ترامب يقصف سورية بشعار «معاً نعيد أميركا عظيمة مجدداً»
روزانا رمّال
ليس عادياً التدخل الأميركي المباشر عبر قصف هدف للجيش السوري في سورية في مثل هذه المرحلة المتقدمة من عمر الأزمة منذ اندلاعها العام 2011. وهو تدخّل لو دلّ على شيء فسيكون على استثنائية الظرف وضرورة التدخل المباشر أميركياً واستنفاد الحلول لفرض واقع «ما» قادر على إحداث فارق في الازمة وفرملة الاتجاه الذي تنحو اليه. وهو انتصار تدريجي لمحور روسيا في الميدان السوري وانكسار ملحوظ للمعارضة المسلحة إضافة الى معضلة كبرى واساسية وهي إمكانية احتواء المجموعات الارهابية «الفارّة» من مناطق متصلة من الموصل العراقية حتى سورية، وما تحرّر من أماكن تجعل من داعش والمجموعات المسلحة عبئاً أساسياً، فأين عساها تستقر إذا كانت رؤية كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية ومعها «اسرائيل» متباينة بين «الإبادة» وبين حصرها في بقعة جغرافية محددة من الارض السورية او تلك المتصلة بين سورية والعراق.
لم يكن الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما مستعداً للقيام بهذا الأمر. هذا ما يؤكد عليه مصدر مطلع عن قرب على القصف الأميركي على القاعدة السورية لـ«البناء» ويقول يريد الجيش الأميركي وترامب الايحاء باتفاق كامل وبنقل المرحلة من محطة لأخرى. وهو الامر الذي سيستغله الروس برد فعل حازم يعيد مسألة التفاهمات للصفر بدلاً عن الاتفاقات التدريجية التي تمّت في عهد اوباما ما يمكن روسيا من البتّ في وجودها دون التباسات المرحلة السابقة وأي معاودة لفكرة الضربة من جديد ستدهور العلاقات الأميركية الروسية ومعها ملف المفاوضات بشكل كبير. ويضيف المصدر «من المستبعّد أن تعاود واشنطن ما اقترفته بحق السيادة السورية، لكن يجب الالتفات الى المعلومات لدى سورية وهي أن واشنطن كانت قد اطلعت موسكو قبل ساعات على الغارة ما يعني كأرجحية ان موسكو أخبرت دمشق عن النية الأميركية ما ادى لسقوط 6 شهداء فقط من الموجودين في مطار الشعيرات حتى أن المدارج لم تُصب ويمكن معاودة استخدام المطار بشكل سريع. وكلها اشارات ليست عابرة بل فيها هامش محدد يريد الأميركيون عدم تخطيه، لذلك تنحصر العملية بالرسالة المباشرة لفرملة الاندفاعة الروسية عبر وقت للتفكير والتروي، فما كان الا وخطة الكيميائي لشراء بعض الوقت. يختم المصدر.
يفيد التذكير هنا، ان هناك لقاء بعد أيام بين وزيري خارجية روسيا وأميركا لافروف وتيلرسون في موسكو، وان العملية تمّت قبل هذا اللقاء. ومن غير معروف مصيره حتى اللحظة اذا لم تعاود واشنطن القصف مجدداً، وإذا تم فهو سيناقش بشكل مباشر الحادثة ويؤسس لنوعية جديدة من العلاقات التي ترغب واشنطن برسمها مع روسيا من منطلق القوي وليس الخاضع لمخططات روسية، خصوصاً ان للكباش الروسي الأميركي منطلقات أوروبية ايضاً في مسألة شبه جزيرة «القرم».
الجيش الأميركي كان قد نفذ تعليمات الرئيس دونالد ترامب موجهاً ضربة صاروخية استهدفت قاعدة جوية للجيش السوري رداً على الهجوم الكيميائي المتّهم به نظام الرئيس بشار الأسد قبل الانتهاء من أي تحقيق او تدقيق، كما جرى في مرحلة اوباما عند حادثة كيميائي الغوطة، حيث تحلى الأميركي ببعض التروي وحاول أخذ موقف الكونغرس وطرح العملية للتصويت. وهو الأمر الذي لم يحصل بتاتاً عند ترامب في حادثة خان شيخون في ريف إدلب الثلاثاء الماضي.
تقول واشنطن كلمتها مقابل روسيا وإن مسألة التفرّد في الشرق الأوسط، خصوصاً في الأرض السورية في عهد ترامب الذي يحتاج لتسويق كباش بينه وبين روسيا «محلياً» في بلاده، لتثبيت حكمه غير المستقر حتى الساعة والذي تطاله اتهامات بالعمالة لروسيا بات مستحيلاً، ومن جهته يؤكد الكرملين أن الجيش السوري لا يمتلك اسلحة كيميائية. وهو كلام صادر عن روسيا رسمياً يضاف إليه تأكيد وزير الخارجية السوري استحالة استخدام الكيميائي بالنسبة للجيش السوري حتى عند العدو الإرهابي .
كل التصريحات لم تحصد آذان صاغية توقف عزم القرار الأميركي المتخذ سلفاً بالضربة ومقارنة مع وضع الأسد يغيب أي مبرر فعلي أو حسي يعيد النظرة الدولية إلى النظام السوري إلى الوراء، بعدما كانت دول أوروبية وغربية تتّجه للتعاون معه والبعض الآخر يرسم صورة مغايرة عبر إرسال وفود لتقصّي الحقائق الى الأراضي المحررة ما جعل الصورة تتغيّر و«تتحسّن» تجاه الاسد. وهي عناصر تضاف الى التقدم العسكري للنظام السوري وحلفائه، فلماذا يُضعف موقفه بالكيميائي اذاً؟
سبب بديهي يوضع ضمن نقطة أساسية سهلت قرار القصف الأميركي وتوضع بخانة الحسابات الكبرى التي يأخذها الرئيس ترامب بعين الاعتبار، هي ما يتعلق برفع الشعارات الأميركية الكبرى التي تحمل «هالة» و«مهابة» الدولة الأسطورة «الولايات المتحدة» في أذهان شعبه وبينها شعار الانتخابات الأول لدونالد ترامب «معاً نعيد أميركا عظيمة مجدداً». هذه العظمة التي يرى فيها مؤيدو ترامب أنها تراجعت في عهد الرئيس الأميركي باراك اوباما في العالم كله عبر سلسلة الحوارات التي تقدم فيها مع الغرب نحو إيران وصولاً لروسيا والتي أفقدت أميركا بمنظارهم «التفوق» المعنوي والنفسي بين الدول. وهو الأمر المرفوض فمسألة التفوق عند ترامب اولوية العهد، واذا كان هناك أي شراكة مفترضة مع روسيا فهي لن تكون على حساب الخضوع لأجندة موسكو التي تتنافى مع تلك العظمة المسلوبة.