دعوة ترامب ليتعلّم فلسفة الحياة من الأسد
سناء أسعد
وسط الأجواء الملبّدة بغيوم التوتر وارتفاع حدة الصراعات وزحمة الطلب لقيام تحالفات جديدة وفتح قنوات اتصال مغايرة، تتناسب مع الوضع الراهن، كان للحرب الكلامية النصيب الأكبر في هذه المرحلة. ويمكن القول بأنها أحد أنواع الحروب الدبلوماسية، أوعبارة عن مناورة سياسية لتظهير بعض المواقف وإثبات قوتها، أومجرد تمويه لإخفاء عدم القدرة على تحقيق ما يصرح به في هجوم عسكري ومواجهة ميدانية حقيقية.
ويبدو أنّ أكثر من خاض هذه الحرب الكلامية، هو ترامب. وبناء عليه، صرنا على يقين تامّ بأنّ ترامب بحاجة ماسة ليتلقى بعض الدروس الخصوصية من الرئيس بشار الأسد ويتلعم كيف يجب أن يكون مسؤولاً عن تصريحاته وقرارته ووعوده وليدرك بأن الحماقة صفة لا تليق بمن يدير دفة الحكم في البلاد، علّه يتنبه أيضا، أنّ إدارة البلاد تختلف عن إدارة شركاته، فالأمر هنا ليس سيان.
قبيل وصول ترامب الى سدة الحكم، كانت أميركا تفقد هيبتها وعظمتها تدريجيا. وبعد وصول ترامب، لن تكون الحالة الأميركية فقدان ماتمتعت به لسنوات طويلة فقط، بل ستعاني أيضا، من الفوضى والبلبة التي حاولت بكل السبل تصديرها لنا.
أسئلة كثيرة طرحت بقوة وتناقلتها وسائل إعلامية عديدة، فرضتها الظاهرة الترامبية، فكان لا بد منها.
إلى أين ستسير المنطقة؟ وما هو السيناريو المنتظر، بعد أن أصبح ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية؟ وهل حقا سينفذ ترامب وعوده الإنتخابية؟ وهل يتمكن النظام السعودي من اغراء ترامب وشراءه وهو الرجل التاجر المعروف بثرائه الفاحش؟ وهل يتمكن كل من نتنياهو وأردوغان من تجنيد ترامب لتحقيق ما امتنع اوباما عن تحقيقه لهما؟
السيد حسن نصر الله قال: عندما يسكن في البيت الأبيض رجل أحمق، فهذه بداية الفرج للمستضعفين. كما قام بشكر ترامب على غبائه.
نتنياهو قال، قبيل رحلته إلى الولايات المتحدة الأميركية ولقائه ترامب: «يجب أن نأخذ في الحسبان شخصية ترامب الخاصة. ومن الأفضل أن نتعامل معه بحذر لا أن نواجهه». والترجمة الصحيحة لكلمة الخاصة هي التهور والحماقة . وإن زجاجات الشمبانية «الإسرائيلية» احتفالاً بدخول ترامب البيت الأبيض، قد يكون أمر مبالغ فيه. كما أن هذا الكم الهائل من التفاؤل غير واقعي.
المعلق العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل، قال: إن ترامب بعد أسابيعه الثلاثة في الحكم، بدأ يتراجع عن تصريحاته العدوانية تجاه الصين. أما نقل السفارة الأميركية إلى القدس، فقد تأجل إلى أجل غير مسمى.
أما رئيس معهد أبحاث الأمن القومي «الإسرائيلي» عاموس يدلين، فقال: يجب أن تتحول تصريحات ترامب إلى أفعال. وأن يتخطى مرحلة الحرب الكلامية، لاسيما في ما يتعلق بايران.
