معركة الباب: مأزق لسياسة أنقرة في سورية
د. هدى رزق
أثمر تحالف تركيا في الشأن السوري، مع روسيا، تفاهما بين موسكو وطهران وأنقرة، من أجل تسوية النزاع القائم بعد تعاونهما في حلب. وقّعت تركيا على إعلان موسكو، الذي اعترف بشرعية النظام في سورية، برئاسة الرئيس بشار الأسد. يمكن القول أنّ هذا القبول يعتبر هزيمة سياسة لتركيا، بعد حرب استمرت خمس سنوات، كانت أولويتها ازالة الحكم في سورية وإحلال نظام سياسي بديل.
تحاول الحكومة التركية التعتيم على هذا الفشل والسعي، داخلياً، لكتابة قصة نجاح، عبر التأكيد على القتال في مدينة الباب، لمنع حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي تعتبره جزءا من حزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية الكردية، من الحصول على حكم ذاتي يمكنه من تهديد وحدة الاراضي التركية. لجأت بعد خسارتها في سورية وسقوط حلب، في أعقاب اغتيال السفير الروسي اندريه كارلوف في أنقرة، إلى الامعان في إثارة الشعور القومي، من أجل صرف اهتمام الرأي العام التركي والتركيز على الحرب التي تخوضها في الباب. واعتبارها مسالة ضرورية لحماية الامن القومي ووحدة الاراضي التركية.
يحاول الإعلام التركي التأكيد على ذرائع لوضع اليد على مدينة الباب، التي تقع على مقربة من مدينة حلب، من أجل منع إقامة ممر كردي متاخم لحدود تركيا مع سورية. حتى أنّ رئيس الحركة القومية، كان قد شدّد على أن عودة تركيا خالية الوفاض من عملية الباب، سوف يضع ديار بكر في خطر ويعرّض أمن أنقرة. أصبحت مدينة الباب مصدر التقديرات الاستراتيجية. السبب الاساسي وراء التركيز على الباب، هو الحصول على نصر في الموضوع الكردي وليس قتال «داعش».
يخشى في أعقاب التفوق السياسي والعسكري الروسي وتطهير شرق حلب من العناصر المسلحة المدعومة من انقرة واستياء أردوغان من الدعم الأميركي لوحدات الحماية الكردية، من أجل القتال في الرقة، أن تتحوّل هذه القوات إلى هاجس غير عقلاني، لا سيما مع عدم وجود استراتيجية لدى انقرة للخروج من سورية. ما يمكن أن يؤدي الى انجرار تركيا إلى مستنقع يؤدي الى خسارة مزيد من الجنود الاتراك.
كانت تركيا، في البداية، قد صرّحت وبوضوح، أنّ هدف عملية درع الفرات في سورية، هو وحدات الحماية الكردية، التي تعتبرها ارهابية، مع أنّ واشنطن لا تعتبرها كذلك. صحيح أنّ الولايات المتحدة قدّمت في البداية، الدعم الجوي للقوات التركية ولـ»الجيش الحرّ» عندما تحركت للقبض على جرابلس ودابق من يد «داعش»، من دون فقدان الضحايا من قواتها ومن «الجيش الحر». في الوقت الذي تقبض فيه قوات سورية الديمقراطية، التي تتألف باغلبها، من مقاتلي وحدات الحماية الكردية، على بلدة منبج، مدعومة أيضاً، من الولايات المتحدة. لكنها مع إصرار أردوغان على الوصول الى منبج، بعد عملية الباب، ليست مستعدة لمساعدة تركيا في معركتها هذه. وترى أنّ أردوغان يحاول أن يستفزها ويحاول تغيير خططها.
وهو بطلبه المساعدة من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، لضرب «داعش» من أجل التقدم «لتحرير الرقة»، عوضاً عن الاستعانة بقوات سورية الديمقراطية، لا يعني أن واشنطن ستحجم عن الامر. فهي ساعدته لكي يتقدّم من 12 الى 20 كلم في عمق سورية، من اجل أغلاق الطرق المؤدية الى الحدود التركية، من أجل حمايتها. لكن تركيا ذهبت أبعد من ذلك وعطلت خطط الولايات المتحدة للهجوم على الرقة. لن تساعد واشنطن تركيا في مسعاها في الباب. من اجل ذلك، قام اردوغان باتهام الغرب والولايات المتحدة بدعم ارهاب «داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي» وهو يحرّض على ادارة اوباما في الداخل التركي، فيما يقوم الاعلام الموالي له بشيطنة الولايات المتحدة. أما روسيا، فهي لن تقدم الدعم العسكري لتركيا في الباب، على الرغم من التعاون الدبلوماسي بين البلدين في سورية، فالدعم الروسي لعملية درع الفرات محدود ويتوقف بالنسبة لها على محاربة داعش» وليس على ملاحقة تركيا للمجموعات الكردية، او الوقوف في وجه الجيش السوري، لا سيما أنها منعت الطائرات المقاتلة التركية من التحليق فوق الباب.
أما سورية، فهي حريصة على وضع يدها على مدينة الباب. ويقول بعض المحللون أنّ النظام في دمشق لا يريد احتلالاً تركيا لمدينة الباب.
عدم قدرة تركيا على ضمان مساعدة روسيا لها ضدّ اكراد مع انها لا تدعم الحكم الذاتي الكردي، يؤرقها، لا سيما انّ المسؤولين الروس يرون إنه من الضروري ان يكون للأكراد صوت في أي تسوية في سورية..
الرهان الاساسي لأنقرة اليوم، يتركز على الرئاسة الأميركية الجديدة، اذ لديها توقعات كبيرة من ترامب. وهي تستعدّ لعهده وتثمّن موقفه في التركيز على مكافحة الإرهاب. وترى أنّ ترامب سينصت الى وجهة نظر تركيا، التي تتطلع الى بداية جديدة في العلاقات التركية الأميركية. فالحكومة التركية تتهم إدارة أوباما بالتورّط في محاولة انقلاب 15 تموز، بهدف الإطاحة بأردوغان. وترى أنّ رفض واشنطن تسليم فتح الله غولن، هو إمعان في الوقوف ضدّ شخص أردوغان.