملايين ومئات آلاف عدة تنتشر حولها جنوباً حماه وشرقاً دير الزور والحسكة والقامشلي وشمالاً ماردين وديار بكر وعينتاب وأورفة وأضنة وغرباً إدلب وانطاكيا ومرعش ومرسين. فكانت الأم لعشرات المدن ترعاها بالتفاعل والقوة والنمو. هذا القطب السوري العظيم تلقى ضربة تكاد أن تكون قاصمة بعد تكريس خطط الحلفاء المجرمة إثر سقوط الدولة العثمانية العام 1916 فتم سلخ الأقاليم السورية الشمالية عن الأم الشهباء، وضمّها إلى تركيا عام 1920 باتفاق مقاصة بين أتاتورك وسلطات الانتداب الفرنسي لقاء تنازل تركيا عن مصالح في المغرب العربي فتستفرد فيه فرنسا. وهي أيضاً كانت ثالثة مدن السلطنة العثمانية بعد اسطنبول والقاهرة. كما خسرت السكك الحديدية الهامة التي كانت تصلها بالموصل.
تكاد اتفاقية سايكس بيكو أن تتركز جريمتها بأبشع مظاهرها في حلب، إذ فصلت عن العراق بإغلاق طريق الموصل، فاستبد باقتصادها كساد وتدهور كبير.
وكانت الضربة الأقسى بعد حصار الشمال وحصار الشرق هي فقدانها عام 1940 طريقها إلى أنطاكيا فالبحر عبر مرفأ الإسكندرونة.
العاصمة الصناعية لسورية، فإذا كانت حلب لم تتوفر فيها شروط وسطية العاصمة بعد التقسيم الدولي الانتدابي بالاتفاقيات، رغم كل هذه الضربات، بقيت هذه المدينة عاصمة اقتصادية لسورية، فهي تضمّ أهمّ المعامل الصناعية وهي أيضاً تشكل مركزاً للمناطق الزراعية في سورية، وخاصة زراعة القطن الضرورية لمعامل النسيج المزدهرة في المدينة. كانت حلب وريفها تعطي معظم الناتج الإجمالي السوري حتى نهاية الخمسينيات.
وعراقة المدينة القديمة في حلب فرضت نفسها على لائحة مواقع التراث العالمي اليونسكو العام 1986 لتدرج عليها. وكذلك نالت لقب عاصمة الثقافة الإسلامية في العالم العربي العام 2006.
مدينة العلماء والأفذاذ التي قدّمت لسورية والعرب والعالم نخبة غنية جداً، منهم: أبو الفرج الأصفهاني، مار مارون، ابن خالويه، أبو الفتح ابن جني، أبو فراس الحمداني، البحتري، المفكر الإصلاحي الشهيد عبد الرحمن الكواكبي، المقاوم الوطني الحقوقي سعدالله الجابري، العالم الصوفي بدر الدين حسون، ومفتي سورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون..
حلب قلعة من قلاع تاريخنا التليد ولا يمكن أن تتنازل عنها أية قيادة سورية وطنية لأي جهة في العالم، بل قيمة تحرير حلب باستكمال تحرير حاضنتها الشمالية السورية كاملة..
باحث وناشر موقع حرمون haramoon.com
وموقع السوق alssouk.net