اشتباكات عين الحلوة جزء من القصف الأميركي على خان شيخون!!!
د. وفيق إبراهيم
.. هي الخطة الأميركية بدأت بالانسياب كالنار في هشيم التناقضات العربية، وأهدافها لا تُخفى على اللبيب: إنهاء القضية الفلسطينية، عرقلة ما تسمّيه زوراً النفوذ الإيراني وإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.
وإلا كيف نفسّر هذا الاقتتال الداخلي الفلسطيني على أرض لبنانية، ترابط بين أنحاء لبنان والجنوب الذي ترابط فيه قوّات لحزب الله في مواجهة إسرائيل؟
فعلى المروّجين لإسقاط نظرية المؤامرة باعتبارها اتّهاماً مسبقاً لأمور لم تحدث بعد، أن يتنبّهوا إلى وجود هذه الخطة الأميركية التي بدأت تدكّ بإرهابها آخر ما تبقّى من مقاومات عربية، ولن تؤدّي إلا إلى «دياسبورا» فلسطينية جديدة في مغتربات الأرض ومجاهلها، والهدف هو استيعاب الفلسطينيين في اتفاقات جديدة وإلغاء هويّاتهم الفلسطينية والعربية، والمؤشرات بدأت… نزوح نحو مئتي ألف فلسطيني من مخيم عين الحلوة إلى مخيمات جديدة في اشتباكات سببها محاولات قوى تكفيرية السيطرة على منطقة صيدا وضواحيها لإحداث خطوط تماس مع قوات المقاومة وإرغامها على التخلّي عن دورها في مواجهة «إسرائيل».
وتتقاطع هذه الاشتباكات مع موقف لرئيس حكومة لبنان سعد الحريري، أعلن فيه تأييد القصف الأميركي على مطار الشعيرات في حمص داعياً إلى إسقاط نظام الأسد. وتلته جوقة «الرواديد»…
الوزير وليد جنبلاط عاد إلى نغمته القديمة وحضّ واشنطن على تدمير الدولة السورية، وكذلك أحزاب القوات والكتائب والأحرار وما تبقّى من 14 آذار، فلم تتأخّر عن مساندة القطب حزب المستقبل.
وللمضيّ في إلهاب التناقضات العربية، هاجم تكفيريّون كنيسة في طنطا المصرية، ودهس تكفيري آخرُ المدنيّين في ستوكهولم، وأعلن عبدالله الأردني خشيته من انتقال الإرهابيين من الشمال السوري والرقة ودير الزور إلى جنوب سورية عند الحدود الأردنية، معلناً «بعزّة تاريخية» مشبوهة استعداد الأردن لضربهم داخل سورية، إلا أنّه قال إنّه لن يبقى طويلاً داخل أراضي «الشقيقة».
لذلك، تندرج هذه الاشتباكات في عين الحلوة ضمن «المنطق الأميركي» بتفجير القضية الفلسطينية، فكيف يمكن للرئيس محمود عباس المنتمي إلى المحور السعودي الأميركي أن يقف في وجه تكفيريين فلسطينيين مدعومين من السعودية وقطر وتركيا بغطاء أميركي أيضاً!!
وهنا تكمن الحبكة… الصراع فلسطيني فلسطيني على أرض يعبرها حزب المقاومة يومياً، وهي ذات عيار واسع وليست مجرّد اشتباكات بين عصابات طرفاها ينتميان إلى المحور نفسه، ولم نسمع من فريق محمود عباس موقفاً من الغارة الأميركية على مطار حمص، ووصل موقف المعارضة السورية السعودية والتركية المؤيدة لهذا القصف إلى المطالبة باستمراره وتوسعة مداه.
هنا تتّضح فصول الخطة الأميركية بالنسبة للقضية الفلسطينية، ولا بدّ أنّ واشنطن سألت نفسها عن أفضل السبل لفرض استسلام كامل على الفلسطينيين ينسحب على الفور نحو «سلام» عربي إسلامي يتحوّل بدوره إلى حلف «إسرائيلي» إسلامي معادٍ لروسيا والصين وإيران، فتخترق «إسرائيل» عوالمنا بسلاحها وسلعها وثقافتها، ويصبح المسجد الأقصى كنيساً بوظيفة أساسيّة ومسجداً عند الضرورة.
ضمن هذا الإطار، يجب تفسير اشتباكات عين الحلوة، غير أنّ الاكتفاء به يُعتبر تضليلاً للرأي العام، وهناك جانب آخر لعين الحلوة، وهو استهداف المقاومة بأدوارها اللبنانية المعادية لـ«إسرائيل» والعربية المعادية للإرهاب.
