أردوغان يحقق حلم استبدادية السلطنة… ويواجه حقيقة أننا قوم لا نلين للبغاة الطامعين

اياد موصللي

تأسّست الدولة العثمانية في 27 تموز 1299، أسّسها عثمان الأول ابن ارضغرل ودام حكمها 600 سنة. وتأسّست الدولة الأردوغان ية الحديثة في 15-4-2017 أسّسها أردوغان …

كانت الدولة تسمّى بالدولة العثمانية او الدولة العلية. اما هذه الدولة التركية الجديدة، دولة الغدر والعدوان… فأراد ان يكون اسمها الأردوغانية، أراد أردوغان إحياء تاريخ السلاطين بكلّ حذافيره ومضامينه الاستبدادية. منح لنفسه سلطات لا حدود لها.. ومهّد لهذا كله فأشعل الفتن الطائفية وأصبح للإرهاب ممراً وللفكر التكفيري مقراً..

أراد تدمير الشام وفق منهج نسقت خطوطه مع «إسرائيل» فأرسل العصابات والأموال وأصبح الخط الأساس لكلّ ما يجري في الشام وأصبحت اسطنبول عاصمة الفكر الإرهابي بعد الرياض.. وكان أكثر من فرح واغتبط الفصائل المسلحة في الشام.. وأعاد العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع «إسرائيل». وأعلن عن نشوء تركيا جديدة معيداً تاريخ الدولة العثمانية ومحو آثار دولة الاتحاد والترقي ومصطفى كمال..

ففي 24 تموز 1923 انتهت الدولة العثمانية وزالت نهائياً في 29 تشرين الأول وقامت الجمهورية التركية. وفي 15/4/2017 قامت تركيا الحديثة كما أعلن أردوغان بنتيجة الاستفتاء الذي أجراه.. وتحيط به الشكوك..

نحن لم نكن نهتم بما يجري ولا بالاستفتاء.. فهذا شأن تركي وخبرنا الأتراك وسياساتهم وأخلاقهم وتقلّباتهم خلال تاريخ الآلام الذي عانيناه معهم. والذي به وبسببه وجدت الصهيونية الملاذ الآمن في فلسطين فقبل بلفور قامت الدولة الاتحادية بعد خلع السلطان عبد الحميد بتحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين.

فأردوغان وريث تاريخ حافل بالتعاون مع الصهيونية، لذلك فإنّ ما يمارسه اليوم لتثبيت سلطنة أردوغانية جديدة حققها بنسبة 51 في استفتاء أجراه.. وباركته «إسرائيل» وهنّأته عليه.. وكذلك داعش والنصرة وبقية العصابات التكفيرية.. 51 لا تلغي نصف الشعب التركي الذي لا يوافق أردوغان على ما يريد..

إذا قارنا بين تحالف وتوافق أردوغان و»إسرائيل» اليوم لوجدنا توافقاً في التاريخ بين تركيا والصهيونية.. حيث انّ جمعية الاتحاد والترقي التي حكمت تركيا بعد زوال السلطنة العثمانية هي مجموعة معظم أعضائها من ذوي الأصول اليهودية.. فمصطفى كمال ولد عام 1880 وهو من أب يهودي اسباني الأصل ومن أتباع مذهب السبتاليين اعتنق أهله الإسلام ليخلصوا من الموت.. في المذابح التي جرت ضدّ اليهود في اسبانيا ويقول بيير هابيس مؤلف كتاب الصهيونية والشعوب الشهيدة .. كان الكثيرون من قادة تركيا وجمعية الاتحاد والترقي من ذوي الأصول اليهودية أمثال حقي بك المستشار العام للسلطنة جاويد، كاراسون، مدحت باشا الشخصية النافذة، أنور باشا، فوزي باشا رئيس أركان الجيش التركي وهو بولندي الأصل واسمه الاصلي كوهلمن .

ومن المعلوم انّ قادة الاتحاد والترقي كلهم على الإطلاق من الماسونيين وليس منهم واحد مسلم الاصل او تركي العرق. فأنور باشا بولندي وجاويد من يهود الدونمة وكراسو يهودي اسباني.

كانت سياسات الحكومة الاتحادية بعد خلع عبد الحميد الثاني قد مهّدت لأمرين هامّين: أولهما تحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين وثانيهما: تفكيك الدولة العثمانية والعمل على إضعافها وتمثلت هذه السياسات والقرارات بما يلي:

1 ـ بدأوا بتغييرات إدارية في فلسطين بعد الانقلاب الأول مباشرة، فقبل عام 1908 كان مجلس مدينة القدس الإداري البلدي يتكوّن من تسعة أعضاء، ستة من المسلمين واثنان من المسيحيين ويهودي واحد، غير انّ هذا المجلس البلدي للقدس تغيّرت تركيبته في نفس العام 1908م/ 1326هـ حيث ارتفعت نسبة تمثيل اليهود في المجلس الى عضوين.

