إيران تختبر الباليستي وترامب معاً الحصار الثاني أو الحرب…!

محمد صادق الحسيني

ليست المسألة متعلقة بالرئيس «ترامب الظاهرة» فعلاً أنها مسألة أميركا المهزومة من قبل الخميني في أكثر من معركة على مدى 38 عاماً متتالية…!

ليست المسألة متعلّقة بقرارات محاربة «الإسلام الراديكالي» أنها «الحرب الثالثة» التي تحضّر ضد المقاومة للانتقام لأميركا التي هزمت هي وأسطولها «الإسرائيلي» هزيمة قاسية على اليابسة الفلسطينية في العام 2006 م. حرب الـ33 يوماً ..!

ليست المسألة متعلقة بالتجربة الصاروخية الإيرانية ومدى تعارضها مع قرار مجلس الأمن الذي ألحق بالاتفاقية النووية. إنها مسألة الحصار الثاني الذي أعدّ ضد إيران منذ أن اكتشفوا أن «إيران الدولة» المنشودة لن تكون الأرض الخصبة التي منها يتسلّلون إلى عرين الثورة الإسلامية ليسقطوا القلعة من الداخل…!

مشكلة ترامب أنه يحبّ الضجيج وسيفضح الجميع، ولن يترك أحداً بعد اليوم يتغطى بأي قناع، سيلعب على المكشوف ويكسر كل قواعد «التكاذب المشترك» التي كانت متبعة ايام اوباما – جون كري…!

اذا كانت اللعبة حتى الأمس القريب هي لعبة جون كري – جواد ظريف، فإنها من الآن فصاعداً معركة الفيل الأميركي والأسد الإيراني، الأسد الذي ليس فقط بتر خرطوم واشنطن الممتد في غرب آسيا كلها، بل إن تأثيره وصل إلى جسم الفيل الذي صار مهدّداً بالتفتيت والتشرذم والانشطار…!

لقد اْنهكت الإمبراطورية تماماً وشاخت وباتت على شفا حفرة من «البروسترويكا»…!

أياً كان الفائز بالدخول إلى البيت الأبيض غير ترامب كان سيلجأ إلى مثل هذه القرارات التي مهّدت لها بالأصل الإدارة الديمقراطية الراحلة بامتياز…!

ولكن دعونا نركز على المنظومة الصاروخية التي تتخذها الإدارة الأميركية الجديدة الآن ذريعة للتغطية على ضعفها وهوانها وعجزها في مواجهة النفوذ الإيراني إلى قلوب سكان كل ما يسمّيه الأميركيون بالشرق الأوسط أي قلب العالم العربي والإسلامي ، فماذا تريد واشنطن أن تقول لشعوب المنطقة بتحرّكها الجديد ضد إيران من هذا الباب…!؟

إنها تريد أن تقول، لقد فشلنا فشلاً ذريعاً في كسر هذا الرقم الصعب حتى الآن رغم كل سبل الحصار التي اتبعناها، وأخيراً فشلنا أيضاً في التسلل إلى مطبخ صناعة القرار الإيراني من بوابة الاتفاق النووي، بعد فشل الحصار الأول الطويل والناعم كما كنا نأمل، والآن سيبدأ الحصار الثاني لكن هذه المرة القصير المدى والسريع والعنيف، إذا لزم الأمر…!

والحجج والذرائع جاهزة، التسلح الصاروخي الإيراني الذي يشكل خطراً على أمن مدللتهم «إسرائيل» ودعم طهران للمقاومات العربية الذي يشكّل خطراً على الأنظمة الحليفة والتابعة، والنظام الإسلامي القائم في إيران ولاية الفقيه والذي يشكل بدوره، حسب زعمهم خطراً على ما يسمونه «حقوق الإنسان» الأقليات العرقية والطائفية والمذهبية أو ما اعتادوا على إشاعة تسميته بـ«المكونات» منذ غزوهم المتوحّش للعراق…!

هذا هو ما اتفقت عليه الحكومة الصهيونية العالمية التي تُمسك بتلابيب الإدارات الأميركية المتتالية، مع قاعدتها المتقدّمة المعروفة بـ«إسرائيل» والتي هي أحد أساطيل أميركا على اليابسة الفلسطينية…!

