لبنان يفاجئ «إسرائيل» في جنيف ويتخلّى عن «النأي بالنفس»
روزانا رمّال
في الوقت الذي كانت فيه «إسرائيل» تبحث عن مخرج لحادثة إطلاق الجيش السوري الصواريخ المتطوّرة من المنظومة الروسية الصنع بشكل مفاجئ أمام مستوطنيها، وما أحدثته من ذعر لدى السكان في المستوطنات في غور الأردن، وفي الوقت الذي تخلّت فيه سورية عن «النأي بالنفس»، مطلقة العنان للتوقيت المناسب الذي وعدت باعتماده للردّ على التعديات «الإسرائيلية» التي ارتفع عددها منذ ست سنوات بشكل ملحوظ، كانت الديبلوماسية اللبنانية تذهب أبعد بكثير من العمق المحلي المعهود لمسألة التعاطي مع تصنيف حزب الله داخلياً وعربياً.
المفاجأة اللبنانية بالأمم المتحدة تمثّلت بإعادة رسم الخطوط الحمراء مجدداً في المحافل الدولية، بعد أن كان للبنان من مسألة الحرب السورية مواقف بعيدة عما يُحسب تموضعاً في إطارها، خصوصاً خلال عهد الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان الذي دعا فيه الى النأي بالنفس عمّا يجري في سورية كاشفاً عن امتعاضه الشديد ورفضه لوجود حزب الله في سورية.
البطريرك اللبناني بشارة بطرس الراعي من جهته أدلى بدلوه في الساعات الماضية لجهة احتساب وجود حزب الله في الأراضي السورية إحراجاً للبنان. ليخرج خطاب من قلب جنيف يكشف دقة التعاطي اللبناني الرسمي مع هذا الملف الذي سبق وشكل لغطاً في مجلس وزراء جامعة الدول العربية بتصنيف حزب الله إرهابياً، ويومها كان الوزير جبران باسيل مشاركاً واعترض بشكل واضح على الموقف العربي، معتبراً أن حزب الله ممثل رسمياً في البلاد في مجلس النواب والوزراء وهو ليس جهة إرهابية.
الحدث الذي جرى أمس في جنيف كان في «مجلس حقوق الإنسان» بناء على تصنيف «إسرائيل» منظمة حزب الله بـ«الإرهابية» وذلك عُرض في تقرير تقصي الحقائق في سورية، وجاء ذلك على لسان نائب مندوبها الدائم في الأمم المتحدة «يوويل مستر» الذي تسلّح بخطاب ركيك حمله معه لينجده أمام المعنيين، وإذ به يقع في فخه قائلاً «تأسف «إسرائيل» لدفاع بعثة لبنان عن حزب الله الذي يصنّف عالمياً إرهاباً». وهنا توقفت البعثة اللبنانية لتردّ بكل ثقة وبتبرير منطقي لحظه المتابعون للجلسة الذين سجلوا على مندوب «إسرائيل» ارتكاب خطأ لم يرد أصلا كحقيقة بتصنيفات الامم المتحدة فتدخل نائب مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة «ريان سعيد» متوجهاً لنائب المندوب «الإسرائيلي» «مستر» بالقول «نودّ لفت انتباه المجلس أن حزب الله «ليس مدرجاً» على لوائح الأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية، بل إنه تصنيف من قبل «إسرائيل». حزب الله حرّر الأرض اللبنانية. متابعاً «لم يعد خافياً على أحد علاقة التعاون والتنسيق العالية بين الجيش «الإسرائيلي» والإرهاب، خاصة جبهة النصرة التي هي فرع من القاعدة في سورية، حيث تقدّم «إسرائيل» المساعدة الصحية باعتراف رئيس الحكومة «الإسرائيلية» ووسائل الإعلام «الإسرائيلية» ايضاً».
رد البعثة اللبنانية الذي جاء مدوياً أدى إلى تراجع البعثة «الإسرائيلية» عن الرد من جديد، لأن «سعيد» قدّم خطاباً منهجياً ومهنياً كشف زيف ادعاءات وافتراءات كانت تنوي «إسرائيل» تمريرها ضمن موقفها المعهود والأهم إلصاق اتهام الأمم المتحدة لحزب الله بأنه تنظيم إرهابي، وأخذها نحو ذلك في أذهان المعنيين، وهذا ما لم يحصل إضافة إلى أن هذا الخطأ الذي يُعتبر خطأ مهنياً فاضحاً يشكل إحراجاً كبيراً يمنع المندوب «الإسرائيلي» من الردّ، وإلا فإن عليه ان يقول كلمة واحدة حينها خلال تصحيحه وتكون «هذا صحيح لم تصنّف الأمم المتحدة حزب الله إرهابياً». وهذا ما لن يحصل.
نجحت الديبلوماسية اللبنانية بالردّ المباشر على الادعاءات «الإسرائيلية»، لكنها من جهة أخرى كشفت عن تقدّم تدريجي لموقف لبنان الرسمي لجهة تمسّكه بسلاح حزب الله والمقاومة وتبرير ضروراته. وهو الأمر الذي كان قد بدأه الرئيس ميشال عون الذي يجابه بانتقادات محلية وعربية و»إسرائيلية» حول حزب الله.
شجاعة المندوب اللبناني تمثلت في أخذ الملف لما هو أبعد من الحدود اللبنانية، وكأنه كشف أن كل أرض عربية تتعرض لأي اعتداء من «إسرائيل» بالمباشر او بالغير المباشر هي موضع مؤازرة من قبل لبنان وموقفه الرسمي، فما كان له إلا التذكير بأن «إسرائيل» لها دور في الحرب السورية وانها تدعم جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة الإرهابي باعتراف مسؤوليها جهاراً نهاراً.
النأي بالنفس عن تقديم مواقف لبنانية من الملف السوري رسمياً، انتهى عند حدود هذا الكلام الذي أدانت فيه البعثة اللبنانية الاعمال «الإسرائيلية» الواضحة الاثر في سورية. وهو بحد ذاته تبرير ضمني لتواجد حزب الله في سورية أيضاً أمام المجتمعين في الأمم المتحدة.
يبدو واضحاً أن فريق البعثة اللبنانية الذي يترأسه وزير الخارجية جبران باسيل خارجياً ينسجم انسجاماً كاملاً مع سياسات العهد والتعاطي مع مسألة تصنيف حزب الله إرهابياً. وهو الأمر الذي بدأت تشعر فيه «إسرائيل» والذي عليها أن تحترز منه من الآن فصاعداً في كافة المحافل الدولية والعربية أيضاً، فلبنان تخلّص بالكامل من مرحلة النأي بالنفس بالمواقف، فهل يتجه نحو ذلك رسمياً ببناء جسر تواصل مع الدولة السورية من أجل البحث في مسائل تخصّ أمن البلدين أبرزها الدخول في منظومة الدفاع المشترك ومكافحة الإرهاب ومعالجة أزمة النازحين.
تحية للبعثة اللبنانية وللسيد ريان سعيد.