نقاط على الحروف موسكو تربح جولة المواجهة بقوة سورية
ناصر قنديل
– منذ العدوان الأميركي على سورية، وروسيا لا تتصرّف على قاعدة أن ما يجري يستهدف سورية بحساب عسكري منفصل، بقدر ما تسعى لكسر هيبة روسيا، وليّ ذراعها، ومفاوضتها على الملفات الدولية من بوابة توازن معنوي جديد ناتج عن التصعيد العسكري الأميركي، ومن موقع موسكو كقيادة عليا للحرب التي يتشارك فيها حلفاؤها تدرك أن قيمة العمليات الأميركية تنحصر في الإجابة عن سؤال: هل نجحت في فتح مسار تصاعدي لإضعاف الحليف السوري، يصير قوة ضغط بفعل الزمن والاستمرار لفرض تقديم تنازلات منعاً للأسوأ؟
– موسكو تعلن قناعتها بأن واشنطن قد تعود مجدداً لضربات مشابهة، وتهيّأ السوريون لهذا الاحتمال نفسياً، وهي تقول إنها إلى جانبهم، وإن التصدي للصواريخ هذه المرّة سيكون مختلفاً، وإن سورية ستتلقى ما يلزم لتواجه كل خطر، وإن حلفاءها سيكونون إلى جانبها في المواجهات المقبلة. ولا تُخفي روسيا فرضيات الاختباء وراء هجمات كيميائية مشابهة مبرمجة قد تلجأ إليها واشنطن. لذلك يصير السؤال بالنسبة لموسكو حول تأثير الضربات الأميركية في خلق مسارات دراماتيكية جديدة هو الذي يحدد الفشل والنجاح.
– المسارات التي يُسحب فيها خلق التحول، هي المسار العسكري لجهة قدرة الجيش السوري والحلفاء على مواصلة تحقيق الانتصارات على الجماعات المسلحة. وهنا يبدو ما بعد العدوان مشابهاً لما قبله لجهة التفوّق الميداني المستمر والمتوّج بانتصارات متلاحقة للجيش السوري وحلفائه. أما سياسياً فالمسار الذي يشكل القياس هو درجة ثبات القيادة السورية وتماسك جبهة الحلفاء. وتعلم موسكو أن الرئيس السوري والقيادة الإيرانية وقيادة المقاومة كانت تسبق القيادة الروسية بالاستعداد للذهاب لدرجات أعلى من المواجهة وأنه يكفي ألا تكون الضربات الأميركية قد أربكت موسكو نفسها حتى يكون الفشل الأميركي كاملاً، وكل شيء يقول إن واشنطن على هذا التصعيد لم تحصد إلا مأزقاً مغلق الآفاق مع الصلابة التي يُبديها معكسر الحلفاء بقيادة موسكو. يبقى المسار الثالث الذي يبدو أنه المسار الجدّي الذي كان الرهان الأميركي عليه، وهو موضع العناية الروسية، وهو: كيف سيتفاعل الشعب السوري مع الضربات الأميركية، خصوصاً الضربة الأولى التي تشكل الصدمة؟ والمعلومات تقول إن الأميركيين توقّعوا تهجير خمسة ملايين سوري من دمشق وحلب نحو لبنان والأردن وتركيا، وإن هذا الانهيار الشعبي في حال حدوثه سيفتح الطريق لضربتين أو ثلاث لاحقتين تفرغ بعدها سورية من سكانها وتتحوّل مدن أشباح. فيصير للحرب بعد مختلف، ويصير الرهان على إضعاف الجبهة المحيطة بالدولة السورية في مكانه، وترتفع أصوات الجوار والأوروبيين بالعجز عن تحمّل تبعات الانفجار السكاني ويصير للسياسة مكانها، لكن باتجاه مختلف، لكن جاءت النتيجة مخيّبة ومدوّية بحق التوقّعات والحسابات الأميركية.
– رصد الروس صوراً وسجلوا بدقة، ليل دمشق وحلب في الليلة التي أعقبت الضربات الأميركية، وقد أذهل القيادة الروسية مشهد السهر حتى ساعات الصباح في الشوارع والساحات والمقاهي، وكمية السيارات التي تتجوّل في شوارع المدينتين، ناهيك عن مدن الساحل السوري، وسجّلوا تعليقات الناس بسخرية على الأميركيين وروحاً معنوية عالية لدى كل الفئات العمرية والاجتماعية السورية، وحرصت موسكو كما واشنطن على مراقبة الحركة نحو الحدود صبيحة اليوم الذي تلا العدوان، حيث كانت الحركة من سورية وإليها مثل أي يوم عادي. وهذا ما تتوقف عنده مصادر متابعة لموقف القيادة الروسية باعتباره علامة النصر التي سيزداد وضوحها وفعلها كلما غامر الأميركيون بدخول اختبار جديد، لأن المسارين الآخرين العسكري والسياسي راسخان ثابتان ويزدادان رسوخاً وثباتاً.
– لقد انتصرت موسكو بقوة معنويات وشجاعة الشعب في سورية، يقولون في أروقة القيادة الروسية، بمثل ما قال الرئيس الروسي يوم جاءت الأساطيل الأميركية، إن الفرق بين أوكرانيا وسورية هو في شخص الرئيس الذي بلغ في شجاعته مستوى البطولة في سورية، بينما انهزم وانسحب من المواجهة في أوكرانيا.