لبنان يقاوم الإغراءات السعودية
د. وفيق إبراهيم
يقدّم الوزير السعودي تامر السبهان في جولته اللبنانية إغراءاتٍ اقتصادية لجذب لبنان إلى محور أميركي جديد، يضمّ إلى جانب الرياض، الأردن وتركيا بخلفيّة «إسرائيلية». وتتراوح عروض السبهان بين مساعدات اقتصادية وعسكرية مع فتح الطريق لإعادة كلّ السّياح الخليجيين إلى لبنان، وشرطه الوحيد تكوين حلف بين أحزاب المستقبل الحريري والوطني الحرّ العوني والحزب التقدّمي الاشتراكي الجنبلاطي وحزب القوّات الذي يترأّسه سمير جعجع والكتائب المعهودة لآل الجميّل، وبذلك يجري عزل حزب الله على المستوى السياسي ومعه حركة أمل إذا لم تبادر إلى تغيير ولاءاتها السياسية.
هذا بالإضافة إلى الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية التي تُعامِلُها مبادرات السبهان على أنّها حليفة أساسيّة لسورية وحزب الله… وهكذا يتشكّل فريق لبناني سعودي الهوى، تكون مهمّته الأساسية التعرّض للدور الإقليمي لحزب الله وتصويره على أنّه خارج عن الإجماع الوطني اللبناني، الأمر الذي يؤدّي إلى إثارة مناخات أمنيّة معادية لتحرّكات الحزب بين لبنان وسورية، وربما أمكنة أخرى.
وما فاجأ السبهان، هوردود فعل وردت من حلفائه الأساسيّين في حزبَي المستقبل والاشتراكي وحزب القوات. هؤلاء لم يرحّبوا بالفكرة، وقالوا للسبهان إنّ موازنات القوى الشعبيّة والحزبية هي لصالح حزب الله وحلفائه، مضيفين أنّ الأمر يجب أن يتمّ بالمكر والخداع وليس بالمجابهة.
لذلك يتوجّب على السعودية، حسب رأيهم، أن تفعل كما فعل المرحوم رفيق الحريري عندما أقنع السوريّين بقانون انتخاب للبنان، أدّى تلقائياً إلى سيطرته على كامل لبنان، من المجلس النيابي إلى مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية والتعيينات والمال العام والسياسات الداخلية والخارجية. واقترحوا على السبهان أن يمارس ضغوطاً على رئيس الجمهورية ميشال عون وحزبه «الوطني الحرّ»، كي يوافقوا على مشروع قانون انتخابات يؤدّي إلى هذا السيناريو المفترض، لكن حسابات الحقل لم تلتئم مع حسابات البيدر، وتبيّن أنّ الرئيس عون لا يقلّ إصراراً عن حزب الله في سعيه إلى إنتاج قانون انتخابات وطنيّ يلغي الهيمنة المزدوجة للحريري وجنبلاط. وأسبابه واضحة، فالعماد عون يعتبر نفسه رئيساً لإعادة إنتاج التوازنات الوطنية على قاعدة إعادة المسروق من الحقوق النيابيّة المسيحية. وهذا وعد قطعه على نفسه منذ عودته إلى لبنان، والتزم به أمام جمهورَيه المسيحي واللبناني، والكنيسة المسيحيّة. والدّليل أنّ وصوله إلى سدّة الرئاسة تقاطع مع شعارات جرى رفعها في لبنان وسورية، ترى فيه زعيماً مسيحياً مشرقيّاً كبيراً.
ومنيَ السبهان بانتكاسة أخرى، متفاجئاً بصلابة تحالف عون مع حزب الله، ولأنّ السياسة في لبنان صدى للتوازنات الإقليمية والدولية، وهي في محاولات مستمرّة للحفاظ على المواقع. يذهب الوزير السعودي نحو محاولات جديدة لإنتاج حلف لبناني من حلفاء السعودية يحافظون على مواقعهم في النظام السياسي اللبناني إذا كانوا لا يستطيعون السيطرة عليه.
وبالفعل، فإنّ المساعي الجديدة أخذت من طريق الإرغام والجبر ضرورة عدم فتح صِدام خاسر سلفاً مع حزب الله وحلفائه، وهي تسعى حالياً لعدم التراجع الذي يسبّب الانهيار.
فبالنسبة إلى الرياض، فإنّ ما يهمّها هو إزعاج حركة حزب الله الإقليمية أكثر من أيّ شيء آخر. وإذا جاء هذا الإزعاج بطرق شعبويّة أو انتخابية أو سياسية، فالأمر سيّان بالنسبة إلى السعودية التي تواصل سياساتها التحريضيّة في المنطقة من الخليج إلى لبنان. ولا تكترث إلّا بتدمير دور الدولة السورية والنفوذ الإيراني وحركة المقاومة. لذلك، فالسؤال المطروح اليوم هو إلى أين وصلت التراجعات السعوديّة؟
يقول مقرّبون من الإدارة الأميركية، إنّ هناك رهاناً سعودياً على ضغوط في البيت الأبيض باتجاه تغيير مواقف الرئيس عون على قاعدة أنّ الحلف السعودي التركي الأردني الذي يتموضع على خلفية «إسرائيلية» يستطيع أن يدفع الأميركيّين إلى ممارسة هذه الضغوط بطرق متعدّدة.
ولا يجب أن تُفاجأ إذا قامت «إسرائيل» باعتداءات على لبنان بذرائع «مختلفة» تتمحور حول اتهامات مفبركة لحزب الله، بالتنسيق مع أجهزة لبنانيّة غير رسميّة لها علاقاتها التاريخية مع الكيان الصهيوني. وهذا أمر غير مستبعد، فهناك شيء ما يجري تدبيره في المنطقة، وإلّا فلماذا تكشف روسيا اليوم تحديداً أنّها استكملت إرسال منظومة C 300 للدفاع الجوي إلى إيران في 2016! أليس لتحذير واشنطن من أيّة مغامرات! قصف جوي مغامر!
ويتّضح أنّ الحضور المحلي والإقليمي لحزب الله مع حلفائه وإصرار «التيّار الوطني الحر» على استعادة المقاعد المسيحيّة المسروقة، تشكّل عوامل أساسيّة لمنع هيمنة سعوديّة جديدة على لبنان كما حدث في مرحلة التسعينات والقرن الواحد والعشرين الجديد.
فهل يقتنع السبهان ويغادر خالي الوفاض؟ لن يقتنع بكلّ تأكيد… لكنّه سيضطر إلى الرضوخ لموازنات القوى المستجدّة مهما استعان السعوديّون بالأتراك و»الإسرائيليّين» والأميركيين.
إنّها إذاً لغة الميدان مع شيء من الاجتهاد الداخلي التي تسيطر على لبنان حاليّاً. والمعتقد أنّ السبهان يغادر لبنان متمنّياً أن يحافظ حلفاؤه على الحدّ الأدنى، وهذا ممكن من طريق إنتاج قانون انتخاب يحفظ دور المواطن ويقيه شرّ الطائفيّة.