ماذا يجري تحت الطاولة بين موسكو وواشنطن؟
ناصر قنديل
– في لحظات يسود خلالها الغموض الاستراتيجي وتحرص القوى المؤثرة واللاعبون الكبار على الحفاظ على هذا الغموض خدمة لمقتضيات السياسة، ينتظر المتابعون والمحلّلون حدثاً تكتيكياً مفصلياً يتيح لهم قراءة الخطط الاستراتيجية وكشف الكثير من الغموض فيها. وهذا بالضبط ما يمكن أن توضع في إطاره قضية انتشار الجيش السوري في منبج، في إلقاء الضوء على الظلال المحيطة بالاستراتيجية الأميركية في سورية، بين المضي في استراتيجية الرئيس السابق باراك أوباما بالتركيز على الابتعاد عن كل تنسيق جدّي مع روسيا، والرهان على التعاون مع الحليفين اللدودين، الأتراك والأكراد، أو الذهاب لهذا التعاون بصمت بما في ذلك الاستعداد للانفتاح على دور أوسع للجيش السوري في التعاون المقبل، خصوصاً نحو الر قة.
– فَرَض التقدّم السوري شمال شرق سورية معادلة جديدة، كما فرض الدخول التركي إلى مدينة الباب استحقاقاً داهماً، وكل من الحدثين يرتبط بالأكراد الذين يضغط عليهم تهديد تركي، ويفتح لهم الجيش السوري نافذة أمل، فقرّر الأكراد مناداة الجيش السوري لدخول المناطق المهدّدة، وكان السؤال حينها: هل يمكن أن يفعل الأكراد ذلك من دون الأميركيين؟ ثم لو فعلوا هل يمكنهم تنفيذ الطلب وفتح الطريق من دون الأميركيين المنتشرين قرب المنطقة؟ ثم جاء الإعلان الروسي عن اتفاق مع الأتراك على هذا الانتشار ونفي تركي لحدوثه، ثم إعلان تركي بالقبول، فصار الأمر فوق النقاش والتساؤل، من دون الأميركيين يستحيل تحقق قبول كردي وتركي في آن واحد بوصول الجيش السوري إلى منبج.
– هل كان بيد الأميركيين بديل؟ سؤال يطرحه البعض أمام صعوبة العلاقة التركية الكردية، وعناد الفريقين ووضع مستقبل معنوياتهما في الميزان، والنقلة المحسوبة للجيش السوري بذكاء استراتيجي نادر، الجواب هو بأن الخطوة السورية حققت أهدافها، لأنها شكلت اختباراً بالنار للنيات الأميركية، فما فعله السوريون كان يمكن للأميركيين لو أرادوا صرف النظر عن معركة الرقة والاكتفاء بمجرد فك اشتباك بين حليفين، أن يلجأوا إلى الالتفاف عليه بتركيز إحدى وحداتهم في منبج محاطة بالوحدات العربية التي درّبوها، واعتبارها منطقة للقيادة الأميركية، ما يحفظ للأتراك والأكراد ماء الوجه، لكنه يعني السير باستراتيجية تقاسم سورية مناطق نفوذ بينها منطقة لداعش وأخرى للنصرة وصرف النظر عن الحرب على داعش، بغياب قدرة جمع الأتراك والأكراد في جبهة قتال موحّدة وعجز كل منهما منفرداً عن توفير متطلبات المعركة، ومما أراده الجيش السوري كشف مدى وجود هذا الخيار ضمن خططهم.
– يعرف الأميركيون أن تقدّم الجيش السوري شمال شرق سورية واسترداد تدمر من ضمن خطة تقرّب من الرقة، وتحشيده في دير الزور من ضمن خطة معركة، وأن روسيا وإيران جزء من هذه الخطة، فداعش والنصرة لن يسمح لهما بالبقاء في الأراضي السورية، تعاون الأميركيون أم لم يتعاونوا، وأن ذلك سيجعل الوجود التركي ومثله الأميركي احتلالاً، لا يملك مسوّغ البقاء لوجوده خارج المعركة التي تبرر وجوده، وهي قتال داعش. فكان القرار الأميركي بتفضيل حل انتشار رضائي للجيش السوري في منبج كأول تحوّل من نوعه في مسار الحرب، حيث الجيش السوري يفصل بين حليفين للأميركيين برضى الثلاثة، الأكراد والأتراك والأميركيين.
– قطع الأميركيون برضى حلفائهم جسر الحرج نحو التعاون مع الجيش السوري في الحرب على داعش، وسهّل لهم الروس المهمة على الضفاف الكردية والتركية والسورية!