تركيا، الغرب والاكراد
د. هدى رزق
لا تحتاج الولايات المتحدة الأميركية الى تركيا في الوقت الحاضر من أجل عملية الرقة، بعد أن فشلت في إقناع واشنطن وروسيا بالسماح لها بالمشاركة الفعالة في استعادة الرقة السورية من تنظيم داعش، بعد أن اشترطت وقف التعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية. وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أكدت أنها تريد الاستمرار مع قوات سورية الديمقراطية ووحدات الحماية. وهي تعتقد أن الاقتراح التركي يتطلّب تخطيطاً جديداً، مما يعني زيادة الميزانية والوقت والطاقة والاعتماد على جيشين أجنبيين، أي التركي والأميركي، بدلاً من القوات المحلية، الأمر الذي قد يؤدي إلى «موجة جديدة من التطرف».
أما روسيا فهي منعت أي تقدّم للجيش التركي والجيش الحرّ شمال غرب الباب باتجاه بلدة عفرين التي يسيطر عليها الأكراد. يبدو أن واشنطن وموسكو قد طوّقتا بشكل فعال الجيش التركي في منطقة تقع على طول الحدود التركية، ومن غير المرجّح أن يسمح له بالتحرّك بسبب الشكوك حول نياته بالنسبة للأكراد
لقد كانت تركيا قد تعهّدت بتحرير منبج من وحدات حماية الشعب الكردية التي تعمل تحت راية قوات سورية الديمقراطية، لكنها كانت تخشى رد فعل القوات الأميركية إلا أن الضربة غير المتوقعة لخططها جاءت من روسيا. لا تستطيع تركيا ان تتحرك شمال شرق الباب باتجاه منبج، حيث تمنعها الولايات المتحدة ولا يمكنها التحرّك في بلدة عفرين الواقعة شمال غرب الباب بسبب الوجود الروسي هناك.
كان وزير الخارجية التركي ميفلوت جافوز أوغلو قد أعلن مطلع آذار أن الجيش التركي سيشارك في منبج ويضرب وحدات حماية الشعب، فأعلن الجيش الروسي أن ميليشيا وحدات حماية الشعب ستغادر منبج والمنطقة وستسلّم إلى قوات النظام السوري تحت إشراف القوات الخاصة الروسية.
وفي الأسبوع الماضي، أقامت القوات الخاصة الروسية «محطة لمراقبة وقف إطلاق النار» في عفرين شمال غرب سورية. أتى هذا التحرك كإخبار لتركيا بعدم القيام بأي اعتداء على وحدات حماية الشعب إذا كانت لا تريد أن تتعرّض لنيران الجنود الروس.
فشل الهدف من حملة درع الفرات ألا وهو منع وحدات حماية الشعب في الشرق والغرب من نهر الفرات من ربط الكانتون الكردي، لكن في النهاية تمّ توصيل منبج وعفرين بطريق جنوب الباب.
بدت موسكو حريصة على نسج علاقات مع حزب الاتحاد الديمقراطي فهي لن تتركه للولايات المتحدة، وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف إن روسيا تتوسّط بين النظام والأكراد السوريين، وإن الحوار بين السوريين مفيد. لكن تركيا استدعت القائم بالأعمال الروسي في وزارة الخارجية للتعبير عن رد فعل أنقرة بعد مقتل جندي تركي من قبل عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي السوري على الحدود السورية. وقالت إن مسؤولية روسيا مراقبة انتهاكات وقف إطلاق النار في سورية محذّرة من أنها ستردّ انتقاماً في حال استمرار مثل هذه الهجمات. كما أعربت أنقرة عن مخاوفها بشأن الوجود العسكري الروسي في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد السوريون.
شعرت تركيا بعدم الارتياح بعد تصوير جنرالات روس يرتدون رموز الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي، ووحدات حماية الشعب، أثناء المشاركة في احتفالات النروز أمام صور عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني.
حاولت، نظراً لوضعها الضعيف، استخدام وسائل أخرى لاستعادة المبادرة في سورية، فسمحت في 14 آذار لحوالي 50 من زعماء القبائل العربية السنية بعقد اجتماعهم في أورفا في تركيا وأعلنوا خلال الاجتماع أنهم سينشئون جيش الجزيرة والفرات لإنهاء الاحتلال الروسي والإيراني لسورية وتطهير منطقتي الفرات والجزيرة من داعش وحزب الله وحزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني والرئيس السوري بشار الأسد.
