ترامب ـ بوتين.. تحولات النظام الدولي
نظام مارديني
شكلت الأزمة السورية أحد التجليات العميقة للنظام الدولي الذي كان مهيمناً بقيادة الولايات المتحدة، ومع بدء العدّ التنازلي لهذه الأزمة بانتصار محور المقاومة، المتزامن مع قرب تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، يكون العالم قد دخل لحظة الترقب للأفعال التي أطلقها خلال جولاته الانتخابية والتي ستمثل تغييراً كبيراً في السياسة الخارجية الأميركية، ولعل أهم تلك التغييرات ما أعلنه عن إصلاح العلاقات مع روسيا والرئيس فلاديمير بوتين.
وجدير بالذكر أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أراد وداع العام الحالي بحزمة تعقيدات وضعها أمام ترامب في ما يخص العلاقات مع موسكو، وذلك من خلال طرد 35 ديبلوماسياً روسياً، وهذا السلوك «الأوبامي» يرجع إلى العداء والتخبّط في المصالح مع بوتين الذي أضعف دور الولايات المتحدة في المنطقة وأعلن نوعاً من التوازن الدولي على الصعيد العالمي من خلال شبكة تحالفات وتجمعات دولية تبدأ بـ «البريكس» و«شانغهاي» وتنتهي في حلف «أوراسيا» الجديد، الأمر الذي وصفه المراقبون بأنه أشبه بحرب باردة جديدة، عنوانها الأساسي ما يجري في سورية والمنطقة راهناً، وهي ستكون أبرز تحول للنظام الدولي الجديد الذي بدأت ملامحه تظهر مع عودة المدن السورية الكبرى إلى كنف الدولة السورية، ولعل حلب كانت النقطة الفاصلة التي أطلقت التحولات ودفعت نحو الاتفاق لوقف إطلاق النار في الأراضي السورية كافة، رغم ما يشوب هذا الاتفاق من عدم توازن يتناسب مع انتصارات الجيش السوري وحلفائه في معارك الميدان.
إن إعادة توحيد مدينة حلب، التي كان يراد لها أن تكون منطلقاً لتقسيم سورية، فتح الباب أمام إشباع الحاجات الأساسية لملايين السوريين الذين عانوا من بطش الجماعات الإرهابية تلك التي خرجت من عنق التاريخ الوهابي البدائي.
وهنا لن تتناقض توجّهات الإدارة الأميركية برئاسة ترامب مع التوجهات الروسية في سورية والمنطقة. فأولوية المواجهة بالنسبة لترامب هي مع «الخطر الإسلامي» الذي يقتضي وقف التركيز على روسيا بأنّها الخطر الأول على دول الغرب، وهو الأمر الذي أشاعته إدارة أوباما. وربما سنسمع تبريرات من إدارة ترامب لهذا التحول في الموقف من روسيا بالقول إنّ أميركا والغرب عموماً تعاونوا مع موسكو الشيوعية لمواجهة النازية في الحرب العالمية الثانية، فلِمَ لا يكون التعاون الآن في مواجهة «الإرهاب»؟ ولذلك يتطلع ترامب الى إقامة تحالف دولي، إنما على أسس جديدة، فالحلفاء المحليون عليهم أن يبذلوا أكثر مما يفعلون اليوم. وهذا ينطبق على مشيخات الخليج التي عليها أن تدفع مساهمات مالية مقابل استمرار حمايتها وكذلك عليها أن تسهم في دعم مجهود الحرب على الإرهاب.
ولكن العقبة المنتظرة هي التي لدى أردوغان والتي ستكون في خياراته، إذا واجه من الإدارة الأميركية الجديدة، وعقدة أردوغان الراغب في هزيمة الإرهاب بعد اتفاقه مع موسكو وطهران، هذه العقدة ستهدف اولاً إلى كبح جماح الأكراد قبل كل شيء. ويرى المراقبون أنه لو خيّر أردوغان بين هزيمة «داعش» وكبح الأكراد لأختار الثاني .
ويبدو أن جزءاً رئيساً من استراتيجية ترامب في سورية هو إعطاء روسيا مزيداً من المرونة في سعيها لفرض الاستقرار في المنطقة، وقد قال إن موسكو ربما يكون وضعها أنسب لإحداث تغيرات في الشرق الأوسط من الولايات المتّحدة.
مهما يكن فإن ترامب ملتزم بإحداث تغييرين رئيسين في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، وهما العمل مع روسيا ضد الجماعات الإرهابية، والتراجع عن الاتفاق النووي مع طهران.. فهل سيصطدم الرئيس الأميركي الجديد مع حلفائه الغربيين في الشأن الإيراني؟