البيت الأبيض يوحِّد بين الجيشين «الإسرائيلي» والأردني والإرهاب

د. وفيق إبراهيم

ما يجري في جنوب سورية من تزامن مريب بين اعتداءات «إسرائيلية» متزايدة على مواقع مقابلة للجيش السوري وتحرّكات يومية للمخابرات الأردنية مع عشائر المنطقة وأعيانها وتكثيف هجمات المنظمات الإرهابية، لا يمكن اعتباره مجرّد أعمال عشوائية الطابع ومنفصلة.

فتصريحات المسؤولين الغربيين تذكر إصرار الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا على بناء «مناطق آمنة» مزعومة في الجنوب، بذريعة أنّ الحل السياسي للأزمة السورية يتطلّب وقتاً، وهذا يحتاج «ببراءة» إلى تأسيس إدارات محلية لها أجهزة أمنية وتمويل خاص بها، وهكذا يستطيع السوريون أن ينتظروا الحل بسهولة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

لذلك يجب الربط بين الاعتداءات «الإسرائيلية» والدور السياسي العسكري الأهلي الأردني مع حركات التنظيمات الإرهابية ضدّ كلّ ما يتحرّك، وبذلك يتمّ توحيد الجهود الأميركية «الإسرائيلية» والأردنية وداعمي الإرهاب في كلّ من السعودية وقطر وتركيا، فيحظى جنوب سورية باهتمام دولي وإقليمي تلعب «إسرائيل» دور «العصا» والأردن دور «الجزرة» العربيّ المموّلة من الخليج وتركيا دور «المستعدّ للانقضاض» في الشمال والوسط.

هذا ما أراد الرئيس بشار الأسد التنبيه إليه عندما كشف عن دور يجري تحضيره لنشر ألوية من الجيش الأردني في جنوب سورية… والذريعة الهاشميّة حاضرة، وهي التصدّي للإرهاب الهارب من الشمال والوسط إلى الجنوب، وهي حجة يستطيع الملك عبدالله الثاني أن يُبرِّر فيها تدخّله السوري المرتقب، معتبراً أنّه ضروري لمنع تدمير الدولة الأردنية.

وهنا، لا بأس من استعراض تدحرج الدور العسكري «الإسرائيلي» من اعتداءات قليلة، تحوّلت غارات قويّة وصولاً إلى قصف وغارات بشكل شبه دائم، أمّا تفسير هذا التدرّج فسببه الدور الأميركي في سورية الذي ابتدأ بالتدخّل مستثمراً ثلاثة أنواع من الأدوار التركي الذي فتح حدوده لكلّ الجهاديات الإرهابية العالمية والسلاح والتمويل والتدريب والدعاية السياسية في أوساط مسلمي العالم، والأردن الذي لعب دور المشرف والمخطّط والمسهّل للتنظيمات الإرهابية وبعض العسكريين الفارّين من الجيش السوري.

لقد تولّت غرفة «الموك» التي تُعتبر بمثابة «قيادة أركان» التنظيمات الإرهابية في سورية، تنظيم الهجمات ضدّ الجيش السوري، واستعانت بخدمات كلّ أنواع المخابرات الدولية والأقمار الاصطناعية وعلاقتها التاريخية بعشائر حوران المرتبطين نسباً بعشائر القسم الأردني من حوران الذي يشكّل «ربع الأردن».

والتورّط السعودي القطري في تمويل الإرهاب كان أيضاً من الأسباب المعوّل عليها لإسقاط النظام بسرعة، لا سيّما أنّ للخليج جهات موالية في لبنان حاولت أن تدعم الإرهاب ولم تنجح بسبب الاستنفار التاريخي للجيش اللبناني وحزب الله والأحزاب الوطنية والقومية واليسارية الحليفة.

هذه هي الأسباب التي جعلت واشنطن تعتقد أنّ الأسد راحل بسرعة، ولا لزوم إذاً لتدخّل عسكري «إسرائيلي» قد يؤدّي إلى عودة التضامن العربي الذي ابتدأ بالتفكك على ألحان الفتنة السنّية الشيعية. ما يفرض على المتبقّين اعتبار الغارات «الإسرائيلية» في السنوات الثلاث الأولى للأزمة السورية، هجمات تستهدف حزب الله، العدو الأساسي لـ»إسرائيل»، مع إعطاء جرعات معنويّة للمعارضة الإرهابية بضرب بعض قواعد الجيش السوري. وكلّما كان الإرهاب في سورية يسجّل تراجعاً، كان تدخّل الآلة العسكرية «الإسرائيلية» يزداد انكشافاً.. لكن واشنطن كانت تلجم دائماً مشاريع الاندفاعات «الإسرائيلية» الكبيرة.

وتوالت التغييرات الميدانية نتيجة للتحالف المتين بين الجيش السوري وحلفائه وسلاح الجو الروسي وإيران، بدليل النجاح في تحرير مناطق واسعة من مدن سورية وقراها، فتراجع الإرهاب الذي كاد أن ينهار لولا التدخّل الأميركي والتركي و»الإسرائيلي» المباشر.

