قمة البحر الميت القرارات الميتة؟؟!

د. تركي صقر

إذا كان لكل من اسمه نصيب، فإن القمة العربية المنعقدة في الأردن والتي أطلقوا عليها تسمية قمة البحر الميت، قد أخذت سلفاً نصيبها من هذه التسمية، وبدت قراراتها مكتوبة بأحرف ميتة تُضاف إلى قرارات مكرّرة عديمة الجدوى ولا حياة فيها أصدرتها القمم العربية السابقة طوال السنوات الماضية، وبالأخصّ في ما يتعلق بالقضايا الحيوية والمصيرية للأمة العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

ومع الأسف نقول إن العديد من الأنظمة العربية لم تكتفِ بطعن القضية الفلسطينية من الظهر، وتهميشها وتحويلها بنداً للزخرفة ورفع العتب في جداول أعمال القمم العربية واجتماع مؤسساتها، بل راحت تزيح هذا الحمل عن ظهرها وتجاهر بضرورة إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية مع الكيان الصهيوني وأعلن بعضهم استقالته من هذه القضية وصرف أمواله وجهوده كلها ليغدو الصراع عربياً عربياً وفي داخل كل دولة عربية، ومن ثم محاولة حرفه كلياً ليكون صراعاً عربياً إيرانياً بدلاً من معادلة الصراع العربي «الإسرائيلي» الثابتة، ووصل الأمر إلى حد التعاون والتنسيق أو ما يشبه التحالف مع العدو «الإسرائيلي»، كما هو حال السعودية وبعض أنظمة الخليج الأخرى اليوم.

وعندما يقول أحمد أبو الغيط أمين عام الجامعة العربية أن الوقت غير ملائم لدعوة سورية إلى قمة الأردن، فهذا صحيح، بالنسبة لسورية، لأن الوقت الملائم لها هو حين ترفع عنها الأيدي الآثمة التي تحكمت في قرارات الجامعة العربية وقممها وحرفتها عن الأسس التي قام عليها ميثاقها، وحين تُحاسب الأنظمة الأعضاء في الجامعة التي تغوّلت في سفك الدم السوري والعراقي والليبي واليمني وموّلت بملايين الدولارات قتلة، ومجرمين ومتطرفين في الدول العربية كلّها وحوّلت منابرها منصات تدعو لقتل الناس وتحريضهم على بعضهم البعض وإلى منصّات لعملاء الموساد يؤجّجون في فضائياتها الفتنة والإجرام.

في مطلق الأحوال ما فعلته أنظمة الخليج بالجامعة العربية لا يترك مجالاً للأسف عليها، فقد حوّلتها هذه الأنظمة العميلة إلى مكان لحياكة المؤامرات، والقرارات ضد الدول الأعضاء، ومصالح الأمة العربية، والأمن القومي العربي وأسطع مثال هو قرار تجميد عضوية سورية المخالف أساساً للميثاق، وبطريقة منحطّة، حيث تمّ التعاطي فيها مع دولة مؤسسة لهذه الجامعة ومن قبل أشباه دول لم تكن موجودة على الخريطة حين إنشاء جامعة الدول العربية، ولذلك قتلوا روح الجامعة عندما تآمروا على نبضها المتمثّل بدولة مثل سورية كانت الفاعل والمحرك لقراراتها. ولا غروَ أن تغدو هذه الجامعة بعد هذا جثة هامدة لا حياة فيها ولا روح.

أي جامعة عربية هذه، التي ترفض التنازل عن الأرض والحقوق العربية والفلسطينية على وجه الخصوص وتطلق لاءاتها الثلاث المعروفة في قمة الخرطوم عام 1967، لتتحوّل في ما بعد إلى هيكل كرتوني فارغ همّه تقديم التنازلات للكيان الصهيوني عام 2016، ولتنقلب إلى منصة لمحاصرة أي مقاومة، أو مشروع مقاوم، أو مشروع ثقافي مناضل، أو أي شكل من أشكال التنوير ومواجهة التخلّف، وليصل الأمر ببعض أعضائها من أنظمة الخليج إلى تبادل للزيارات على أوسع نطاق مع العدو «الإسرائيلي» وإقامة علاقات تكاد تكون استراتيجية معه من دون أدنى خجل أو حياء.

أي جامعة عربية هذه التي اتخذت قراراً يسمح لصواريخ الناتو أن تدمر ليبيا والدولة الليبية ومؤسساتها، ومن ثم أن تمزق الشعب الليبي؟ وأي جامعة هذه التي شرعنت تقسيم السودان، وأعطت الشرعية للغزو الأميركي على العراق؟ ومضت في جريمة قتل السوريين إلى النهاية وتمضي في قتل اليمنيين وتدمير دولتهم والفتك بأطفالهم إلى جانب النظام السعودي من دون أي رادع أو وازع من ضمير؟

أي جامعة عربية هذه حَكَمها وتحكّم بها وزير خارجية الدويلة المسخ قطر السيئ الذكر حمد بن جاسم لسنوات ثم اشترى رئاسة القمة العربية فقط من أجل أن يفرض جلوس معارض سوري عميل مصنّع في أقبية الموساد «الإسرائيلي» على مقعد الجمهورية العربية السورية، ومن أجل أن يثبت أيضاً علماً آخر لسورية في قمة الدوحة تنفيذا للمشروع «الإسرائيلي» بتقسيم سورية وتفكيكها إلى شراذم وأشلاء؟

ونقول في وضع بائس كالذي وصلت إليه جامعة الدول العربية نتيجة اتخاذها مطية لدول المشروع الإرهابي التكفيري، فلا يمكن أن يرتجى من قمتها في الأردن ما فيه خير للأمة العربية وقضاياها، ولن تكون هذه القمة إلا واحدة من القمم الخائبة تضاف إلى سلسلة طويلة من اجتماعات الخطب العربية الرنانة الجوفاء، وما لم يبتعد تأثير الأيدي التي خربتها وحرفتها بعيداً عن أهدافها ويُعاد بناؤها من جديد فلا فائدة من وجودها في الحياة العربية.

وأخيراً، فإن سورية ليست متلهّفة للعودة إلى جامعة عربية انقلبت على ميثاقها وأسس وجودها وصارت ألعوبة بأيدي حكام الخليج الذين باعوا القضية بأبخس الأثمان، وسورية لا تنتظر موافقة من أحد كي تستعيد مقعداً هنا أو كرسياً هناك، لأن سورية هي الحجر الأساس في المعادلة العربية، وأثبتت ذلك من خلال الدور الذي لعبته في دعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، وظلت ترفض التخلّي عن ثوابتها إبان الغزو الأميركي للعراق، وها هي اليوم تدفع ثمناً باهظاً جراء قناعاتها وثوابتها غير القابلة للمساومة، وهي تدفع من دماء أبنائها واقتصادها ثمناً لخياراتها، ولن تتخلّى عنها بعدما قدّمت الغالي والنفيس كي تبقى قلعة للتحرر العربي، ولن تسمح النيل من دورها ومكانتها وعزة شعبها مهما كانت التضحيات.

اترك تعليقاً

Back to top button