موسكو توقف التنسيق مع واشنطن وتفتح مستودعاتها لدمشق رداً على العدوان سورية على أبواب جولات حاسمة ترجمة لقول الأسد «الردّ بضرب الإرهاب»
كتب المحرّر السياسي
افتتح العدوان الأميركي على سورية صفحة جديدة في التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة ومعادلاتها وتوازناتها، فرغم كل محاولات واشنطن للتخفيف من وطأة العمل العسكري الأميركي بمراعاة شروط تجعله محدود الأثر ميدانياً، والحرص على الإخطار المسبق لروسيا، وتقديمه عملاً محدوداً لا تتمات له وليس بداية حرب، وربطه برسالة محدودة متصلة بحادثة خان شيخون، جاءت الآثار والتداعيات أكبر بكثير، فالطرف الأول المعني بالضربة بعد سورية، كان روسيا التي قرأت الرسالة دعوة لقبول دور الشريك من الدرجة الثانية، والتخلي عن التمسك بعلاقة ندية مع واشنطن على قاعدة أولوية روسية في سورية، لحساب قبول عودة الأولوية الأميركية في رسم المسارات والسياسات وحصر الشراكة في بحث وضمان كيفية تحقيق المصالح الروسية. وهو أمر كانت موسكو حاسمة في رفضه طيلة سنوات الحرب الستة، وتحمّلت لقاء ذلك تداعيات حرب الأسعار في سوق النفط والغاز ومخاطر حرب أوكرانيا والعقوبات افقتصادية، وليس وارداً قبوله اليوم بعدما صارت موسكو في قلب سورية، وصارت الانتصارات المحققة مع حلفاء موسكو وفي مقدمتهم الجيش السوري كفيلة بجعل النصر ممكناً، من دون انتظار تسوية مع واسنطن. وهي التسوية التي وضعتها روسيا هدفاً من ضمن سعيها لإقامة نظام عالمي جديد يعتمد على الشراكة، وضغطت لأجله على حلفائها للامتناع عن الكثير من الخطوات العسكرية مع كل فرصة لفتح الباب للمسار السياسي، لتجد نفسها أمام معادلة فرض الأمر الواقع ودعوتها لشراكة الضعيف.
الرد الروسي لم يتأخّر، فقد حسمت موسكو سريعاً إلغاء كل أشكال التعاون والتنسيق الأمني والعسكري مع واشنطن، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية فتح مستودعاتها لتزويد الجيش السوري بالمنظومات العسكرية الحديثة التي تمكنه من التصدي لكل ضربات جديدة، بما يعنيه ذلك من تغيير لقواعد التوازنات في المنطقة بما هو أبعد من لحظة المواجهة الراهنة، وبدأ الحديث في موسكو عن لا جدوى منح الوقت للعمل السياسي والمسارات التي لا أمل يُرتجى منها في جنيف وأستانة، والحاجة لمراجعة سياسة منح واشنطن وأنقرة والرياض فرص الانخراط السياسي التي تستخدم لخوض جولات حرب جديدة، والتفكير جدياً بإطلاق يد الجيش السوري وحلفائه لجولات حاسمة تترجم ما قاله الرئيس السوري عن أن الرد سيكون بالمزيد من التصعيد للحرب على الإرهاب.
عالمياً، كان واضحاً من مناقشات مجلس الأمن الدولي حجم الانقسام العالمي حول العدوان الأميركي ومثله الانقسام العربي والإقليمي، مع تهليل سعودي تركي «إسرائيلي» قابلته حملات تضامن إيرانية عراقية جزائرية ليبية يمنية، بينما اتجهت مصر لموقف يدعو موسكو واشنطن للتعاون في حل سياسي.
لبنان المنشغل بجلسة نيابية لمناقشة الحكومة، وبانتظار العودة لمناقشة قانون الانتخاب أخذه الانقسام، الذي شغل أروقة مجلس النواب في حوارات الوزراء النواب خارج الجلسة، وظهر فريق يهلل للعدوان ورفعت صور دونالد ترامب في بعض المناطق اللبنانية، بينما شملت حملة التضامن مع سورية الأحزاب والشخصيات الوطينة. وتساءلت مصادر متابعة للوضع الحكومي ومناقشة قانون الانتخاب عن إمكانية تسوية في ذروة الانقسام الدولي والإقليمي لحلفاء الأطراف اللبنانيين، مرجّحة التمديد للمجلس النيابي حتى تنجلي الصورة الجديدة لتوازنات المنطقة.
أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير علي قانصو أنّ الضربة العسكرية الأميركية على مطار الشعيرات العسكري في حمص «تمثل اعتداء سافراً على سيادة الدولة السورية، وتعطي دفة إسناد ودعم للمجموعات الإرهابية التي تقاتل في سورية».
