قمّة عربية تقليديّة… و نتائج أميركية بألوان السعودية و«إسرائيل»!
د. وفيق إبراهيم
من المُستبعد أن يطرح مؤتمر القمّة الذي تدعو إليه جامعة الدول العربية في الثالث والعشرين من الشهر الحالي في الأردن أيّ جديد يمنح العرب أملاً بالخروج من الهيمنة الأميركيّة الخليجيّة المتّجهة إلى استعمال «ورقة إسرائيل».
وبمجرّد أن يكون أمين جامعة الدول العربية هو أحمد أبو الغيط، فهذا يعني أنّ تقاطعاً أميركياً سعودياً «إسرائيلياً» مشتركاً هو الذي يدير القمّة، لأنّه يدفع الوضع العربي إلى تفاهمات عميقة مع العدو، على غرار ما فعله معلّمه الرئيس السابق أنور السادات.
ولأبي الغيط قراءة عميقة في حرب «إسرائيل» على لبنان عام 2006، اكتشف فيها أنّ «إسرائيل» أخطأت «عندما اعتمدت على القصف الجوي»، مضيفاً أنّه كان عليها أن «تخترق بقوّات بريّة». قال أبو الغيط هذا الكلام حرفياً على إحدى محطات الخليج التلفزيونية «المُستعربة».
فإذا كان الأمين العام للقمّة بهذا الانحراف، فكيف حال الرؤساء العرب الذين يقلّدون مع أبي الغيط الأميركيّين؟
وليس من قبيل المصادفة أن يرعى الأردن هذه القمّة بعد أن أصبحت عاصمته مقرّاً لاستهداف سورية والعراق، وخصوصاً من قِبل غرف «موك» التي تضمّ خبراء عسكريّين أميركيين وأوروبيّين و«إسرائيليّين» وسعوديّين. ويبدو أنّ «غرفة موك» أُعيد تنشيطها لأداء أدوار خطيرة جداً في جنوب سورية في مرحلة تتزامن مع الحرب الأميركية للهيمنة على مدينة الرقّة شرق سورية.
والأسئلة التي تتردّد حول أهداف هذه القمّة تذهب إلى قراءة تطوّرات الأزمتين السوريّة والعراقيّة، واكتشاف أسباب «التعثّر» الأميركي فيهما لإظهار النتائج المسبقة الصنع التي يُنتظر أن تعلنها هذه القمّة بكلّ «خفّة ومسكنة». فالقمم العربية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي أصبحت مجرّد إعلان قرارات مؤيّدة للسياسات الأميركية في «الشرق الأوسط» و«العالم الإسلامي» بتصفيق خليجي وعربي عام.
والدور الأميركي في المشرق العربي ليس بأحسن أيّامه أمام الصعود الإيراني والعودة الروسيّة الموفّقة إلى التفاعلات الدولية، إلى جانب الصمود القوي للدولة السوريّة التي استعادت تماسُكها، والصحوة العراقية التي تتّجه إلى إنهاء الجزء العراقي من خلافة «داعش» بعد تحرير مدينة الموصل.
أوضاع مصر ليست كما تشتهي واشنطن، ففي «قاهرتها» جرى ضرب مشروع الإخوان المسلمين التركي في منطقة «الشرق الأوسط» من دون موافقة أميركية كاملة. وهناك صراع شديد السخونة على مصر بين محاور الصراع الدولية، ولا يجب التغافل عن العلاقات التركية الأميركية المتدهورة جدّاً، والسعودية الناقمة لأنّها تريد من الأميركيين إبادة إيران والحوثيّين والحشد الشعبي وسورية وحزب الله.
لذلك، فإنّ المشروع الأميركي في «الشرق الأوسط» في أزمة: لا تزال أفغانستان ملتهبة، ولم تتمكّن القوات الأميركية من ضرب القاعدة وطالبان فيها، والأجنحة الأمنية والعسكرية الرسمية في باكستان تدعم سرّاً الحركات الإرهابية الإسلامية، واليمن عصيّ على الطاعة السعودية، والناتج يُظهر أنّ المشروع الأميركي الجديد للمنطقة يجتاز أزمة خطيرة في مرحلة تطرح روسيا نفسها شريكاً أساسياً في إنتاج القرار الدولي وإدارة الأزمات، وتحلّق الصين في سماء الاقتصاد وتكتسح العالم بسلعها الإغراقية.
هذا ما أرغم واشنطن على الذهاب نحو استخدام أوراق جديدة في لعبة السيطرة على المشرق العربي لإقصاء المنافسين الدوليّين الجُدد. وهذا يقتضي استعمال الورقة «الإسرائيلية» مع اللجوء إلى احتلال أميركي مباشر بتمويه كردي لمنطقة ما، تُعتبر «جوكر» الأزمة السوريّة. ووقع الاختيار على منطقة الرقة دير الزور والحدود الجنوبية المحاذية للأردن والجولان السوري المحتل.
لكنّ استعمال الورقة «الإسرائيلية» يتطلّب إنهاء العداء الظاهري بين العرب و«إسرائيل»، وهذا ما يجري «إخراجه» بين الرياض و«تل أبيب» والدوحة في فيلم أميركي بالألوان، وهنا تأتي الغارة «الإسرائيلية» على الجيش السوري وحلفائه في منطقة تدمر، الفصل الأول من الخطة الأميركية، لكنّها فوجئت بردّ من صواريخ مضادّة للطيران هي ثمرة قرار سوري حازم ومدعوم من روسيا وإيران.
