قانون الانتخاب… بين الثرثرة الانتخابية وحرب التحرير السياسية
هتاف دهام
لم تتّضح بعدُ ملامح القانون الانتخابي الجديد. لم تُحرز النقاشات الدائرة كلّها أيّ تقدّم يُذكر. تعهُّدُ أعضاء اللجنة الرباعية في الاجتماعات المغلقة بالتكتم عن الاقتراحات المقدمة للبحث بينهم وعدم التداول بها في الإعلام، تمحوه تسريبات المتضرّرين من بعض الأفكار المطروحة الهادفة إلى إيجاد قانون يبدّد هواجس القلقين على مصير زعاماتهم وتأثيرها في أحجامهم، ويؤمّن في الوقت نفسه إلى حدّ ما صحة التمثيل وعدالته.
لم تخطُ رباعية التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل خطوة إلى الإمام. سقطت سريعاً غالبية الصيغ المختلطة بمجرّد رفضها من مكوّن واحد أو إدخال تعديلات دفعت إلى نسفها.
محاولات أعضاء اللجنة كلّها التقريب بين وجهات النظر والوصول إلى رؤى جامعة للاتفاق على قانون جديد، لا تزال تراوح مكانها.
اللافت حتى الساعة، تُخبُّط المعنيين بجدل بيزنطي وبثرثرة انتخابية، رغم إصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إجراء الانتخابات النيابية وفق قانون جديد وتهديده يوم الجمعة الماضي بإمكانية اللجوء إلى الاستفتاء، إذا استوجب الأمر.
لا تستطيع القوى السياسية إجبار الرئيس عون العدول عن كلامه وتوقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لاعتماد الستين.
الانتخابات، وفق رئيس مركز بيروت للدراسات والإبحاث عبدو سعد، يجب حصولها في 21 أيار. فإذا اتفقت المكوّنات السياسية قبل يوم واحد من موعد الانتخابات، يمكن للمجلس النيابي أن يُقرّ الاقتراح في اليوم التالي ويوافق على التمديد تقنياً للمجلس.
يرفض سعد في حديث لـ«البناء»، التهويل بمدة الأيام العشرة الفاصلة عن تاريخ 21 شباط. يؤكد في الوقت نفسه، أنّ فشل اللجنة الرباعية، سيأخذ البلد إلى الفراغ وليس إلى الستين. لو اجتمعت القوى السياسية كلها على إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ، فلن يقبل رئيس الجمهورية إلا بقانون جديد. لن يطيح قَسَمه وما وعد به اللبنانيين، حتى لو دخل البرلمان في فراغ، لا سيما أنّ مطلبه ليس مطلباً شخصياً، إنما هو مطلب الـ85 من اللبنانيين.
من المستحيل عند سعد، العودة إلى الستين. لا يتصوّرنّ أحدٌّ أنّ رئيس الجمهورية سيتراجع عن موقفه. يملك الرئيس عون وحدَهُ المفتاح. سيتصدّى للأفرقاء السياسيين كافة. لن يقف مكتوف اليدين. سيقصف بالمدافع السياسية القوى المتسلّطة على الشعب اللبناني، وسيقوم بحرب تحرير سياسية ضدّ تسلّط الشبكة الحاكمة .
للأسف، يقول سعد، لا يستطيع فخامة العماد إحداث نقلة نوعية في قانون الانتخاب، لكن الأكيد أنّ بمقدوره إخراج الانتخابات من دائرة قانون الستين.
لا يُعطي رئيس مركز بيروت للدراسات، أهمية لخطر الفراغ في المجلس النيابي. برأيه، تقاعَسَ البرلمان عن دوره منذ عام 1943. بدءاً من مهامه في جانب التشريع، الرقابة والمساءلة وصولاً إلى المحاسبة الجِدّية، لكنه للأسف لا يقوم بها إلا موسمياً.
يدعو سعد، الخائف من الفراغ إلى استعجال إقرار قانون انتخاب جديد، متسائلاً هل يستطيع تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي العيش خارج السلطة؟
يطالب مدير مركز بيروت للأبحاث بقانون انتخابي يقوم على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة وفق النسبية. إجراء الانتخابات بقانون كهذا، من شأنه أن يُنتج كتلة نيابية من 13 و14 نائباً تحاكي طموحات وتطلعات الناس من أمثال الوزير السابق شربل نحاس والنائبين السابقين عصام نعمان ونجاح واكيم.