في حديث لوكالة «سبوتنيك» الروسية، توجّه قانصو إلى المجتمع الدولي بالقول: «إننا نضع هذا العدوان برسم كلّ أحرار العالم، كما نتوجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة بدعوة طارئة لمجلس الأمن للنظر في هذا العدوان السافر والذي يهدّد السلم والاستقرار الدوليين، وندعو المؤسّسات الدولية إلى موقف حاسم من الإدارة الأميركية بعد هذا الاعتداء على الدولة السورية، ونؤكد في الوقت ذاته أنّ هذه الضربات لن تؤثر بشيء على مجرى الصراع القائم في سورية، بمعنى أنّ الشعب السوري أخذ قراره بمواجهة العصابات الإرهابية حتى القضاء عليها ومواجهة كلّ دولة تخرق سيادة سورية وتعتدي على أرضها وشعبها وستنال الإدارة الأميركية ما تستحقه من ردود على هذه السياسة الرعناء التي باشرها الرئيس دونالد ترامب، بعد أن كان يخدع الرأي العام العالمي بأنه عازم على البحث عن حلّ سياسي في سورية».
وأضاف: «في حال قامت الإدارة الأميركية بتطوير الموقف في اتجاه أكثر سلباً وكرّرت اعتداءاتها على سورية فحينها كلّ الخيارات تصبح مفتوحة، حينها تدخل المنطقة في صراع مفتوح على كلّ الاحتمالات بما فيها احتمال التصدي للمصالح الأميركية في المنطقة».
في مجال آخر، وصف قانصو، في حديث صحافي الجلسات النيابية لمساءلة الحكومة بـ«المفيدة ويجب أن يُهنّأ عليها رئيس مجلس النواب نبيه بري»، معتبراً في الوقت عينه، «أنّ المدة التي مضت من عمر مجلس الوزراء غير كافية لمساءلته عن أعماله، علماً أنّه قام بإنجازات لا يمكن إنكارها فأقرّ المراسيم التطبيقية لقطاع النفط والغاز، كما أتمّ تعيينات أمنية حسّاسة وغير أمنية بعدما كان يُستعاض عنها بالتمديد، أضف إلى أنّه أقرّ موازنة بعد أعوام على غياب الموازنات وحرّك ملف سلسلة الرتب والرواتب وجدّد تأكيد خطة الكهرباء».
أسبوع حاسم في قانون الانتخاب
انتهت جلسة مساءلة الحكومة في المجلس النيابي بتأكيد رئيسها سعد الحريري بأن قانون الانتخاب سيبحث الاثنين المقبل في جلسة يعقدها مجلس الوزراء مخصصة لمناقشة القانون، كما ردّ الحريري بطريقة وصفها البعض بالمنطقية على ملاحظات وأسئلة النواب التي تنوعت ما بين خطة الكهرباء وملف النفط وقضايا الفساد والمصارف والضرائب وسلسلة الرتب والرواتب.
وفي حين تتجه الأنظار الى الأسبوع المقبل كحدٍ فاصل وحاسم على صعيد قانون الانتخاب، لا سيما أن عودة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من جولته الخارجية قبيل نهاية جلسة الأمس، ستحرّك المياه الراكدة في المشهد الانتخابي، من المتوقع أن تتكثف الاتصالات في عطلة نهاية الأسبوع قبل جلسة الاثنين لمحاولة بلورة صيغة تحظى برضى جميع الأطراف، وقد برز مؤشر إيجابي خلال الجلسة بتأكيد الحريري «أننا منفتحون على الصيغ الانتخابية كلها بما فيها النسبية المطلقة والمختلط»، مشيراً إلى «أننا وصلنا إلى مراحل إيجابية وقادرون على الوصول الى قانون».
وقالت مصادر نيابية مطلعة لـ«البناء» إن لا اتفاق حتى الآن على قانون جديد ولا توافق على طبيعة جلسة مجلس الوزراء الاثنين بين القوى الرئيسية، مرجحة أن يتوضح المشهد خلال الـ48 ساعة المقبلة مع عودة التواصل بعد انتهاء جلسة المساءلة، ولفتت الى أن «اقتراح باسيل سقط ورفض من قوى عدة، مؤكدة أن «التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية يرفضان النسبية الكاملة».
