الفصل الأخير من الحرب على سورية…

د. خيام الزعبي

لم تصل الحرب في سورية إلى خواتيمها بعد، لكنها على ما يبدو دخلت مرحلتها الأخيرة لإنهاء الوجود المسلح، حيث يقف السوريون على مشارف نهاية سبع سنوات من التوحّش الدولي، بأيدٍ عربية، حاولت التنظيمات المسلحة والقوى المتطرفة الأخرى، بتحريض أميركي «إسرائيلي»، للسيطرة على محور حي القابون، بحكم أهمية الحيّ كعصب رئيسي للمسلحين لاحتوائه على شبكة أنفاق تصله بحي برزة من جهة وبالغوطة الشرقية من جهة أخرى، ونقطة انطلاق هجماتهم باتجاه العاصمة دمشق، لكن السوريين استطاعوا فرض وجودهم والسيطرة النارية والميدانية، وكسر المعايير المتعلقة بالتوازن، وإسقاط كل حسابات أميركا والغرب بشأن سورية.

فى تطوّر مهمّ للحرب على الإرهاب فقدتْ التنظيمات المسلحة نفوذها وقوتها في سورية والمنطقة، لأنّ الدعم المطلق لإسقاط الرئيس الأسد انتهى مفعوله وبدأت الدول الداعمة تتجه نحو تقليص دورها في سورية، لأنّ هذه التنظيمات بأشكالها كافة فشلت في تحقيق أهدافها وما تسعى الوصول له، ولأنّ اللاعبين الروسي والإيراني بدّلا قواعد اللعبة وأغلقا الطريق على تركيا، الممرّ الأساسي الذي كان يمدّ هذه الجماعات المتطرفة بالمال والسلاح والدعم اللوجيستي، وبانتزاع القابون من احتلال المتطرفين لن يبقى لهم بعده سوى جيوب صغيرة محاصرة ومعزولة عن الإمداد.

في الوقت الذي تتركز فيه الأنظار على مرحلة الحسم، أحرز الجيش السوري تقدّماً مهماً في جبهة القابون، فالجيش السوري عبر وحداته النخبوية يسارع من عملياته العسكرية ويحقق نتائج ميدانية هامة في تلك المنطقة، عبر القضم التدريجي للمساحات الجغرافية وكتل الأبنية التي تشكّل عوائق تتحصّن فيها فصائل النصرة، لذلك طلب مئات المقاتلين معظمهم ينتمون إلى «فيلق الرحمن» و»جبهة النصرة» من حي القابون وقف القتال في القابون والتوجّه إلى الغوطة الشرقية، ويأتي هذا الطلب بعد التوقيع على اتفاقية مناطق تخفيف التوتر في العاصمة الكازاخية أستانة، حيث إنّ منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق واحدة من تلك المناطق ولذلك أراد مقاتلو القابون التوجه إليها. ويأتي هذا التطور الميداني في حي القابون عقب عمليات عسكرية مكثفة وضربات مركزة شنّها الجيش السوري على مواقع المسلحين هناك وفي ظلّ تقدّم كبير للجيش في عمق حيّ القابون.

على خط موازٍ، استطاع الجيش السوري وحلفاؤه بعد معارك طاحنة مع المسلحين الوصول الى منطقة القلمون الغربي بمنطقة الزبداني في ريف دمشق الغربي. وتمكّن الجيش الموجود في جرود الطفيل وبلدتي سبنا والدرة بالتواصل مع القوات الموجودة بمناطق عمود بلودان والزبداني وسرغايا، بعدما قامت هذه القوات بمسح وتمشيط للتلال والجرود الواصلة بين هاتين المنطقتين والتي أصبحت خالية تماماً من المسلحين بعد خروج آخر دفعات لهم من «سبنا والدرة»، وهذا الإنجاز سيمكّن الجيش السوري من جعل الحدود السورية – اللبنانية آمنة بخط ممتدّ من جهة طريق دمشق الدولي الزبداني شمالاً إلى سرغايا ودرة والطفيل وصولاً إلى جرود فليطة بمسافة حوالي 113 كم.

وفي الاتجاه الآخر استطاع الجيش السوري إحكام السيطرة على مساحات جديدة في منطقة التليلة بالريف الشرقي لمدينة تدمر وناحية جب الجراح بريف حمص الشرقي بعد القضاء على آخر تجمّعات داعش فيها، ومع تزايد الضغوط عليها، يحاول مقاتلو تنظيم داعش تحويل الأنظار عن هذه المنطقة وشنّ هجمات متكرّرة على القوات السورية المرابطة في محافظة حمص، وتحشد المجموعات المسلحة والقوى المتطرفة كلّ قوتها بشكل جدي من أجل إيقاف الجيش السوري، ومع ذلك سيتمكن الجيش حتماً من محاصرتها والقضاء عليها، وقد تكون إعادة الاستيلاء على هذه المدينة كافية لتشجيع العديد من مقاتلي داعش وأخواتها على وقف القتال والتخلّي عن الحرب ضدّ الجيش السوري.

مع استكمال المرحلة الأولى فى معركة دمشق، والتى بدأت منذ أسابيع عدة والاستعداد للمرحلة النهائية والحاسمة، يمكن القول إنّ ثمة مساراً جديداً ستدخله سورية باتجاه إنهاء وجود تنظيم داعش فى البلاد، بعد أن ظلّ يهيمن على مساحات شاسعة في أنحاء مختلفة من دول المنطقة، والمؤكد أنّ الانتصار في معركة القابون التي تعتبر معقل التنظيمات المسلحة، سيشكل البداية الحقيقية لطرد مقاتلي داعش من العاصمة دمشق والمنطقة بأكملها، وهو الهدف الاستراتيجي للجيش العربي السوري والذي يواصل استعداداته اللوجستية والتكتيكية لإنهاء هذا التنظيم ومن ورائه، والمضيّ قدماً للحفاظ على أمان العاصمة وإبعاد الخطر عنها، مستفيداً من الإسناد الذي يقدّمه الطيران والدعم الروسي الإيراني.

مجملاً… هناك مؤشرات تؤكد الفصل الأخير من الحرب على سورية والتي بدأت تلوح في الأفق رغم المطامع الأميركية – الغربية في المنطقة، بذلك فشلت داعش وأخواتها فشلاً ذريعاً بتحقيق أهدافها المزعومة في سورية ما دفعها إلى خلق انتصارات كاذبة تكشف زيفها بطولات ميادين القتال، لكن كما عوّدنا جيشنا على الانتصارات الحقيقية ستبقى سورية وعاصمتها عصية قوية برجالها ومقاتليها، شامخة منتصرة، فسورية لن تهزم ولن يُهزم شعبها، وسوف يُهزم أعداؤها اليوم كما هُزموا بالأمس…

khaym1979 yahoo.com

اترك تعليقاً

Back to top button