يرفض سعد اقتراحات المختلط ذات المعايير المزدوجة أو أية اقتراحات أخرى تتضمّن الأكثري، إلا إذا كانت على أساس الصوت الواحد. أيّ مشروع أكثري هو سيّئ، كحال النسبية من دون الدائرة الواحدة.
يُفضّل سعد «الستين» على المختلط الهجين. صيغ المختلط قيد البحث هي بمفاعيل أكثري. لن تأتي بنائب واحد من خارج الاصطفافات الكبيرة. وحدَها الأكثريات الحالية تمثَّل، أما الأقليات فتبقى خارج الندوة البرلمانية.
تكمن المشكلة، وفق سعد، في أنّ أحداً لا يطالب بجِدّية بالنسبية الكاملة مع دائرة واحدة. حزب الله يتمنى ذلك، لكنه لا يتبنّى اقتراحاً كهذا، لأنّه سيصطدم مع قوى سياسية أخرى. هموم حزب الله عالمية. لن يفتعل مشاكل في لبنان. لديه قضية كبرى بحجم الإنسان.
يرفض سعد، مبدأ التوافق. الحكم بالتوافق بدعة وهرطقة. قانون الانتخاب يحتاج إلى النصف زائداً واحداً في البرلمان. لكن الرئيس بري أعلن صراحة أنّه لن يسير بقانون انتخاب يعارضه مكوّن سياسي واحد، في حين أنّ المنطق يقول بضرورة الاحتكام إلى الدستور.
رغم أنّ مختلط التيار الوطني الحر سقط وتمّ إلحاقه بالصيغة الثلاثية والمختلط الذي تقدّم به رئيس المجلس النيابي، إلا أنّ مدير مركز بيروت للدراسات يميّزه عن اقتراحَي عين التينة من جهة ومعراب وكليمنصو وبيت الوسط، من جهة أخرى.
وجهة نظره، تقول إنّ مصدر قوة الاقتراح الذي تقدّم به الوزير جبران باسيل تكمن في اعتماده على المعيار الواحد للأكثري والنسبي. تُعطي هذه الصيغة المسيحيين 53 مقعداً، وهذا لا يتحقّق إلا بالنسبية الكاملة.
إنّ تراجع هذا الاقتراح مردّه، يقول سعد، دخول تيار المستقبل للغرف الضيقة وقلب المعايير استنسابياً لصالح مقاعده من جهة، وإرضاء للحزب التقدمي الاشتراكي من جهة أخرى، إلى حدّ أنه بات أكثر تشوّهاً من أيّ مشروع مختلط آخر.
لا تحظى الطائفة الدرزية بنسبة 65 في أية دائرة في لبنان، وفق إحصاءات مدير مركز بيروت للدراسات. لكن وقوفاً على خاطر النائب وليد جنبلاط أحيل المقعد الدرزي في بيروت على الأكثري في حين أنّ عدد الدروز لا يتجاوز 2 . وكذلك الأمر مع المقعد الدرزي في البقاع الذي أحيل إلى الأكثري، وكذلك الحال مع المقاعد في الشوف وعاليه.
يسأل سعد أين المشكلة في خسارة الحزب التقدمي الاشتراكي بعض المقاعد، إذا تمّ اعتماد النسبية في الانتخابات؟ مقعد وزير المهجرين طلال ارسلان ليس له. وهناك أيضاً 4 نواب في عاليه الشوف ليسوا له، ما يعني أنّ النسبية لن تخسره أكثر من ذلك، وبالتالي المشكلة تدور حول الزعامة.
كلّ التشوّهات التي أحاطت بالصيغة الباسيلية دفعت الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل إلى رفضها. لا يسيء هذا الاقتراح إلى تمثيلهما. أيّ قانون كيفما تمّ تفصيله فلن يُضرّ بالطائفة الشيعية لسبب بسيط أنها تتمتع بتمركز ديمغرافي كبير جداً . يأتي الشيعة بنحو 21 مقعداً بقوتهم الذاتية. مقاعدهم كلّها على النسبية لا ضير في ذلك. ما يهمّ حزب الله حلفاءه. ينظر إلى أيّ اقتراح انتخابي من زاوية ما سيحققه من صحة تمثيلهم بعدالة.