2 ـ تأسّست مباشرة بعد الانقلاب عام 1908 في فلسطين شركة التطوير الانجلو فلسطينية وهي مؤسسة يهودية في يافا. ودخلت مباشرة في مفاوضات مع أطراف شبه رسمية بغرض الحصول على أراض في رفح على الجانب المصري، من أجل إقامة مستعمرة زراعية يهودية هناك.

3 ـ بعد الانقلاب وفي نفس العام عيّن فيكتور جاكوبسون وهو صهيوني روسي المولد وكان يعمل مديراً لفرع الشركة الانجلو فلسطينية ببيروت، عيّن ممثلاً للمنظمة الصهيونية في اسطنبول، حيث أصبح مقرّه وكالة صهيونية في العاصمة العثمانية، ويصف أحمد النعيمي دور هذه الوكالة بأنه أصبح مراقبة النظام السياسي الجديد وموقفه من الصهيونية، إلى جانب مراقبة النواب العرب ونشاطهم في البرلمان العثماني، والمساهمة في كلّ الأنشطة الإعلامية التي تخدم الصهيونية، إضافة إلى التنسيق مع كبير الحاخامات والبرلمانيين اليهود الأربعة أو الخمسة في العاصمة لصالح المشروع الصهيوني.

4 ـ سمح قائمقام طبريا العثماني لليهود بتكوين حرس خاص بهم ايّ جيش صهيوني جديد بدعوى انّ الخطر الذي بات يهدّد اليهود لم يقتصر على غزوات البدو للمستعمرات كما كان في الماضي ولكن كما ذكر فرانك امتدّ مع زيادة الهجرة فأصبح هذا الخطر موجوداً في كلّ أنحاء فلسطين، وقد لاحظت جريدة نهضة العرب ذلك واتهمت الاتحاديين بالتفاهم مع اليهود.

5 ـ في عام 1909 بدأ اليهود بدعم من روتشيلد، صاحب أحد أكبر البيوتات اليهودية التي تسيطر على اقتصاديات العالم وتوجّه السياسات العالمية، بتشييد أول مدينة يهودية كبيرة في فلسطين هي مدينة «تل أبيب» إلى جانب الميناء الغربي لمدينة يافا، وقد وصفتها المؤرّخة الانجليزية المنصفة كارن ارمسترونك بأنها أصبحت «واجهة عرض» يهوديتهم الجديدة .

6 ـ قامت حكومة الاتحاد والترقي بتعطيل عدد من الصحف العربية المناهضة للهجرة اليهودية إلى فلسطين في عام 1909، وهي صحيفة «الكرمل» في حيفا التي قدّم رئيس تحريرها إلى المحاكمة بتهمة سبّ اليهود، وصحيفة «المقتبس» في دمشق وصحيفة «فلسطين» في يافا.

7 ـ أصدر اليهود طوابع بريدية تحمل اسم هرتزل ونوردو، وزاد نفوذهم في فلسطين، دون اتخاذ إجراءات لإبطال خطواتهم.

وقد ظلّ الرأي العام العربي على حاله إزاء الأتراك وصِلتهم بالصهيونيين. ودعت صحف فلسطين الاتحاديين إلى أن يتعلموا من الأغلاط السابقة. فلا يسمحون بسقوط فلسطين في أيدي الأجانب الطامعين فيها. واشتدّت حملة الصحف العربية خارج فلسطين على الوزارة الاتحادية الجديدة واتهمتها بموالاة الصهيونية. وبأنها عصابة لصوص يؤيدها اليهود الصهيونيون، وانّ جريدة «جون ترك» الاتحادية، ووكالة «الاجانس اوتومان» الاتحادية صهيونيتان. واتهموا باتفاقهم مع المنظمة الصهيونية على بيع اراضي السلطان عبد الحميد الواسعة في فلسطين.

وسمّيت جمعية الاتحاد والترقي جمعية الأحمرين: الدم والذهب ، حيث انّ في الوزارة الاتحادية ثلاثة وكلاء من قبل الجمعية الصهيونية بيدهم ينابيع الثروة في البلاد.

لم يكن الأتراك عبر سلطاتهم في ايّ مرحلة من المراحل التاريخية التي مرّت بها أمتنا في مواجهة الأطماع الصهيونية إلا مؤيدين للصهيونية داعمين لها. فاذا تابعنا مواقفهم سواء زمن السلاطين العثمانيين او في عهد الاتحاديين او في عهد أردوغان الحالي لما تغيّر الموقف والأمثلة كثيرة وعديدة.. منذ حادثة الباخرة التمثيلية التي رافقتها.

في 2/1/1918 أصدر الصدر الاعظم طلعت باشا تصريحاً عن عزم الحكومة العثمانية، نظراً لصداقتها الطويلة لليهود، على ان تساعد الاستيطان اليهودي بالسماح بالهجرة الحرة. والاستيطان ضمن حدود مقدرة البلاد على الاستيعاب ومنح الحكم الذاتي طبقاً لقوانين الدولة، والتطوّر الحرّ للثقافة اليهودية، وعبر تصريح ألماني عن دعم ألمانيا للأماني الصهيونية.

