تركيا.. استفتاء للديكتاتور!
نظام مارديني
يُعَدّ مصطلح «الأنموذج التركي» من أكثر المصطلحات التي تداولها المحللون والمعلقون خلال السنوات التي سبقت العدوان الكوني على سورية، ولطالما تساءلوا عن سبب الغرام الغربي لهذا الأنموذج الإسلامي في منطقة تعيش على صفيح بركان منذ بدء الاستيطان اليهودي في الجنوب السوري ـ فلسطين، وقد شكل «الأنموذج التركي» نقطة قوة لرجب طيب أردوغان الذي كان قد خرج توّاً من السجن ليقود حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي المعتدل في العام 2003 إلى مشروعه الأميركي في المنطقة الذي عُرف لاحقاً بمشروع «الربيع العربي»، عبر ثورات إسلامية متطرفة تسعى لإقامة الديمقراطيات خصوصاً في سورية. وقد شكّل أردوغان رأس حربة في هذا المشروع الآيل لإسقاط «الديكتاتوريات» في المنطقة، ولكن كما يقول شكسبير «للزنابق الفاسدة رائحة أشدُّ فساداً».. وها هو السلطان الإسلاموي يركب موجة الديكتاتورية ويذهب نحو استفتاء لتعديل الدستور عبر تحويل نظام الحكم، من نظام برلماني الى نظام رئاسي يجعل منه حاكماً مطلقاً في تركيا، ويفوز فيه بنسبة النصف زائداً واحداً، ولكنه جاء فوزاً مطعّماً بالضعف، إذ إن النصف الآخر للمجتمع التركي 49 في المئة قال لا للتعديل الدستوري، وكسر كذبة تسويق أردوغان لنفسه داخليًا وخارجيًا بوصفه حامل لواء الديمقراطية في مواجهة «أنظمة عربية شمولية»، بل ووضع تركيا في سلة واحدة مع «أعداء» الديمقراطية التي روّج لها في المنطقة.
إن إثارة سؤال «ماذا بعد الاستفتاء؟» وظهور نتائج «النصف زائداً واحداً» أقلقت مناصريه، في الداخل والخارج، مثلما حملت أملاً لدى معارضيه وخصومه الذين ينتظرون عزلة تركيا خارجياً، وتوتراً داخلياً لا سيما مع العلمانيين من جهة، وحزب العمال الكردستاني من جهة ثانية، فـ «كل فعل له رد فعل مساوٍ له في القوة، ومعاكس له في الاتجاه»، على حد قول نيوتن في قانونه الثالث. ولم تعد في الأوساط السياسية والإعلامية والثقافية سراً معاداة شخص أردوغان الذي تصفه بـ«الفاشي»، و«الديكتاتور»، و«المريض بحب السلطة»، كما جاء في موقع «الفورين بوليسي».
إن الحدّ من خصوصية الأنموذج الأتاتوركي، في علمانية الدولة، وفرضٍ نوع من الشعبوية «الإسلاموية الاخوانية» على هوية الدولة وتنوّع ثقافاتها ومكوّناتها سيدفع الى تعزيز سياسة العسكرة في تركيا، تحت يافطات الخوف من الانقلابات، وإلى مواجهة الفيدرالية الي يطالب بها حزب العمال الكردستاني، كما سيعني مزيداً من الأزمات مع العراق وسورية، وحتى إيران وروسيا، وسيكون نقطة جذب للسياسات الأميركية الجديدة في المنطقة، من خلال استغلال الأرض التركية بوصفها عضواً في الناتو لتأزيم المنطقة المتخمة بالحروب. وها هو أردوغان يغازل الرئيس الأميركي أمس، ويقول «شتّان ما بين ترامب وقادة أوروبا»، خلال حديثه لشبكة «سي إن إن انترناشيونال» الأميركية.
يبدو أنّ الاستفتاء سيحول السياسة التركية الى ممارسة علنية في المفارقات، وفي محاولة جرّ الشعب التركي نحو الاصطدام مع الايديولوجيا الدينية المتطرفة.
لأردوغان نقول ما قاله جبران خليل جبران:
«الشجرة التي تنبت في الكهف لا تُعطي ثمراً».