استهداف السفير الروسي في أنقرة متّهم واحد وإلا…
روزانا رمّال
لا يمكن لروسيا أن تتعاطى مع مقتل سفيرها في انقرة بدرجة «اكبر» من تعاطيها مع حادثة اسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية – السورية وما انتج من تداعيات على العلاقة بين روسيا وتركيا بطبيعة الحال، لكن المشهد اليوم هو اكثر دقة لأن استهداف الطائرة الروسية كان بنيران تركية واضحة، لم يسع انقرة حينها إنكارها، اما ما هز انقرة وموسكو امس يؤكد أن الجهة التي نفذت العملية جهة ارهابية متطرفة.
لا يسع الأطراف المعنية في مسألة إطلاق النار على السفير الروسي في انقرة الا والتعاطي مع تفاصيلها بدقة وتحمل ما يكفي من الرهبة على البلدين اللذين لملما اوراق العلاقة بينهما مؤخراً.
تفاصيل الحادثة هي مقتل السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف، خلال مشاركته بمعرض فني لمصور صحافي في جريدة «حرييت» على يد مسلح متطرف..
الأرضية التي تغذي في تركيا هذا التطرف موجودة وبقوة منذ اندلاع الأزمة السورية وبهذا الإطار يبقى الرئيس رجب طيب أردوغان المسؤول الأول والأخير عن إشاعة أجواء ساهمت في تغذية الاحتقان الطائفي بوجه روسيا وعملياتها العسكرية في سورية بعد اعتبارها في بداية مشاركتها فيها أنها تعمل لذرائع قتال طائفية على اساس الحرب الصليبية على المسلمين.
تشهد على اردوغان في خلواته واجتماعاته بحزبه خطابات متطرفة نحو الحركة الروسية وتمسك بالغ بفرد مساحة لنشر الحركة الاخوانية منذ بدايات الحراك الشعبي في المنطقة العربية تحديداً تونس ومصر وبعدهما ليبيا، فسورية لأن الولاء الديني الذي يطغى على نمط الحكم في أنقرة بسيطرة الحزب الحاكم «العدالة والتنمية» كان يرفض أي نوع من التخلي عن مشاريع التوسع التركي في سورية الذي اعتبره اردوغان مشروعاً إسلامياً بامتياز. كرر اردوغان مرة جديدة عبارات التحدي بعد تعرّض حكمه للاهتزاز في شبه الانقلاب الذي عاشه في شهر تموز الماضي بعدما اعتبر أن الانقلابيين ينوون شنّ حرب او الانقلاب على «جيش محمد». وهو وصفة استخدمها اردوغان للإشارة الى طبيعة انتماء الجيش التركي وهويته، حسب ما يراها اردوغان كجيش يتطابق مع النظام الإسلامي الذي يحاول فرضه متحديا العلمنة في تركيا لسنوات.
أرضية التطرف التي غذاها حزب العدالة والتنمية تجعله مسؤولاً مباشراً عما آلت اليه الأمور وعن تسهيل مهمة الجاني الذي يبدو انتماؤه للتنظيمات المتطرفة بشكل مباشر «داعش» او ما يعادلها في انقرة تتحمّل مسؤولية ما جرى، وعلى أن العملية تطلب حنكة وجرأة أولاً واستخبارات ومتابعة وملاحقة ثانياً، فإنّ الاسئلة ستتوالى بالتأكيد حول المسهل للعملية ما سيطرح أسئلة عديدة على السلطات التركية التي ستجد إحراجاً كبيراً في الإجابة على اسئلة روسيا المشروعة في وقت لا يمكن المماطلة في مسألة التعاون بالتحقيق، خصوصاً بعدما تحسنت العلاقات بين تعاون في الأزمة السورية وأنتج نتيجة إخراج المدنيين في حلب قبل ساعات من إجلاء آخر إرهابي في حلب.
الثغرات الأمنية التي تعيشها تركيا واضحة المعالم بعد عجز فريق الأمن منذ فترة طويلة عن ضبط تحرك داعش في تركيا، حيث تكررت العمليات الإرهابية في مطارات ومرافق عدة.
يبدو أردوغان فاقد السيطرة تماماً في لحظة خطيرة من هذا النوع امام ما يعيشه حكمه وانتظار رد الفعل الروسي. وأبرز ما يمكن انتظاره فالإرهابي الذي يجيد اللغة التركية وهو مجنّد سابق عقد الأمر أكثر بإطلاقه شعارات تطرف إسلامية بعد تنفيذ عملية ارهابية من العيار الثقيل.
السيطرة على تداعيات الاغتيال مسؤولية كبرى، فالعملية وحدها تمثل قدرة على بث زخم أكبر لدى ما تبقى من مجموعات إرهابية في سورية والعراق عن إمكانية النجاح في تنفيذ عمليات محددة من هذا النوع، قادرة على بث الرعب في صفوف العدو، أكان روسياً أو إيرانياً أو سورياً، أو غيرهم من المجموعات التي تقاتل الإرهاب، فعملية موفقة من هذا النوع تشكل نوعاً من انتصار مؤقتاً تعيش القوى المتطرفة زهوته لوقت قصير.
الأسئلة عن القاتل كثيرة تماماً، كالأسئلة عن سبب قتله الفوري قبل التحقيق معه من قبل الأمن التركي. وهنا فإن هذا الأمر يحتمل أجوبة كثيرة أيضاً بينها أن المجرم كان مسلحاً وقد أطلق النار عليه تحسباً للمزيد من إطلاق النار من قبل سلاحه دفاعا عن النفس، ما يعني أن طلبات روسيا في مجال التحقيق ستتخذ أعلى درجاتها، وعلى تركيا مدّ كل ما أمكنها من تعاون ومساندة لموسكو وإلا «الحرب». وللحرب تفاسير متعددة وأشواط في زمن الكر والفر الذي تعيشه المنطقة.
بالعودة إلى حادثة إسقاط الطائرة الروسية في حلب، فإن رد الفعل الروسي على الإرهاب بشتى أشكاله هو واحد ويأخذ نحو المزيد من التمسّك بخيارات محاربته، أكان إرهاب «دولة» او ارهاب التكفير والتطرف. وهذا يعني أن القرار الروسي سيكون المزيد من الفتك بالجماعات المسلحة في سورية والعراق، وربما تتوسّع دائرة التغطية العسكرية الروسية مع استنفار شديد ستعيشه الديبلوماسية الروسية في كل العالم خصوصاً، أن حوادث اطلاق النار المتفرقة على ممثليات روسية ليس الأول من نوعه منذ الازمة السورية، ما اكد ان المشاركة الروسية في الحرب الروسية محسوبة تحت أي ظرف.
أخيراً متهم واحد مثل «داعش» يخفف آثار العملية وإلا تدهور أكبر وأخطر.