وإذا كانت صيغة وزير الخارجية تؤمّن دخول 53 نائباً مسيحياً للندوة البرلمانية من خارج كنف اللقاء الديمقراطي وتيار المستقبل، فإنّ آخر اقتراح طرح في اللجنة الرباعية على قاعدة 75 أكثري على مستوى الأقضية و53 نسبي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة يُعطي المسيحيين 50 نائباً.
ينظر سعد إلى مختلط 75 أكثري و53 نسبي على أنه مشروع خلاّق يعتمد معياراً واحداً. ينتخب في الدوائر التي تضمّ 3 نواب وما فوق، ثلاثة على الأكثري والباقي على النسبي. أما الدوائر التي تتألف من مقعدين أو ثلاثة مقاعد فتبقى على حالها على غرار بشري البترون وصيدا وزغرتا وجبيل وجزين وبنت جبيل. أهمية هذه الصيغة، وفق سعد، أنها تعتمد الدائرة الواحدة على أساس النسبية وتضمن فوز حلفاء حزب الله من الأحزاب الوطنية والمعارضة السنية. الدائرة الواحدة تُفسح في المجال للأحزاب الوطنية والأقليات السياسية أن تتمثل في حين أنه يستحيل عليها ذلك في إطار المحافظات. وفق مدير مركز بيروت للدراسات، الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي من الصعب أن يتمثل في المحافظات إلا بتحالفاته، يتمثل في الدائرة الواحدة بقوته الذاتية، لأنه منتشر في المناطق اللبنانية كافة.
ما يهمّ التيار الوطني الحرّ هو تحرير المقاعد المسيحية، من زاوية أنّ القوى السياسية من الطوائف الأخرى تحافظ على حصصها. ينظر العونيون، وفق سعد، إلى استرجاع 50 أو 53 مقعداً مسيحياً من الاحتلال القائم إنجازاً كبيراً. يتطلّع هؤلاء، إلى عامل في السنوات المقبلة لتمثيل الأقليات، لأنّ المجلس النيابي الذي سينتخب في 2017 ستؤيد أكثريته النسبية وعندها لن يكون من الصعب إقرار قانون قائم على النسبية الكاملة.
لا يُلغى تيارُ المرده، بحسب سعد، أياً كان شكل القانون. وضعيته تشبه وضعية الطائفة الشيعية لناحية تمركزه في زغرتا. لذلك لا يُغبَن، على عكس حزب الكتائب الذي لن يتواجد في البرلمان إذا اعتمد النظام الأكثري وبقي خارج التحالف العوني القواتي.
تحالف التيار الوطني الحر القوات، من وجهة نظر سعد، تحالف موضعي. يتحالف «البرتقالي» مع «الزيتي» حيث هناك حاجة مشتركة في بيروت الأولى، زحلة، البترون، والكورة. وربما تتخلّى الرابية عن مقعد لصالح معراب في كسروان لتضمن الخمسة، وقد تترك لمرشح الحكيم مقعداً في المتن الشمالي لأنها بحاجة إلى حليف.
يتوقع سعد تشكيل ائتلاف واسع في زحلة من حزب الله، تيار المستقبل، التيار الوطني الحر، الكتلة الشعبية، حزب القوات، وحزب الطاشناق.
أما في الكورة، فمن الصعب جداً، يقول سعد، أن يخرق تحالف القوات والتيار الوطني الحر في وجه تحالف تيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب فريد مكاري.
ورغم ذلك، لدى التيار الوطني الحر هامش أوسع من التحالفات أكثر من حزب القوات. في المتن الشمالي على سبيل المثال، إذا لم يتحالف مع حزب القوات لديه مروحة واسعة من البدائل، من الممكن أن يتحالف مع «القومي» والنائب ميشال المر والطاشناق الحليف الثابت والراسخ للرابية، لا سيما في الوقت الراهن نظراً إلى علاقة الطاشناق التاريخية برئاسة الجمهورية.
وبانتظار ما سترسو عليه اللجنة الرباعية على ضوء اجتماعات خبرائها التقنيين، فإن مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بحسب ما يؤكد، سيُعاد طرحُه من جديد. هذا المشروع يتبنّاه حزب الله علنياً. بتقديره، إذا رُفض النقاش في التأهيل على أساس القضاء والنسبية الكاملة على أساس المحافظات وفق عتبة التأهيل بنسبة 10 ، سيعود النقاش إلى مشروع حكومة ميقاتي.