– واشنطن والرياض: – السودان بدلاً من سورية؟
ناصر قنديل
– تتقدّم علاقة الرياض بواشنطن من اختيار جعل الرياض الوجهة الأولى لزيارة الرئيس الأميركي للمنطقة من البوابة السعودية التي تستضيف للقاء الرئيس الأميركي حشداً من حلفاء واشنطن تكريساً لمكانتها من جهة وللولاء الذي يقدّمه المدعوّون لواشنطن من جهة مقابلة. والزيارة التي ستشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة وتتوّج بلقاء ثلاثي أميركي فلسطيني «إسرائيلي» بهدف إطلاق المسار التفاوضي، تترافق مع مؤشرات تبريد للخطاب الأميركي الفظّ في الانحياز لـ»إسرائيل» أملاً بتلطيف مناخ الرعاية الذي تريد واشنطن منحه للخيار التفاوضي. والأبرز هنا هو الإعلان الأميركي عن تأجيل ضمني لقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وفقاً لما وعد به الرئيس الأميركي سابقاً، والقول إنّ الأمر لا يزال قيد الدرس، وسيؤجّل لستة شهور تتبعها ستة أخرى، وهكذا ربطاً بالمسار التفاوضي.
– مسار تفاوضي هادئ برعاية أميركية للقضية الفلسطينية يريح السعودية، وخطاب عدائي أميركي لإيران بصفتها جبهة الاشتباك الأولى في المنطقة يلبّي تطلّعات الرياض، وما بينهما سلة أميركية لمقاربة أوضاع المنطقة تبدو السعودية المعني الأول بها، تطال ترتيبات إدارة ملفات المنطقة ورسم خريطة التعامل مع مشكلاتها وتحالفاتها ومعاركها وآليات إدارتها، ويبدو للوضع السعودي الداخلي، خصوصاً توازنات العائلة المالكة دوره ضمنها وأثمان تسدّد في حساباته لقاء الطواعية السعودية، التي ستنال دوراً بارزاً في جبهة التصعيد على إيران، وفي ملف التفاوض الفلسطيني «الإسرائيلي».
– تحضر ملفات سورية وليبيا كمحاور اهتمام أميركي مباشر في الحرب على داعش، حيث مشاريع تغيير الأنظمة قد انتهى زمانها، وحيث السعي لمحاصرة إيران وحزب الله مسؤولية أميركية كما الحرب على داعش، والدور السعودي إسنادي، حيث يتطلّب الأمر ذلك، وحيث الأدوار الإقليمية فيهما تريدها واشنطن لغير السعودية، فمقابل تمسكها بالخصوصية الكردية في سورية تريد تعويض تركيا بمنحها تكريساً لدورها المرجعي في الحلّ في سورية بالتشارك مع روسيا، وفي ليبيا حيث العنوان الأهمّ هو الحرب على داعش، يحضر الإسهام السعودي حيث يخدم الرؤية الأميركية لكن الرعاية الإقليمية للحرب والتسويات ستكون مصرية بشراكة جزائرية حيث الضرورة. والوقائع التي يقدّمها الوضع في سورية وليبيا يظهر هزال الحضور السعودي المباشر والعجز عن تقديم شيء آخر غير المال، سواء لتخريب التسويات، أو لتعزيز وضع قوى تضمّها واشنطن لمسارت التسوية، وكليهما يُدار عبر واشنطن ولا يبرّر للسعودية دوراً.
– في الملف اليمني يتصدّر الاهتمام الدولي الحديث عن الوضع الصحي الكارثي والحاجة الماسة لوقف الحرب، في ظلّ عجز سعودي عن تحقيق تقدّم في مسار الحرب عسكرياً. ويبدو ظهور الحراك الجنوبي كطرف مباشر في العملية السياسية يطرح الانفصال عن الشمال، ويعلن مجلس حكم انتقالياً، مؤشراً يضاف لتطور الخلافات الإعلامية بين شريكي الحرب بوجه السعودية أنصار الله والمؤتمر الشعبي، ليتبلور رباعي يمني سياسي قوامه، حكومة منصور هادي وأنصار الله والمؤتمر الشعبي والحراك الجنوبي، ويبدو ذلك موضع ترحيب أميركي لبحث صيغة دستورية فدرالية تشبه ما يرغبه الأميركيون لسورية لتكريس الخصوصية الكردية العسكرية والأمنية، ويقدّم الأميركيون التعدّد اليمني كمصدر تحوّل يريح السعودية في تظهير التسوية بمكان مختلف عن ثنائية حصرية سعودية إيرانية، ويأخذ المناطق الاستراتيجية الجنوبية كباب المندب وعدن خارج مخاطر سيطرة الحوثيين لاحقاً.
– الخروج السعودي بعدم تحقيق أرباح يمنية مقابل عدم تكبّد خسائر، معادلة أميركية تتزامن مع خروج سعودي هادئ من الملفين الليبي والسوري، يحدث بينما يقرّر الأميركيون رفع العقوبات عن السودان، الدولة التي تموضعت سياسياً وأمنياً تحت العباءة السعودية، والتي تشكل ثقلاً أفريقياً وسكانياً وجغرافياً وتقع قبالة السواحل السعودية على البحر الأحمر. وسيشكل في العلاقات الأميركية السعودية التعويض الذي ستحصل عليه السعودية عن خروجها من سورية وليبيا بعد خروجها من العراق، لترتسم الجغرافيا الإقليمية الجديدة، بنقل الزعامة السعودية من المجال العربي والإسلامي الواسع إلى الجوار المباشر، ولكن بما يتخطى الحدود الخليجية التقليدية. ففي اليمن ستتزايد مساعي استقطاب الحراك الجنوبي والمؤتمر الشعبي لفصلهما عن أنصار الله، وتقريبهما من السعودية بوعود وإغراءات، ليصير الحلّ تكريساً لدور سعودي وازن في اليمن ومعه السودان ومعهما جيبوتي وربما غداً الصومال، جناح غربي للزعامة السعودية يقابله شرقاً وضع مميّز مالي وسياسي وأمني في باكستان، ويترك المشرق والمغرب العربيان لحسابات وأرصدة أخرى، حيث تبدو العلاقة بإيران في المشرق من الزاوية الأميركية علاقة شراكة يحدّها خط أحمر هو أمن «إسرائيل»، بينما في المدى الحيوي السعودي تبدو من المحرّمات.