فالإرهاب هو الأداة القابلة للاستثمار في مشاريع واشنطن، وممنوع تدميره قبل تحقيق المشروع الأميركي في المنطقة. ولأنّ الجزء الأول من هذا المشروع سقط بالضربة القاضية، وأثبت الرئيس الأسد أنّه مجسّد أماني وتطلّعات الشعب السوري ومنه يستمدّ قوّته واستمراره، فكان لزاماً على واشنطن أن تلجأ إلى أمرين متتابعين محاولات سحب روسيا من حلفها السوري الإيراني، أو خلق موازنات عسكرية جديدة يُراد منها استكمال تحقيق المشروع الأميركي في المنطقة، الذي أصبح معروفاً: تقسيم سورية لمنع التواصل بين أعضاء الحلف الإيراني السوري اللبناني، ولجم روسيا عند الساحل السوري. وبذلك تنتهي القضية الفلسطينية، وتمسك واشنطن بالمنطقة اقتصادياً وعسكرياً واستراتيجياً، بما يحول دون تشكّل مرجعيات إقليمية ودولية جديدة.

الواضح حتى الآن أنّ هناك اهتزازاً عميقاً في التفاهمات الروسية الأميركية، لأنّ موسكو لم تقبل بمعادلة القضاء على الإرهاب بالتزامن مع إقصاء الرئيس الأسد عن السلطة، مع المحافظة على القواعد الروسية في الساحل وبناء مناطق آمنة لها صفات كانتونات سياسية متكاملة في جنوب سورية وشرقها.

لذلك ذهبت واشنطن نحو الخيار الثاني، وهو الاستفادة من العلاقات الجيدة بين «إسرائيل» والخليج، وبين «تل أبيب» وأنقرة، أو بين الكيان اليهودي مع كلّ من الأردن ومصر، واعتبرت أنّ مثل هذه التحالفات توفّر لها نجاح مشروعها بشكل كامل. وهذا يتطلّب بدوره أمرين اثنين: الاستعانة بتاريخية الأردن في جنوب سورية، واستحداث دور «إسرائيلي» عسكري يمنع تصفية الإرهاب في المناطق الجنوبية والجنوب غربية، ودفع مصر لتغطية هذا الحلف بشكل من الأشكال المختلفة للعمل العسكري.

ضمن هذا الإطار، يمكن استيعاب ضربتين «إسرائيليتين» استهدفتا مواقع للجيش السوري في أنحاء مدينة القنيطرة المتشابكة مع مواقع تنظيمات إرهابية من «النصرة و»داعش»، وجيش الإسلام وأحرار الشام. وكلّم يوالون القاعدة وتفرّعاتها والمخابرات التركية والسعودية والقطرية.. ومن المنتظر أن لا تتعدّى الضربات «الإسرائيلية» المناطق الحدودية والقريبة منها لتحقيق ما يريده الأميركيون. وهي «المناطق الآمنة»، حسب زعمهم، إلى جانب كانتون كردي وشمال سوري محتلّ من الأتراك وأحلافهم الإرهابيين.

أمّا الأردنيّون، فالمطلوب منهم دور سياسي في إقناع أهالي الجنوب السوري بالمناطق الآمنة المزعومة، واختيار إدارتها المحلية من بين المتعاونين معهم، على أن ينشروا كتائب أردنية في هذه المناطق السورية بدعم مادي من الخليج، ومعنوي من مصر التي قد يتطوّر دورها إلى حدود المشاركات العسكرية الرمزية، حسب ما قد يتوصّل إليه الرئيس المصري السيسي في السعودية، التي يزور حالياً عاصمتها الرياض، من اتفاقات ومنح وهبات.

هذا ما تفعله واشنطن.. لكن السؤال يتوجّه إلى المحور السوري الإيراني الروسي حول طرقه لمواجهة التصعيد الأميركي.

يبدو أنّ تحرير أرياف دمشق ومناطق القلمون وعمق حماة وحمص، مع توغّل من صحراء تدمر وضواحي دير الزور ودرعا، هي من العمليات التي تؤدّي إلى سقوط مفهوم «المناطق الآمنة» بتضييق حركتها. أمّا «إسرائيل»، فإنّ الطرفين الروسي والإيراني لن يتورّعا عن اعتبار تدخّلها العسكري، عملاً من شأنه دفع المنطقة نحو حرب إقليمية قد تتدحرج إلى مدى أكبر، أخذاً بعين الاعتبار أنّ الجيش السوري وحليفه حزب الله لا يتهاونان في هذه المسألة أبداً، بدليل أنّ توتراً ملحوظاً بدأ بالتشكّل عند حدود لبنان مع فلسطين المحتلة، اي على مقربة من بيئة حزب الله.

وهذا مؤشّر لبناني على استعداد كبير لمجابهة المشروع الأميركي المغطّى بالخليج و»إسرائيل»، والمتحالف مع الإرهاب؟ ألم تعلن «إسرائيل» أنّ «جبهة النصرة» الإرهابية، اعتذرت منها لأنّ إحدى قذائفها أصابت بالخطأ «أراضي إسرائيلية»، بينما هي أراضٍٍ سورية محتلة في الجولان؟!

لكنّ الكلمة النهائية هي لجبهة المقاومة المتحالفة مع روسيا، والذاهبة إلى نصر من شأنه الدفع نحو إعادة تشكيل المرجعيّات الدولية الإقليمية، ولو كره الكارهون.

اترك تعليقاً

Back to top button