الإنذار الأميركي لإيران
ناصر قنديل
– يمكن القول مع تصديق الكونغرس على اعتماد وزير الخارجية الأميركية الجديد ريكس تيليرسون يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أكمل تشكيل فريقه الرئاسي، وبالتالي يمكن القول إيضاً إن ترامب قد اختبر مع قرار منع رعايا البلدان السبع التي شملها قراره مدى قدرته على السير بشعبوية بياناته الانتخابية كبرنامج عمل لولايته الرئاسية، وحجم التعقيدات التي ستواجهه وتنفجر بوجهه إذا مضى في هذا السبيل، وها هو أمام وضع أميركي داخلي لا يُحسد عليه من الزوايا الإعلامية والشعبية والقانونية، وأمام حملة احتجاج خارجية سببت انفكاك حلفائه من حوله وتبرُّئهم من سياساته، من بريطانيا إلى فرنسا وانطلاقاً من الجار الأقرب كندا الذي لم يشق عصا الطاعة يوماً على قرار أميركي.
– رقعة الشطرنج الدولية على طاولة ترامب تحفل بالملفات، لكنها تحفل بالمطبات والفِخاخ، فالبحث عن إنجاز لا يبدو متوفراً بقرار، والقرار الذي يحتاجه ترامب يجب أن يحقق له هدفين معاً، أن يُشغل الناس عن عشوائية ما ارتكب بإحراءاته المتسرّعة، وأن ينسجم مع صورة الرئيس القوي التي أرادها لنفسه، ولا فرصة لفعل ذلك تحت عنوان إنشاء المنطقة الآمنة في سورية، وفقاً للتوصيف السابق والرائج لها كمنطقة حظر جوي، تتضمّن مجازفة بصدام عسكري مع سورية، سرعان ما قد يتحوّل لصدام مع روسيا، وهو ما قاله سابقاً رئيس أركان الجيوش الأميركية مارتن ديمبسي أمام الكونغرس، وما يقلب جدول أعمال ترامب القائم أصلاً على البحث عن عمل مشترك مع روسيا في العديد من الملفات، التي اعتبر الفشل الأميركي فيها عائداً خلال الإدارة السابقة، لتجنبها التعاون مع روسيا، أما نقل السفارة الأميركية إلى تل أبيب فسيريح علاقته بحكومة الاحتلال ومناصريها في أميركا وهم كثر وعابرون للحزبين الجمهوري والديمقراطي، وفاعلون إعلامياً، وسيتكفّلون بتسويق صورته داخل الحدود الأميركية، لكن النتيجة السياسية ستعقد عمل أي إدارة أميركية على ملفات السلام، وتُحرج كل عرب أميركا، عدا عن السلطة الفلسطينية، وتتكفّل بإنتاج مناخ عربي إسلامي ملتهب بوجه أميركا يُضاف لقرار المنع ولا يحجبه، بل يتغذّى به ويفعّل الحملة عليه باعتبار القرارين تعبيراً عن عنصرية معادية للعرب والمسلمين، وبالنسبة لـ«إسرائيل» سيكون الربح إعلامياً وسياسياً، لكنه ميدانياً سيكون ورطة تفجّر الشارع الفلسطيني المشتعل أصلاً. فماذا تبقى من الملفات التي يمكن لها أن تطغى على الفشل الذي يصيب صورة الرئيس في أول أيامه، ويشدّ عصب جمهوره وحلفائه، ويُري «إسرائيل» فيما هو أهم، ومعها يشكل رأس جسر لتقديم صورة الرئيس القوي ولو تفاوضياً، ليس هناك إلا إيران.
– تفيد المعلومات الواردة من اليمن أن القضية بدأت عند القيادة العسكرية الأميركية وتكتل الصناعات الحربية مع تدمير البارجة السعودية التي أصابها الصاروخ الذي أطلقه عليها الجيش اليمني واللجان الشعبية، هي من المدمّرات الأميركية المتطورة التي حصلت عليها السعودية حديثاً، وتضاهي مكانة ساعر «الإسرائيلية» التي فجّرتها المقاومة في حرب تموز 2006 قبالة شواطئ بيروت. وتقول المعلومات إن البارجة تفجّرت بالكامل وقتل على متنها قرابة مئتي عسكري وملاح وتقني، وإن بينهم أميركيين، وإن التوتر الأميركي بهذا الصدد يفوق التوتر في قضية تجارب الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي يعرف الأميركيون أنها خارج التفاهم على الملف النووي، ويعرفون أن كلام الرئيس ترامب الذي لم يتوقف أمامه الإعلام الأميركي ملياً عن هذا التفاهم، في ما نشر عن الحديث الهاتفي بين ترامب والملك السعودي شكل تراجعاً نوعياً عن خطابه الانتخابي، حيث حل الحديث عن التطبيق الصارم للاتفاق بدلاً من إعادة النظر فيه.
– يخطو ترامب ومستشاره لشؤون الأمن القومي مايكل فلين خطوة أولى نحو التصعيد مع إيران، بالحديث عن إنذار ينطلق من حادث يعرفون أنه صعب التكرار، كتفجير المدمّرة السعودية، أو ساعر السعودية، كما يسمّيها اليمنيون، ويصعب محاسبة إيران عليها قانونياً، ولو قال الأميركيون إن الحادث بقيادة إيران وإشرافها وتسليحها، بينما في شأن التجارب الباليستية الصاروخية فيعرف الأميركيون أن إيران لن توقفها، وأن رفع الموقف منها لمستوى الإنذار يستدعي الجهوزية لترجمة هذا الإنذار مع أول تجرية مماثلة جديدة، وهي آتية حكماً. فهل سيلجأ ترامب وفريقه للعقوبات أم للرسائل العسكرية في هذه الحالة؟ هذا هو التغيير الذي يمكن أن يقدّم صورة جديدة، وكل شيء يقول إن التصعيد الإعلامي سيركز على البحر الأحمر في ضوء تدمير ساعر السعودية لتفادي المواجهة العسكرية، ونقل الحديث عن التجارب الباليستية إلى سجل الحديث الدبلوماسي التصعيدي والعقوبات تفادياً لمواجهة تعرف إدارة ترامب أن سبب عدم سير من سبقه إليها ليس التخاذل بل العجز.
– حتى يحدث ما يستدعي اختبار معنى كلمة الإنذار الأميركي وترجمته، يكون ترامب قد أشعل ما ينتج الدخان الكافي لحجب سحب التفاعلات الناجمة عن قراره الخاص بمنع رعايا الدول السبع، تلك أولى نصائح مايك فلين، نوجّه الرسالة القوية، ونرضي الحلفاء في الخليج و»إسرائيل»، ونجذب إيران لجدية التعامل معنا، ونتخطى أزمة الرعايا بدخان التصعيد.