حزب لله درس «تداعيات» الجولة الإعلامية قبل القيام بها
روزانا رمّال
تجزم مصادر متابعة للزيارة التي نظّمها حزب الله للإعلاميين في الجنوب لـ«البناء» أن حزب الله وقبل اتخاذ القرار بالزيارة والإعلان عن إمكانية المشاركة بها لمن يرغب من الصحافيين والإعلاميين، ناقش تداعياتها محلياً وخارجياً وبهذه المناقشة تمّ استعراض الاحتمالات كلها، وما يمكن أن يخرج عن رئيس الحكومة اللبنانية أو المواقف الرسمية وما سيخرج عن خصومه السياسيين والقوى المؤيّدة للمشاريع الغربية عموماً، وأن النتيجة كانت بالنسبة اليه «أن ما سيصدر من مواقف على اختلاف درجاتها ليس لها تأثير»، وتأكيداً على هذه الخلاصة كان قرار الحزب بالقيام بالجولة. وتضيف المصادر «من ضمن دراسة الموقف، ولأن الأمر يتّصل بالمقاومة، كان هناك مجموعة من النقاط التي لا بدّ من تقييمها وأبرزها: هل يتم إظهار السلاح للعلن؟ وبطبيعة الحال كانت هذه المرة الأولى التي تظهر فيها مجموعة مسلحة بعد أن حدّد شكل الجولة على أساس زيارة موقع من مواقع المقاومة في الجنوب «بسلاحها» وخرج ضابط من المقاومة وشرح للإعلاميين ما يجري خلف الحدود من قبل الإسرائيليين». وتختم المصادر «المقاومة كانت «شريكاً» والأمر لا يتعلق بحزب الله بشقه «الإعلامي» لذلك كل شيء كان مدروساً ولا يتخيّل أحد عكس هذا، ومن الواضح أن التوقيت يلعب لصالحها».
وعليه، عندما تكون المقاومة «شريكاً»، فإن هذا يعني أنها تحمل قراراً مرتكزاً على دراسة توقيت الظروف والأجواء الإقليمية الراهنة السورية والفلسطينية بشكل خاص، فكان المتابعون أمام عملية «مقاومة» تشبه بوزنها أي عملية عسكرية فعلية لإنتاج ردع جديد، ظهر فيها المقاومون لأول مرة منذ القرار 1701.
يتحدّث حزب الله بلغة جديدة مع مَن يعنيهم الأمر أممياً ودولياً، ويؤكد أنه إذا كانت «إسرائيل» تخرق القرار 1701 من دون أن تبالي، فإنه لن يؤثر فينا الحديث عن خرقه بعد اليوم، خصوصاً أن الأمم المتحدة لم تستطع لجم «إسرائيل» عن التحليق فوق أجواء الجنوب اللبناني والمناطق كافة.
ومع العودة للمواقف المحلية والتي يبرز فيها موقف لافت للرئيس سعد الحريري من الناقورة الجنوبية من عند قوات «اليونيفيل» يقول فيه إن الحكومة اللبنانية «غير معنية» بما قام به الحزب، فإن تشريح الموقف لا يدلّ على «حدّة» في كلام الحريري بقدر انتهاج موقف «وسطي» يؤكد أنه مُحرج أمام جهة خارجية ما، وهو بدلاً من أن «يرفض» ما قام به حزب الله مثلاً ويطلق موقفاً حاسماً، علَق بـ«التنصل» مما جرى بموقف معتدل بأبعد تقدير. فالحريري يدرك أن حزب الله شريك أساسي له بالحكومة اللبنانية وأن أي موقف متطرف تجاهه كفيل أن ينسف محطة يسعى الحريري لتعزيزها وتطويرها تتمثل بحوارات قائمة بين معنيين بالضاحية وبيت الوسط، والأهم حماية «التوافق» عليه كاسم أو مرشح دائم لرئاسة الحكومة بعد الانتخابات النيابية المفترضة. وعلى هذا الأساس تتوضح إحد نقاط قوة حزب الله مجدداً ونجاحه في اختيار التوقيت الأنسب لهذا النوع من استعراض القوة «الفعلي». فالأمر ليس وليد ارتجالات غير محسوبة النتائج إنما قرارات مبنية أصلاً على منطق فائض قوة محلي وخارجي يتيح لحزب الله اللعب على الوتر الذي يؤلم «إسرائيل» بطريقة أوفى ويتيح له فرض توازنات اللعبة التي دخل فيها الأرض السورية وأصبح أحد أبرز اللاعبين فيها.
ما فعله حزب الله شكّل المحرك الذي أطلق هذه الأفعال والأقوال، بطبيعة الحال فهو حرّك الآخرين لأخذ مواقعهم فمن يؤيد «إسرائيل» وواشنطن محلياً ودولياً بطبيعة الحال خرج ليعلن على طريقته وأدان حزب الله وامتعض واستنكر، ومن يتخذ موقعاً وسطياً خرج ليقول نحن لسنا معنيين، لكننا موجودون في الجنوب، ومَن يؤيد عرف تماماً اللحظة وأن حزب الله نقل جمهوره إلى مرحلة جديدة تجعل أي حركة نافرة من «إسرائيل» تقابل بمنطق العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم، ولو كان الأمر خرقاً بسيط للقرار 1701. وهنا ضاق الخناق أكثر على الخيارات «الإسرائيلية» ومسألة التمادي في العبث بالسيادة اللبنانية وهي «ثقافة» «إسرائيلية» بحدّ ذاتها تتعلّق بعنجهية مطلقة تجاه دول الجوار، فكيف يقابلها حزب الله بمنطق التهديد بالخروج مثلاً عن الخيارات الدولية او التلميح بإمكانية دخول الأراضي الفلسطينية ونسف الاتفاق المقصود في أي لحظة يرى الحزب فيها ضرورة؟
يتقن حزب الله توجيه الرسائل للداخل والخارج، ويتقن معها لعبة عض الأصابع وإنهاك الخصوم، وبلحظة سادت فيها محاولة أخذ الأنظار محلياً الى رغبة حزب الله بالسيطرة على البلاد وقوانين انتخابية وأملاك البلاد والعباد منذ لحظة انتخاب الرئيس العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، أعاد تذكيرهم بأن معركته هي هناك مع ذلك العدو وعند تلك الحدود وأن أي حراك سياسي محلي له عليه أن ينسجم مع ذلك الخيار وتوفير أرضية أنسب له وإلا فهو لن يكون شريكاً فيه.
فهم الحريري وأنقذ ماء وجهه أمام حلفائه السعوديين والأميركيين وقام بشكليات ما يلزم بطريقة حمى فيها مستقبله السياسي مع الحزب لما بعد بعد الانتخابات النيابية، والحفاظ على حظوظ إعادة تسميته رئيساً للحكومة اللبنانية.