ليس من الواضح أي قبائل حضرت بالفعل الاجتماع، إذ إن بعض القبائل في الحسكة ودير الزور كانت قد أرسلت قوات للقتال مع قوات سورية الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة، وكان قد نظّم ممثلو 28 من قبائل الرقة مؤتمراً صحافياً في قرية حجي من أجل إعلان دعمهم لقوات سورية الديمقراطية في 17 كانون الثاني الماضي، بينما كانت القوات الأميركية تستعدّ لعملية الرقة.
اما أحمد الجربا، الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري الذي ينتمي إلى قبيلة شمر، فأعلن أنه سيشارك في عملية الرقة مع 3000 من رجاله تحت راية قوات سورية الديمقراطية. وهو قام بإنشاء مجموعة من قوات النخبة السورية. أما قبيلة الشعيطات وغيرها من القبائل فلقد أرسلت مقاتلين للانضمام إلى هذه القوة.
يقول مراقبون عديدون إن أجهزة المخابرات التركية كانت وراء الاجتماع، وهي أخذت تدابير أمنية وأن اجتماع القبائل هذا كان محاولة تركية أخيرة لتغيير موازين القوى. من الواضح ان الحكومة التركية التي تصرّ على أنها «ستدخل في الميدان وعلى طاولة المفاوضات في سورية» لا زالت تحافظ على رغبتها الحماسية في أن يكون لها رأي في سورية ولا يمكن تحليل هذا العرض القبلي للقوة بشكل مستقل عن التطورات الأخيرة، لا سيما بعد أن تمّ رفض الدور التركي في تحرير الموصل من داعش، ولم تتمكّن عملية درع الفرات من التقدم بعيداً عن ضواحي الباب في شمال سورية، بعد أن استولى الجيش التركي وجيشه السوري الحر على تلك المدينة في شهر شباط من داعش.
تتراكم المشاكل وتتضح صورة علاقات تركيا الدولية فهي تعاني من دعم روسيا وواشنطن لوحدات الحماية الكردية التي تعتبرها إرهابية. كما أن علاقتها مع الاتحاد الأوروبي متوترة لأسباب عدة، منها إمعان أردوغان في ضرب المناطق الكردية وإصراره على عدم العودة الى طاولة المفاوضات معهم، فيما اضطربت الامور بشكل خاص بعد أن ألغت دولتان الحملة الانتخابية التي كان الوزراء الأتراك سيقومون بها على أراضيها قبل استفتاء 16 نيسان المقبل، الذي سيقرّر ما إذا كان ينبغي تحويل النظام البرلماني الحالي إلى رئاسة تنفيذية. وفى كلمته الأولى كرئيس للجمهورية الالمانية قال والتر شتاينماير إنه يخشى أن يدمّر أردوغان كل شيء حققته بلاده في السنوات الأخيرة، لأنه يدمّر العلاقات مع شركائه، وقال إنه ينظر إلى تركيا بقلق ويخشى من أن كل شيء تمّ بناؤه على مدى سنوات وعقود آخذ في الانهيار. وقامت المفوضية الأوروبية في 23 آذار باستدعاء السفير التركي لشرح تصريحات الرئيس رجب طيب اردوغان حول أن الأوروبيين لن يتمكّنوا من «السير بسلام في الشوارع» إذا واصلوا موقفهم الحالي من تركيا. فيما انتقد السفير البريطاني لدى تركيا أحد نواب حزب العدالة والتنمية، بسبب تصريحات له حول العملية الإرهابية في لندن، إذ قال إن كانت المملكة المتحدة هي المنطقة الأكثر الأمان، فالإرهاب قال لها إنه يستطيع اطلاق النار عليها في أسلم مكان. هل سيستمر أردوغان في تصاريحه العدائية ضد دول الاتحاد الأوروبي أم أنها مرحلة انتخابية يحاول من خلالها كسب أصوات الاتراك المحافظين والمؤيدين له عبر استعمال القوة اللفظية مع الغرب. ومن بعدها يعود مظفراً ليفرض على الدول الغربية التعامل معه كرئيس تنفيذي لتركيا يملك الصلاحيات كلها.