لبنانياً، باتَ واضحاً أنّ مجموعات تكفيرية تتحضّر لأعمال في شمال لبنان وشرقه، وقد لا تستثني بعض أحياء مدنه الكبرى، فهناك عشرات الخلايا النائمة بدأت بالاستيقاظ على الرغم من الحذر الكبير الذي تُبديه الأجهزة الأمنية اللبنانية. وتأمين البيئة الحاضنة ليس صعباً، فها هي الأحزاب المحلية ذات الهوى السعودي تكيل الهجمات لحزب الله والنظام السوري، وتستهدف بعض المذاهب الإسلامية، إلى جانب محاولات دؤوبة لإنتاج تجمّع أخطر من 14 آذار، بدليل أنّه لن يتورّع عن الدعوة إلى القضاء على المقاومة وعقد اتفاقية استسلام مع «إسرائيل». ألم يسبق للرئيس أمين الجميّل أن عقد مثل هذا الاتفاقية في 1983 وأسقطتها المقاومة بالقوة؟ فهل يُعيد التاريخ نفسه؟ والتطوّر الجديد الذي يترقّبه هذا الحلف المرتقب، هو جملة قرارات اقتصادية من ثلاثة أطراف الاتحاد الأوروبي، مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأميركية… قرارات تستهدف لبنان عبر حزب الله، يتردّد أنّها قد تصل إلى حدود طرد اللبنانيين العاملين في الخليج وأفريقيا.
ونيّة أصحاب القرارات دفع لبنان إلى حرب داخلية لإنهاء دورَيْ حزب الله الداخلي والإقليمي مرة واحدة، والمراهنة تذهب إلى حدود الاعتقاد بأنّ القضاء على أدوار المقاومة يُعتبر الركيزة الأساسية لإنهاء الدور الإيراني «المزعوم». وبذلك تُنهي السياسة الأميركية التمدّد الإيراني في اليمن العراق والبحرين وسورية ولبنان، كما تزعم.
واحتاط الأميركيون لمقاومة ما قد تصدر عن عهد الرئيس عون لحماية أصدقائه في حزب الله، فكلّفوا مرجعيات كهنوتية عالية المستوى لإقناعه أو الوقوف في وجهه، إذا اقتضى الأمر، وذلك لنزع قوته التمثيلية عند المسيحيين.
هناك إذاً مخيّمان في لبنان فلسطيني ولبناني، تأمل واشنطن من عملية تحريكهما في آن واحد ضرب لبنان المقاوم وسورية الأسد، فلا تستهينوا أبداً بالساحة اللبنانية، فهي دوماً ميزان دقيق لرصد السياسة العربية والإقليمية، وهي أيضاً المعبَر إلى صنع سياسات معادية لـ«إسرائيل» وواشنطن وأنصارهما في الإقليم.
إزاء هذه الخطة الواضحة المعالم، والتي لا تندرج إلا في إطار «المؤامرة».. ماذا تفعل المقاومة؟ وكيف تتحضّر التنظيمات الفلسطينية المناوئة لها لمجابهتها؟ وهل يستمرّ الجيش اللبناني في التعاطي الحذر مع الأحداث الخطيرة التي تدكّ مخيم عين الحلوة؟ وهل المطلوب رعاية «تغريبة» فلسطينية جديدة فقط؟!
الإجابة واضحة.. المقاومة حاضرة للتحرّك في المفاصل الأساسية، لكنّها تتحاشى محاولات إلصاق طابع «الصراع اللبناني الفلسطيني» على الاشتباكات، وهذا لن يثنيها عن التدخّل عندما تشعر بأنّ الأمور ذاهبة إلى انتصار أميركي «إسرائيلي»، وهي تبذل من جهة ثانية جهوداً جبارة لإيقاف المعارك على قاعدة ضبط التكفيريين.
أمّا المنظمات الفلسطينية، فلم تظهر منظمة «حماس» حتى الآن، وإمكانات باقي التنظيمات في المخيم محدودة، ولا دور للأهالي أو للمرجعيات الدينية، فالمخيم تحت «نيران» أميركية صديقة لا يجب التصدّي لها.
لكنّ المعوّل عليه بشكل جدّي هو الجيش اللبناني الذي يشكّل القوة الشرعية الوحيدة القادرة على ضبط الأوضاع في المخيم. وهذا يتطلّب توافقاً سياسياً بين قوى النظام اللبناني لا يزال مفقوداً حتى الآن، لكن للرئيس عون بصفته قائداً دستورياً للقوات المسلحة حق الطلب من الجيش مكافحة هذا الخلل الخطير بالأمن الذي يهدّد الفلسطينيين واللبنانيين معاً! حتى لو أدّى الأمر إلى سجالات وانشقاقات سياسية. فالأمر يستأهل أن يستوعب الجيش مشروع الفتنة النائمة من دون أن ننسى دوراً «إسرائيلياً» مرتقباً بدأت نغماته تظهر بإعلان «إسرائيل» استعدادها لحماية المدنيين السوريين ورعايتهم.
وقد نسمع غداً عن دورها في رعاية مخيم عين الحلوة، وربّما كلّ لبنان كمخيم جديد يريد عرب الخليج أن يصيبوا مقتلاً فيه.
في الجهة المقابلة، يتحضّر حزب الله ومعه حلفاؤه لأسوأ الحالات الممكن وقوعُها. وفي المحصلة، هناك ارتباط وثيق بين الإنجازات المرتقبة للحلف الروسي الإيراني – السوري وبين الأوضاع في لبنان، وهي كما يبدو تحت السيطرة استناداً إلى حسابات عسكرية في محور المقاومة، لكنّ المطلوب وقفة فلسطينية تفضح الدور الخليجي في محاولات تصفية القضية الفلسطينية، والتحالف مع المقاومة في لبنان لصدّ المشروع الأميركي التركي الخليجي في فلسطين ولبنان وكامل المشرق العربي.