وقد ضمت البرامج الاقتصادية التي وضعتها حكومة الاتحاديين مكاناً للمموّلين اليهود يمكنهم من السيطرة الاقتصادية. وكان أمل المنظمة الصهيونية من وراء السيطرة اليهودية الاقتصادية ان يتيح نظام الحكم الجديد ظروفاً مؤاتية للعمل الصهيوني وانتعاش الأماني الصهيونية بحيوية ظاهرة قوية.

نشط وكلاء المنظمة الصهيونية على المسرح التركي الجديد فوصل فيكتور جاكوبسون الى الآستانة للإشراف على الدعاية وهو زعيم صهيوني اشتهر بفن الدبلوماسية وبمعارضة ايّ بديل لفلسطين كوطن قومي لليهود . كما وصلها فلاديمير جابوتنسكي الذي عاش من 1880 1940 وكان من عتاة الحركة الصهيونية وقاد ما عرف بحركة الصهيونيين التصحيحيّين للإشراف على شبكة الصحف التي تديرها الصهيونية. وقد ركز الإعلام الصهيوني على إبداء مشاعر الودّ تجاه الحاكم الجديد، وعلى انّ الصهيونية لا تهدف الى فصل فلسطين عن الدولة العثمانية، وتوقع المؤتمر الصهيوني التاسع في هامبورغ 26/12/1909 ان تطوّر الدولة العثمانية الهجرة اليهودية من أجل مصالحها. وتركزت المساعي الصهيونية لدى الحكومة الجديدة على إزالة الإجراءات القانونية التي تحدّ من الهجرة الجواز الأحمر الذي لا يسمح لحامله اليهودي بالهجرة الى فلسطين، وملكية الأراضي . واتخذ زعماء جمعية الاتحاد والترقي مواقف متعاطفة مع الهجرة اليهودية الى الأقاليم العثمانية.

فأردوغان يسير وفق المنهج الذي سار عليه السلاطين كمال ومصطفى قبل ان يضع يده على السلطة ويفرض حكماً دكتاتورياً علمانياً ألغى بموجبه كلّ المظاهر الدينية من الآذان بصوت مرتفع والأمر بقراءة القرآن بلفتة تركية ضمن المساجد فقط..

واليوم يأتي أردوغان رافعاً راية الإسلام التكفيري الإرهابي المتحالف مع الصهيونية فيعدّل الدستور ليمسك بالسلطة بكاملها.. مبتدئاً خطاه بالمؤامرات ضدّ الشام والعراق متحالفاً مع عدو أمتنا أطماعه واسعة وأحلامه متعددة..

نحن على يقين انّ تكوين المجتمع التركي والثقافة التي تربّى عليها المجتمع الحديث لن ترضخ لنتائج انتخابات مشكوك فيها وبمراحلها..

انّ يهودية أردوغان المخفية تحت الشعارات الدينية ظهرت في كثير من التصرفات وعدوانها الكبير على الشام ومحاولة التمدّد والاقتضام.. ولكن ما يواجهه في الشام هو غير ما واجهه بالأمس.. اليوم نحن في مرحلة الوعي لحقيقتنا بشكل عميق حدّدنا فيه أعداءنا الداخليين والخارجيين.. نحارب بثبات ولا نخاف الحرب..

ولمن نسي نقول علينا أن نعي حقيقتنا بشكلٍ عميق وواعٍ وأن نحدّد أعداءنا الداخليين والخارجيين، فأعداء الداخل أخطر من أعداء الخارج، فدرهمُ وقاية خيرٌ من قنطار علاج، فلا نضيّعنَّ الفرصة، نحن نواجه عدواً صهيونياً شرساً ولكن هنالك أعداءٌ مارسوا بحق أمتنا نفس الأدوار قبل «إسرائيل» وفي مقدمة هؤلاء الأتراك، فلا نُؤخذ بالمسرحيات والتمثيليات التي تجري باسم فلسطين لكسب ودّنا وإغماض أعيننا، فقد كانت ولا زالت مؤامرات الأتراك بحقنا عميقة الجذور من أجل القضاء على العروبة من أساسها وسورية سيفها وترسها، فما يجري اليوم من قبل الحكام الأتراك ضدّ سورية هو إتمامٌ لما حاولته جمعية الإتحاد والترقي وأفشلته يقظتنا، فقد حاولت هذه الجمعية التي معظم قادتها من ذوي الأصول اليهودية تتريك العرب ولكنها فشلت.

بعد كلّ هذا نعيد التذكير بما قاله سعاده: «ما أقوله في صدد لبنان والشام أقوله في صدد فلسطين، فالسياسيون الكلاسيكيون هناك لم يتمكّنوا من إيجاد أيّ دفاع مجد يصدّ الخطر اليهودي، لأنّ أساليبهم لا تزال من النوع العتيق المسيطر فيه الصفة الاعتباطية والأنانية والمغرّرة للشعب. ولا بدّ لي من التصريح في هذا الموقف انّ الخطر اليهودي هو أحد خطرين أمرهما مستفحل وشرّهما مستطير. والثاني هو الخطر التركي. وهذان الخطران هما اللذان دعوت الأمة السورية جمعاء لمناهضتهما.

عوا قضيتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل…

اترك تعليقاً

Back to top button