الخيارات الأميركية تجاه سورية
ناصر قنديل
– تبدو الحركة المواكبة لحادثة خان شيخون الكيميائية تتم بأفضل صورها من أنقرة حيث لا يبدو أن واشنطن جاأنقرة، فلا تبدو واشنطن جاهزة للتحرك بأي من الاتجاهات بقدر ما تبدو اسيرة ردود الفعل الطائشة، أكثر مما هي ثمار رؤيا لكيفية التصرف بين نهجين باتا واضحين: واحد تقوده روسيا يدعو للاحتكام لتحقيق نزيه وغير مسيّس يشترك فيه الجميع، خصوصا الدول الكبرى، وتحمّل مسؤولية التصرف معاً بضوء التحقيق، انطلاقاً من أخذ الروايتين المتداولتين على القدر ذاته من الجدية الرواية التي تتهم الدولة السورية والرواية التي تبرئ ساحتها وبالمقابل نهج تقوده دول الحرب على سورية من حلفاء واشنطن ومؤسستها الأمنية ومعاونون يهمهم منحه صورة الرئيس غير المتخاذل في مواجهة ما لحق بالرئيس السابق باراك اوباما من نعوت بعد تراجعه عن الضربة العسكرية لسورية في حال مماثلة.
– حتى الآن تبدو إدارة ترامب تحت تأثير ديماغوجيا الشعبوية، والخطاب العنجهي، والتلويح بضربات عسكرية، وإدارة الظهر للدعوات الروسية لتحقيق دولي متفق عليه بشروط مناسبة. ويضع ترامب كل معاونيه من حوله ووزرائه لمناقشة الخيارات، فيصطدم بالجدار الأشد تعقيداً من الذي صدم رأس سلفه أوباما يوم قرر فعل الشيء نفسه بعيداً عن الدعوة للتحقيق النزيه وغير المسيّس التي وجّهتها له موسكو يومها أيضاً. ويستطيع ترامب بالعودة للسجلات الخاصة بالإدارة من موقعه كرئيس اليوم أن يعرف أن تراجع أوباما عن الخيار العسكري لم يكن تخاذلاً، بل تحت ضغط معادلة يصعب كسرها، بظل جهوزية روسية للمواجهة، ولم تكن روسيا قد تموضعت كما هي اليوم في روسيا. وهذا يعني أن العقدة الروسية اليوم أشدّ مما كانت عليه بالأمس، وأن ترامب سيجد نفسه أمام التحدي الأصعب والأعقد من الذي واجهه أوباما، فكيف سيتصرّف؟
– الذهاب إلى مواجهة مع روسيا وإيران وحرب عالمية فوق طاقة ترامب وأميركا. ولو كان كذلك لكان الوضع أفضل لجورج بوش الإبن ليفعلها والظروف كانت أفضل بكثير يومها، والتراجع هو مسألة حسابات أجرتها المؤسسات العسكرية والأمنية، والعمل تحت سقف تفادي التصادم مع روسيا من جهة، وتفادي التفجير الشامل للشرق الأوسط من جهة أخرى هو ما على ترامب أن يختاره. وهذا ما حدث أيّام اوباما، الذي وجد ان التفاوض مع روسيا لمنحه مكسباً سياسياً يحفظ ماء الوجه للتراجع بأساطيله من المتوسط هو الأنسب. فكان الحل السياسي للسلاح الكيميائي، فماذا سيجد ترامب من صيغة تلبي حاجته للظهور بمظهر الرئيس القوي ومراعاة المعادلات الحاكمة للقوة من جهة مقابلة؟
– يبدو الطريق متدرّج الوضوح، فمن جهة سيكون التوجه نحو موسكو للتباحث في خيارات مشتركة او هوامش للتحرك المنفرد لكل من الفريقين، لكن بالتنسيق والتشاور، وسيحاول فريق ترامب كما حاول فريق أوباما جس النبض لتنازلات روسية عن خيار الدعم المفتوح لسورية وسيصلون للنتيجة ذاتها. ومن جهة مقابلة ستظهر على السطح عودة لمشروع المنطقة الآمنة والتفكير بالرقة كعنوان لها، فيتم تسريع معركة الرقة وينال ترامب هوامش أوسع لخوضها، ويراهن الأتراك و«الإسرائيليون» والسعوديون على توظيف هذه المعركة كنقطة إنطلاق لمواصلة الحرب ضد الدولة السورية.
– في مجلس الأمن سيكون ممر إلزامي بالتحقيق، وسيكون الوقت متاحاً لتهدأ الضغوط ويشعر الذين أرادوا النيل من صورة ترامب أن فرصتهم قد فاتت، ويكون الحديث عن الحاجة للتحقيق من جهة والتغطية الأممية معها لأي عمل، ومن جهة مقابلة لبذل كل جهد لتعاون روسي مع أميركا، فيصير لمعركة الرقة وهجها، كما بدأ يتحدث وزير الخارجية الأميركية ريكي تيلرسون.