إنّما ما هو دور جامعة الدول العربية من كلّ هذه التطوّرات المتصاعدة؟
اتّسمت مؤتمرات القمم العربية تاريخياً بمناهضة «إسرائيل» واعتبارها عدوّاً قومياً أساسياً، إلّا أنّها بالمقابل كانت تتفق على النأي بالنفس عن أخذ مواقف من الصراعات الدولية، وتتحاشى أي تقارب اقتصادي فيما بينها، ما أصبح المراقبين يعتبرونه «قمماً فولكلوريّة» لا تقدّم شيئاً مفيداً، لكنّها تحافظ على الحدّ الأدنى من التضامن المسرحي حول قضية فلسطين، وسط آلاف القبلات المتبادلة بين زعماء عرب كانوا يستفيدون من المناسبة للمزيد من التعارف والولائم.
ويجب الإقرار بأنّ هذه القمم كانت تدفع في معظم الأحيان إلى تأمين موارد لدول عربيّة كانت تقاتل «إسرائيل» ومعها بعض المنظّمات الفلسطينية.
فهل تندرج قمّة عمّان في هذا الإطار؟
ما يؤسف له أنّ السيطرة الأميركية الخليجية على معظم دول العالم العربي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1989، هذه الدول التي وجدت نفسها وحيدة من دون غطاء دولي أمام اكتساح أميركي للعالم، سقطت تباعاً في السلّة الأميركية، خصوصاً أنّ الدولة المركزيّة التي كانت تناهض واشنطن هي مصر التي كانت السبّاقة إلى عقد صلح انهزامي مع «إسرائيل» عام 1979، وبرّرت ذلك في حينه بأنّ الاتحاد السوفياتي لا يمتلك أوراقاً هامّة في الصراع العربي «الإسرائيلي»، ما أدّى إلى فكّ القاهرة ارتباطها بهذا الصراع تاركةً فلسطين المحتلة والجولان السوري المحتل وأراضٍ لبنانية محتلّة لمصيرها، ما استتبع ضياعاً عربياً تجسّد في عقد قمم لم تصل إلى الحدّ الأدنى الذي كانت تدركه في الغالب القمم السابقة، فوضعت واشنطن يدها من دون كبير جهد على الأمم المتحدة وكامل المنظّمات الإقليمية في العالم بما فيها الاتحاد الأوروبي بعد سقوط الممانعة الفرنسيّة وجامعة الدول العربية التي استسلمت بشكل دراماتيكي، بدليل أنّ مبرمج معاهدة الاستسلام مع «إسرائيل» هو أمين عام الجامعة أبو الغيط، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية المصرية في حينه.
وجرى تكليف دول الخليج وعلى رأسها السعوديّة بالتحديد المسبق لنتائج القمم العربية، وإعلانها على الملأ بفم أمين عام مصريّ الجنسيّة.
لا أحد يصدّق حتى اليوم أنّ دولاً عربيّة فيها أنظمة متواطئة مع «إسرائيل» تتجرأ على طرد سورية من مقعدها في الجامعة العربية. وكادت، لولا تدخّل الجزائر والعراق، أن تمنح مقعدها لما أسمته «معارضة سوريّة» تبيّن آنفاً أنّها عصابات تابعة للإرهاب التكفيري المموّل من قِبلها.
بأيّ حال، كيف يمكن توقّع النتائج المرتقبة لقمّة عمان؟
بعد أن جرى تحديد أزمة واشنطن في المنطقة، يتبيّن أنّ المطلوب عدّة عوامل تغطية عربية للمشروع الأميركي الجديد بإقامة كانتونات أميركيّة، بتسميات كرديّة وسوريّة وعراقيّة في مدىً جغرافي متّصل من الموصل والأنبار في العراق إلى دير الزور والرقة السوريّتَين. وهذا يتطلّب موقفاً عربياً رافضاً للنفوذ الإيراني المزعوم، لأنّه يعرقل التقدّم الأميركي، وللدور الروسي العائد ولصمود الدولة السوريّة، ما يعني أنّ هذه القمّة مخصّصة لاستهداف إيران وتحويلها إلى عدو أساسي للعرب والمسلمين، وذلك خدمة لمن؟ مع الإشارة إلى أدوارها، المزعومة أيضاً، في اليمن والبحرين والعراق وسورية ولبنان، من دون نسيان اليمن العصيّة على السعودية…
ولا بدّ من أن تطالب القمّة بما تسميها جزراً إماراتيّة ثلاث «تحتلّها» إيران في الخليج، مع الإصرار على حقّ السوريّين بإنشاء مناطق آمنة تحميهم من الطيران الروسي والسوري، والتشديد على «إنقاذ» السنّة العراقيّين من «براثن» إيران وأعوانها، كما تزعم الأدوات الإعلامية الخليجية، والتي ستؤكّدها القمّة العربية المقبلة.
لذلك، تأتي هذه القمّة لتؤكّد على المشروع الأميركي بالفتنة السنّية الشيعيّة واستهداف إيران وروسيا وتغطية السياسات الأميركية الذاهبة إلى تفتيت المنطقة «زنقة زنقة»، بحسب وصف معمر القذافي.
أمّا رسالة القمة الأخيرة، فإعلان تأييدها كالعادة مشروع الدولتين في فلسطين المحتلّة، والقدس عاصمة عربية، وذلك على وقع المنع «الإسرائيلي» للأذان في القدس، وبناء آلاف المستوطنات التي تواصل التهام الضفة الغربية بوقود بيانات جامعة عربية تبيع أمّتها وعروبتها وسط مقاومات شديدة تثبت أنّ التاريخ لا يكتبه المرتزقة، بل دماء المجاهدين من أجل شعوبهم.