ورجحت المصادر أن «يتم التفاهم على صيغة مختلطة ترضي الجميع، لكن الاحتمالات كافة مطروحة بما فيها الفشل في إنجاز القانون في الحكومة، حيث لم تتوضح طبيعة الصيغة التي سيتمّ الاتفاق عليها حتى الآن». ونفت مصادر أخرى لـ«البناء» طرح القانون على التصويت في الحكومة، مشيرة الى أن «موضوع القانون من القضايا المصيرية في البلد ولا يمكن طرحه على التصويت».
ومن المرتقب أن يزور وفد من حزب الله قصر بعبدا في الساعات القليلة المقبلة للتباحث مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حول صيغة القوانين المطروحة وإصلاح عون على موقف الحزب وملاحظاته من طرح باسيل وتنسيق الموقف في جلسة الحكومة الاثنين»، وعلمت «البناء» أن وفد الحزب «سيبلغ رئيس الجمهورية ضرورة البحث عن صيغة بديلة عن اقتراح باسيل الذي لاقى اعتراضات واسعة ورفضت الملاحظات التي أبدتها بعض القوى عليه».
وأكد رئيس الحكومة في ختام جلسة المساءلة «على مسؤوليتنا كحكومة في التوصل لقانون جديد وتجنيب البلاد التمديد أو الفراغ وأراهن على العودة للمجلس النيابي بأسرع وقت من أجل ذلك»، ولفت الى أن «كل القوى السياسية منكبّة على العمل على قانون انتخابي جديد».
وقال الحريري: «الموازنة تكون قريباً أمام المجلس النيابي لمناقشتها ونحن كحكومة سنكون على أتمّ استعداد لمناقشة بنودها مع النواب»، وأضاف: «الموازنة لا تحتوي أي ضريبة على ذوي الدخل المحدود، وأنا ضدّ أي ضريبة، ولكن مَن له خطة لتمويل السلسلة من دون ضرائب فليتقدّم بها، وإلا فلتتوقف المزايدات ونؤكد عزمنا على إقرار السلسلة في أسرع وقت ممكن».
وعن موضوع الكهرباء واستئجار البواخر، قال: «لن أقبل إلا يكون لهذه الحكومة خطة طارئة للكهرباء، لأنه من حقّ المواطن أن يكون لديه كهرباء 21 ساعة، ولو كلفنا الأمر دفع مال إضافي». وعن زيادة التعرفة قال: «الشطور الأولى لن نلمسها في زيادة التعرفة الكهربائية».
وفي سياق ذلك، يعقد الحوار الثنائي بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» جولته الـ 42 مساء الاثنين المقبل في عين التينة لاستكمال البحث في قانون الانتخاب وآفاق موافقة المستقبل على النسبية الكاملة.
14 آذار تصوّب على سورية
واستكمل النواب في اليوم التالي على التوالي مساءلة الوزراء والحكومة. وتركزت المداخلات على ملفي الكهرباء والنفط، وأثيرت مسألة طلب أحد السياسيين مبلغاً من المال من إحدى الشركات مقابل إعطائها تلزيم مناقصات الكهرباء. وتدخّل الرئيس مجلس بري كاشفاً أنه «طلب وثائق من الحكومة الإيطالية حول ما ذكر عن طلب مسؤولين لبنانيين عمولة من شركة ايني الايطالية ووعد مجلس النواب أن يذكر أمامه ما يصله من جواب».
ولاحقاً قال بري: «وردني جواب من الجانب الإيطالي حول موضوع عرض مسؤول لبناني رشوة على شركة إيطالية، والتوضيح سيرسل في المجلس النيابي ولإحدى الصحف المحلية».
وحول تيار المستقبل و14 آذار، وعلى رأسهم رئيس الحكومة جلسة مساءلة الحكومة إلى منصة للتصويب على سورية وتأييد الضربة العسكرية الأميركية على مطار الشعيرات في حمص، ما يزيد المخاوف من عودة بعض القوى الى سياسة الرهانات من جديد على الولايات المتحدة الأميركية وإدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب لتغيير المعادلات في سورية والمنطقة بعد التدخل الأميركي العسكري المباشر في سورية. الأمر الذي سيعيد خلط الأوراق على الساحة الداخلية ويفرمل اندفاعة فريق المستقبل للتفاهم حول قانون انتخاب عادل يحقق عدالة التمثيل ويمنحه فرصة أكبر للمناورة وتضييع الوقت.
فهل يعطي الدستور الحق لرئيس حكومة لبنان والناطق باسمها، إطلاق موقف معادٍ للنظام والدولة في سورية؟ لا سيما أن ما قاله الحريري ليس موقفاً شخصياً أو موقف تياره السياسي، بل ألزم الحكومة به وتجاوز الوزراء ورئيس الجمهورية، لأن تحديد موقف لبنان من العدوان الأميركي على سورية تتخذه الحكومة مجتمعة وليس رئيسها بشكلٍ منفرد.