إن اندفاعة حكومة الظل الأميركية الرأسمالية إلى واجهة الإدارة بقيادة دونالد ترامب بديلاً عن الدولة الأميركية العميقة التقليدية في هذه اللحظة التاريخية، إنما تأتي من باب الضرورات تبيح المحظورات، وذلك حفاظاً على جوهر أميركا التي باتت مهدّدة بالتقهقر واحتماليات الأفول وربما الزوال من المسرح الدولي، ما يتطلب «بروستريكا أميركية» قبل فوات الأوان، والمرشح المثالي للعب مثل هذا الدور ليس سوى دونالد ترامب…!

يكتب ايد كيلغور في «نيويورك مغازين» مشيراً إلى تحوّلات حراك الانفصال لبعض الولايات الأميركية بالقول:

«إنها ليست مظاهر مضادة للعنصرية الترامبية الرجعية فقط، بل هي مظاهر الغضب المكبوت لدى قطاعات واسعة في المجتمع الأميركي، بسبب التمييز والتشقق العميق حقاً، والذي إذا خمد اليوم، لكنه سيعود للظهور مجدداً بصورة غدة سرطانية لا بد أن تنفجر يوماً…!

إذاً، هي ليست مشكلة قرارات متهوّرة لرئيس أميركي ضد بعض الدول الإسلامية، وليست مزاجاً عصبياً لرئيس متفاوت عن سائر الرؤساء، وليس جدار برلين جديداً، مع المكسيك…!

إنها عوارض الشيخوخة المبكرة ومظاهر الهزيمة النكراء التي أصيبت بها الإمبراطورية الأميركية التي أرادت يوماً أن تحكم العالم بشكل أحادي، فيما هي اليوم مضطرة للجوء إلى ما هو غير معتاد تقليدياً وهو الانكفاء نحو قومية «أميركا أولاً» الخليطة من الفاشية والنازية معاً. وهو رد الفعل الطبيعي جداً على تناوب الجمهوريين والديمقراطيين على الفشل وتجرّع السم على بوابات وتخوم وأسوار حواضرنا وعواصمنا المقاومة. الأمر الذي يبشر بقدوم ما هو أكثر إيلاماً للأميركيين، حيث ينتظر أميركا سفر آخرتها بعد أن خسرت سفر قيامتها الصهيونية الأولى…!

ومن الآن إلى حين تبلور هزائم أميركا الجديدة على أكثر من ساحة وميدان، قد يأتي يوم نرى فيه أميركا تعود إلى أجواء 1861 وائتلاف الجنوب الذي تشكل يومها مطالباً بالانفصال لسبع ولايات، وليس فقط كاليفورنيا وحدَها التي تطلق اليوم مجدداً صفارة انطلاق مسابقة تفكّك وتشرذم وتشظي الولايات المتحدة الأميركية والذي قد يُفضي إلى تداعيات تجعلنا نقول كانت يوماً دولة اسمها أميركا…!

ولمن فاتته المتابعة الدقيقة فإن نتن ياهو كتب على صفحته في الفيس بوك: إن تجربة إيران الصاروخية نقض فاضح للاتفاق النووي، وأنا ذاهب للقاء ترامب نهاية هذا الشهر لأطلب منه إعادة فرض حصار شديد عليها…!

يبقى الأهم بأن مؤسسات الإعلام الغربي، لا سيما الأميركي منه، تعتبر أن إيران نجحت هذه المرة ليس فقط في إجراء تجارب صاروخية جديدة بامتياز، بل وأجرت تجربة ناجحة على سلوك ترامب المجهول عندما أخرجته عن طوره مبكراً، وجعلته وإن لم يكن قادراً على تمزيق الاتفاق النووي، لكن إنهاء مفعوله عملياً، وهو ما حذّرنا منه طويلاً، كما تقول «الأميركان انترست»، لأنه سيطلق يد إيران في المنطقة أكثر من ذي قبل…!

اترك تعليقاً

Back to top button