لم تكن دعوة الرئيس ترامب لتلقي دروس خصوصية من الرئيس الأسد، من باب السخرية، بقدر ماهو اعتراف بواقع نعيشه ولايمكن تجاهله. صحيح أن أميركا هي أكبر دولة في العالم، لكن من يحكمها اليوم هو رجل أحمق أهتر عديم الخبرة سياسيا، جاهل دبلوماسيا وعاجز، حتى اللحظة، عن تبني رؤيا سياسية واضحة لأميركا، أوتبني استراتيجية عمل محددة. بل يتخبط بقراراته العشوائية، التي تعتبر أكبر دليل على حماقته وغبائه، سواء أكان قرار منع مواطني الدول الإسلامية السبع من دخول أراضي بلاده والذي أثار سخط واستهجان كبيرين من قبل شريحة لايستهان بها ومن كل النخب، من مختلف انحاء العالم وفي مقدمتهم الشعب الأميركي. ويمكن القول أن هذا القرار فقاعة اعلامية وفارغ المضمون، فكان الأحرى أن يصدر بحق السعودية وحدها، من دون غيرها، لأنها أصل الإرهاب وأساسه. ولكن، على مايبدو، إن المال السعودي يغري الأثرياء أكثر من غيرهم. وواضح، إن أصدق رسالة وجهها ترامب في حملته الانتخابية، كانت تلك التي وجهها للسعودية، فسارعت الأخيرة لأداء الطاعة، لأن «السيد» لايشعر بسيادته من دون طاعة خادمه.
استنكر ترامب بشدة، إطلاق إيران صاروخاً بالستياً. جن جنونه وهدد بتوجيه ضربة عسكرية لإيران. ولكن حقيقة الأمر، إن أقصى ما يمكن أن يفعله ترامب، هو الوشوشة بصوت عال مع نتنياهو، لبحث كيفية تشكيل جبهة اقليمية وتحالف عسكري مع بعض الدول العربية، لمنع تعاظم قوة ايران وتبطيء حركة صعود نجمها أكثر. وطبعا، ستكون النتيجة الفشل الذريع حتما.
صرّح أنه سيرفع بعض العقوبات عن روسيا، لكن بمجرد حديث مستشاره للأمن القومي فيلين، مع السفير الروسي في واشنطن في هذا الخصوص، كانت النتيجة استقالة فيلين.
قال إنه سيتعاون مع روسيا في محاربة الإرهاب، في الوقت الذي يعتبر فيه أن كلا من إيران وحزب الله إرهابا يجب محاربته. وأمام هذا الدمج والخلط غير العادل، بين المقاومة التي تحارب الإرهاب وإرهاب «النصرة» و«القاعدة»، لن يكون هناك تعاون البتة. وقد كانت رسالة لافروف لواشنطن، بضرورة الاعتراف بأهمية دور حزب الله في محاربة الارهاب، ردا صريحا على الغطرسة الأميركية، التي لم تجلب للعالم سوى الخراب والتدمير وإشارة واضحة بفشل المساعي السعودية والتركية، بامكانية مقايضة إيران وحزب الله مقابل بقاء الأسد. وإن محاولة ترامب لدق اسفين في التحالف المتنامي بين إيران وروسيا، لن تنجح وستبوء بالفشل، أيضا.
فالجدل في مدى مصداقية وعظمة التحالف الرباعي سورية، روسيا، إيران وحزب الله وحياكة المؤمرات لضربه مضيعة للوقت لاأكثر.
على ترامب أن يتحلى بالعقلانية والحكمة ويهدأ قليلا. فلماذا هذا الجنون كله؟ وهنا نسأل: كيف سيكون حاله لو كان مكان الأسد والهجوم عليه من كل حدب وصوب والاتهامات الملفقة بحقه زورا وبهتانا لا تعد ولاتحصى؟ فالرئيس الأسد، على الرغم من كل الضغوطات من حوله، لم يتكلم يوما بطريقة غير مسؤولة. ولم يطلق تصريحات انفعالية. ولم يقدم الوعود الخاوية، بل أجزم أن الوسائل الاعلامية كافة، الغربية منها قبل العربية، تتوق لسماع رأيه في أبسط مجريات الأمور، لانه لا ينطق الا بالحق والحقيقة وكلامه كلام العظماء، ينضدح بالنور والحكمة وسيخلده التاريخ لأجيال وأجيال.
لن يخيفنا ترامب ولن يقلقنا تهوره، فالرصاصة التي عجز أوباما عن اطلاقها في صدورنا، ليطلقها ترامب. ونحن لا ولن نسأل ترامب عن سياسته المتبعة حيال سورية، لاننا حفظنا سياسة واشنطن التآمرية والإجرامية بحقنا وحق الشعوب العربية، عن ظهر قلب. ولكننا نسأله أن يلبي دعوتنا ليتعلم فلسفة الحياة من الرئيس بشار الأسد.