وتساءل مراقبون: هل تلقى الحريري ضغوطاً خارجية لاتخاذ هذا الموقف غير المبرر؟ كان من الأجدى بالحريري العمل على التواصل مع الحكومة السورية لإيجاد حل لأزمة النازحين، وهو الذي حذر في مؤتمر بروكسل من عبء النازحين وخطرهم على لبنان، فهل يكون العمل بالأقوال أم بالأفعال؟
وأكد الرئيس عون أن «لبنان الذي وقّع على كل الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تحرّم استعمال أسلحة الدمار الشامل، يدين ويستنكر استعمال هذه الأسلحة من أي جهة أتى، ويدعو في المقابل المجتمع الدولي إلى إلزام «إسرائيل» والدول التي لم توقع هذه المعاهدات، للتقيد بمضمونها ومفاعيلها وإخضاع منشآتها النووية لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
6 جرحى في اشتباكات عين الحلوة
على صعيد آخر، توتّر الوضع الأمني داخل مخيم عين الحلوة أمس، بالتزامن مع انتشار القوة الفلسطينية المشتركة، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة، إثر تعرّض عناصر القوة المشتركة لإطلاق نار من قبل جماعة المتشدّد الإسلامي بلال بدر، لدى انتشارها في مقرّ الصاعقة في الشارع الفوقاني مفترق سوق الخضار من ضمن النقاط الثلاث التي تقرّر انتشار القوة المشتركة فيها.
وتطوّر تبادل إطلاق النار الى اشتباكات استخدمت فيها الاسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية، التي تردّدت أصداؤها في أرجاء مدينة صيدا، الأمر الذي أدّى إلى سقوط قتيل من القوة المشتركة و7 جرحى أربعة منهم من القوة المشتركة نقلوا الى المستشفيات، فيما استمرت الاشتباكات حتى وقت متأخر من ليل أمس وتسببت باحتراق منزل في حي الرأس الأحمر وأحد المحال في سوق الخضار ومنزل بلال بدر الذي طوّق بالكامل. وسجلت حركة نزوح كثيفة للأهالي من الشارع الفوقاني الى خارج المخيم.
وكانت القوة المشتركة في المخيم قد بدأت بالانتشار في ثلاثة مواقع هي: مدرسة الكفاح، مفرق سنترال البراق ومكتب الصاعقة وتتألف من 100 بين ضابط وعنصر، بإمرة العقيد الفتحاوي بسام السعد.
وبحسب معلومات «البناء» من داخل المخيم فقد سقطت قذائف بي ٧ خارج عين الحلوة قرب نادي الضباط وسيروب والهمشري، وأن الاشتباكات اندلعت إثر اعتراض مجموعات إسلامية متطرفة على انتشار القوى الأمنية الفلسطينية التي اتفق على انتشارها خلال الأحداث الأخيرة في المخيم بناءً على قرار القيادة السياسية والامنية الفلسطينية العليا، وفور دخول القوة انتشر المسلحون المتطرفون بسرعة واتخذوا مواقع قتالية في الشوارع وفوق أسطح الأبنية وبدأوا بإطلاق النار على القوة الامنية».
وأوضحت مصادر أمنية لـ«البناء» أن «المناطق التي دخلت اليها القوة الأمنية، بحسب قرار القيادة العليا بموافقة جميع الفصائل في المخيم، هي منطقة قريبة من وجود المسلحين المتطرفين في سوق الخضار ومكتب الصاعقة، وعند وصولها أطلق المسلحون النار وردت القوة على مصادر النيران»، موضحة أن «الفصائل التي اعترضت تعمل خارج نطاق القوى والفصائل الإسلامية، منها مجموعات بلال بدر وهيثم الشعبي وتوفيق طه».
وتكثفت الاتصالات على أكثر من صعيد لتطويق ذيول الحادث واستكمال انتشار القوة الأمنية، كما جرى اتصال مع رئيس فرع المخابرات في الجنوب العميد خضر حمود طلب خلاله وقفاً سريعاً لإطلاق النار.
وقال قائد القوى الأمنية في المخيمات الفلسطينية منير المقدح لـ«البناء» إن «الاتصالات لم تتوصل الى نتيجة حتى مساء أمس»، وأكد المقدح أن «القوة الأمنية مصممة على الانتشار في أرجاء المخيم كافة ولن تتراجع تحت أي ظرف، كما لن يبقى أي خط أحمر في المخيم خارج عن سلطتها، ولفتت الى أن «القوة الأمنية اتخذت إجراءات أمنية وعسكرية صارمة ولن تخرج إلا بتحقيق أهدافها».