من أجل أن تعيش «دمشق» بهدوء!
روزانا رمّال
أن تنتهي «أم المعارك» أو تشارف على ذلك في «حلب» بانتصار وازن للدولة السورية ملتحقة بحمص وتدمر وغيرها من الأماكن المحررة من سيطرة المسلحين في سورية التي عانت قسوة الحرب وضراوتها من دون أن تكون دمشق بألف خير وأمان ومن دون أن يتم تحصينها، بما يتوجب منذ بداية الأزمة وأن يعود المشهد اليوم خطوات للوراء وكأن الحرب في بداية سطورها والتهديدات تحدق بالعاصمة دمشق، فإن هذا يعني أن هناك أجوبة على أسئلة مشروعة توجّه للقيادة السورية أو للمعنيين بالعمليات العسكرية، وأن هناك توضيحاً بديهياً ينشده كلّ سوري أو متابع.. لماذا لم يتم الانطلاق عنوة من أن أمن دمشق أولوية ولماذا لم تشنّ أولى المعارك عليها بدلاً من الشمال والأعماق؟
أسئلة مباشرة أجاب عليها مصدر على صلة بمعارك دمشق لـ«البناء» أمس، كاشفاً أن الخطة المرسومة وتأجيل معركة ضواحي العاصمة السورية كانا طيلة سنوات الضخ العسكري «من أجل أن تعيش دمشق بهدوء»، ومن أجل ان لا يظهر أن العاصمة السورية موضع عبث بأمنها واستقرارها ما يمنح أعداء سورية فرصة المتاجرة بهذا إعلامياً. تدفع الدولة السورية اليوم ضريبة عدم تنظيف هذا الجوار نعم، لكن «الرهان» كان أنه باسترداد الجيش لحلب مع استمرار الضغوط من جهة والتفاوض، وبعد نجاح تسوية بالوعر في حمص واسترداد الجيش تدمر وريف حماة ثم الضغط بشأن نزوح المسلحين باتجاه ريف إدلب كل هذا يمكن ان يفتح آفاق تسويات شبيهة بما جرى بداريا ومساكن برزة والمعظمية وأن تشمل جوبر وصولاً إلى دوما.
ويتابع المصدر «واضح أن المسلحين ومَن معهم، سياسياً استثمروا هذا من أجل رسم لعبة توازن ردع، مفادها إذا شنّ الجيش معركة علينا فسنفجّر الوضع ونهزّ استقرار العاصمة وسنستعمل هذه الورقة عندما «نرغب» أو «نريد»، فكان التقدم في جوبر اليوم.
المعيار الأول بحسابات سورية كان تجنيب دمشق اهتزاز أمنها وما يترتّب عليه من صورة في الإعلام، وهذا ما استثمر أعداؤها عليه خلافاً لوضع حلب.
مع مستجدّ أساسي يعمل عليه المسلحون هو إقناع الأميركي بأن نزوح الدواعش لسورية والعراق نحو «البادية « يستدعي البحث عن قوى سورية غير الدولة، مستعدّة لقتال داعش معكم أو مثلكم وهي «النصرة»، فتصوّر المسألة أن فئة الثوار السوريين شكلوا غرفة عمليات ضد داعش على أنها ليست باسم النصرة، وقد غيّروا أصلاً اسمها أكثر من مرة. والجيش مع حلفائه يدركون أبعاد هذه الخطوات في إخفاء وجه النصرة أو تبييضه.
ويختم «دمشق وأمنها واستقرارها ودورة الحياة فيها أمر غالٍ على الدولة السورية، لذلك كان الابتزاز به ممكناً أن يفيد ومع صدّ الجيش للمعركة أمس لم تعد ممكنة العودة للوراء».
انتصار الجيش السوري اليوم سيسمح بأولوية رفع بند الإرهاب وليس بند الانتقال السياسي عن مسامع المجتمعين في جنيف. فإنجاز في 3 أيام من هذا النوع وهذا الحجم في دمشق بحروب شوارع هي الأعقد والأصعب يحكي الكثير أمام المفاوضين المراهنين على فرض شروط جديدة تعيد المساعي للوراء سريعاً ويكشف عن صعوبة المحافظة على أي رهان أو استقرار.
التوقيت السياسي لتفجير معركة القابون – جوبر على صلة بمجموعة من المتغيرات ويشكل قاعدة لتحول استراتيجي لمسار الملف السوري. فالانتصار على خطة محكمة من الجوانب كافة ومباغتة بأقل تقدير وإحباطها في توقيت جنيف قطع الطريق على استكمال الرسملة عليها خاصة بعد الحديث عن انهيارات في صفوف المسلحين.
وعليه تبدو معركة «دمشق الكبرى» المتمثلة بتنظيف ضواحي العاصمة وخلاياها وخباياها آتية في المدى المنظور بعد أو قبل جنيف أو بعد أو قبل أستانة بالمعنى السياسي. فمن الواضح أن ترك جوبر وما خلفها على قاعدة اتقاء شرها في دمشق لم يعد مجدياً بعد اليوم وذخائرها لم تعد تهزّ دمشق بعد ثلاثة أيام من الإنجاز النوعي.
معركة إسقاط الأدوار تأخذ مداها في سورية منذ أشهر حتى اليوم، فعندما سقطت الأحياء الشرقية في حلب سقط معها الدور التركي وعندما «ستسقط» دوما بحضن الجيش السوري والدولة السورية سيسقط معها الدور السعودي وعندها يمكن البدء جدياً بإمكانية الحديث عن حل سياسي يتم فيه تخيير المتفاوضين ممن يمثلون الفريق المسلح بين السير بالحل السياسي مع شروط سقفها حكومة سورية بظل رئاسة «الاسد» أو أن يُسحقوا باستكمال المعارك حتى النهاية ليكون الخيار معروفاً انكفاء وخضوعاً على غرار الدور التركي في حلب.
نجحت القيادة السورية وحلفاؤها بإعادة تثبيت الهيبة السورية في أنحاء دمشق مع ما تعنيه العاصمة رسمياً وإعلامياً أمام المراهنين على إمكانية كسر هالة الموقع وتداعيات هزّ الصورة في نفوس السوريين الذين شاهدوا انتصارات نوعية لجيشهم أعادت إيمانهم بالدولة ومقدراتها.