العين الأميركية على الحدود اللبنانية – السورية؟
روزانا رمّال
لبنان خامس أكبر متلقٍّ للمساعدات العسكرية الأميركية على ما أعلنته السفارة الأميركية في بيروت، والتي كانت قد سلّمت لبنان دفعة من المساعدات العسكرية في عهد السفيرة الجديدة اليزابيث ريتشارد في شهر آب من العام الماضي، واليوم تعيد واشنطن إرسال حزمة جديدة منها تسلّمها السفيرة ريتشارد أيضاً للجهات اللبنانية المعنية – نائب رئيس أركان الجيش اللبناني للتجهيز العميد جان فرح – ضمن إطار مساعدة الولايات المتحدة للجيش اللبناني بمكافحة الإرهاب على الحدود اللبنانية السورية بعد ان كان قد اجتاح داعش لفترة قليلة منطقة عرسال الحدودية لينكفئ بعد عمليات مكثفة من الجيش اللبناني. قيل حينها إنّ الأمر لم يتقصر فقط على العمليات العسكرية بل تعداه إلى قرار سياسي إقليمي دولي بعدم تسعير جبهة الحدود اللبنانية السورية في وقت تعتبر الجهات المتابعة للتطورات الميدانية طيلة العامين الماضيين أن هناك استحالة أن تتقدم هذه المجموعات التي لم تغيب عن أنظار عناصر حزب الله المنتشرة على مساحة الحدود كافة بشكل معروف.
تدرك واشنطن جيداً وجود حزب الله في تلك البقعة وتدرك أيضاً أنها تشترك معه في مكافحة الإرهاب فيها عنوة، الحديث هنا ليس عن مسألة المساعدات بل عن معلومات مؤكدة تفيد بأن هناك تعاوناً بين الجيش اللبناني والاستخبارات الأميركية في بعض العمليات التي لعبت فيها واشنطن دوراً في كشف خلايا إرهابية. وهي كلها ضمن الخطة نفسها الموضوعة بإطار مكافحة الإرهاب. وقد تمّ إلقاء القبض على أخطر هذه الخلايا وأكثرها وحشية، وفي أكثر من مرة كان للدور الأميركي تاثير هام.
لا تُخفي الدولة اللبنانية هذا التعاون تماماً، كما لا ترفض معونات الجيش اللبناني وبدوره حزب الله لا يمانع هذا التعاون بين الجيش والجهات الأميركية، طالما أن الهدف هو واحد مع علمه المسبق بازدواجية المعايير المتبعة في لبنان منه إلى تلك المتبعة في سورية، حيث تفتح الولايات المتحدة الخطوط كلها لدعم المسلحين بوجه النظام السوري. وإذا كان السؤال المحدد والمطروح عن سبب هذا مشروعاً، فإن الجواب برغبة إبعاد لبنان عن الصراع بالمنطقة يطرح بدوره سؤالاً آخر، لماذا لبنان ولماذا تهتم الولايات المتحدة الأميركية بأمنه ودعم الجيش اللبناني في كل فترة بقدر معين؟
تؤكد مصادر متابعة لتحرّك السفارة الأميركية في بيروت لـ«البناء» وخيار وزارة الدفاع الأميركي «البنتاغون» بإرسال مساعدات للجيش اللبناني وتخصيص دورات تدريبية لكبار ضباطه كل عام مع أفضل العلاقات بين الطرفين، وأن العلاقة بين الجيش اللبناني والولايات المتحدة هي أولوية بالنسبة لواشنطن ولهذا اسباب عديدة ابرزها موقع لبنان المحاذي للأراضي المحتلة واهمية ان تبقى واشنطن على دراية كاملة بوضع الجيش اللبناني وهو الجيش الكلاسيكي الأقرب لحليفتها «اسرائيل». هذا بديهي، أما ثانيا فيتجسّد بمسألة الحذر من إهمال الجيش اللبناني لئلا يلجأ الى دول أخرى للمساعدة او يعزّز علاقته على سبيل المثال مع روسيا او حتى إيران التي عرضت المساعدة ورفضتها الحكومة اللبنانية. وبالتالي حسب المصدر، «حتى لو كانت المساعدات ليست كافية، لكنها كافية لوضع لبنان تحت مظلة البنتاغون وعينيه».
اللافت ان الولايات المتحدة الأميركية تجاهلت بالكامل ذرائع السعودية العام الماضي التي كانت قد علّقت مساعدات قدرها ثلاثة مليارات دولار لقوات الأمن اللبنانية والجيش، بسبب ما تراه تزايداً في التقارب بين بيروت وطهران. وهو الأمر الذي تدركه واشنطن جيداً وتتخطّاه تلقائياً، بل وتدرك أيضاً أبعد من ذلك، وهو ما يتمثل بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة، وهو ما يتمثل بعدم إمكانية الفصل بين الجيش وحزب الله، بالرغم من محاولات أميركية وعربية في العهد السابق لتشويه المعادلة الذهبية وتحويلها لخشبية كما كان متداولاً.
مساعدات جديدة تهدف لتحسين حماية الحدود أكثر من الف بندقية رشاش للجيش اللبناني كجزء من الجهود المستمرة لتحسين أمن الحدود و800 بندقية رشاش ثقيلة و320 قطعة سلاح أخرى، اضافة الى معدات للجيش اللبناني جرى اختبارها في القتال.
السفيرة الأميركية أكدت على دور الجيش اللبناني الهام في مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجهها البلاد، والتي ينشأ الكثير منها عن الصراع في سورية، لكنها أكدت أيضاً أن الجيش هو المدافع الوحيد عن لبنان، في إشارة طبعاً الى حزب الله. وإذا كانت هذه الاشارة تعني أن واشنطن تريد تقوية الجيش اللبناني للقيام بمعارك مصيرية أو أنه يتحضّر لمعركة عرسال مثلاً، فإنها تدرك تماماً أن هذه المساعدات ليست كافية لتقوية الجيش إلا مرحلياً، ولا تعدو سوى مساعدات إثبات وجود ورسالة عدم تسليم الجيش لحلفاء سورية الإقليميين خصوصاً روسيا التي تطمح في تعاون بين الجيش اللبناني والجيش الروسي في مكافحة الإرهاب من جهة الحدود اللبنانية السورية قبل إقفال الملف نهائياً. وهنا يصبح السؤال أين سيغرد لبنان لحظة انقشاع التسويات الإقليمية وبدء معركة مكافحة الإرهاب المفترض أن تكون فيها واشنطن وموسكو بأدوار مباشرة ونهائية؟ الأكيد أن لبنان هو إحدى أهم المناطق بالنسبة للفلك الأميركي الذي لن تستغني عنه بسهولة، وما الإعلان عن بناء سفارة بقيمة مليار دولار في بيروت والتي شبّبهها المراقبون بقاعدة أميركية دائمة إلا تأكيد على نية واشنطن تعزيز حضورها في لبنان.
كل هذا وسط مؤشرات عن إمكانية فتح جبهة عرسال بعد إنجازات ضخمة للجيش وحزب الله في الجرود على الحدود اللبنانية السورية تحت العين الأميركية.